• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أنا.. وهي.. ورمضان

د. أحمد عيسى – إيمان مغازي الشرقاوي

أنا.. وهي.. ورمضان

تركنا القلم بين أيدينا ليُفصح مدى الاندماج الزوجي الذي يرفع شهر رمضان قدره ويزيد أثره من خلال المقتطفات التالية:

 

بين زكاة وزكاة:

أنا..

حين أُخرج زكاة الفطر أتذكر زوجتي، فإنني أخرج الزكاة عنها وعن كلِّ من أعول، وكلِّ نسمة مخلوقة في الأسرة (لذا تسمى زكاة الفطرة بمعنى الخلقة) أيضاً، وتسمى زكاة الرؤوس؛ حيث تخرج عن كلِّ رأس من البشر، وهي كما في حديث الرسول (ص): "طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين".

انظر إلى هذه الكتلة الأسرية الواحدة التي ينوب عنها راعي الأسرة ليخرج مالاً من جيبه، ليتطهر الجميع من اللغو والرفث.. عجيب تلك العلاقة الوطيدة بيني وبين زوجي.. حرص من الشرع أن تتم المشاركة المالية والمعنوية، فأنا أدفع لتتطهر هي! رغم أنّ لديها مالها الخاص، ولكن كوني العائل الذي ينفق على الأسرة، رغم غنى الزوجة، فأنا المسؤول عن إخراج زكاة الفطر عليها.. ما أجمل ذلك.. المال أو الطعام المنفق رمز لوقاية الأهل والنفس من النار! وهنا في هذا الموقف.. طريق لقبول الصيام دون نقص أو شائبة.

سبحان الله.. ما أجمله من تعاون وانسجام!

كما يظهر لي نيابة الأب لإطعام المساكين.. مقارنة لحال اليتامى والأرامل الذين فقدوا العائل، فأوجد الله لهم البديل، وفيه لبقية الأسرة حثّ على شكر المنعم الذي أنعم عليهم بعائل يحفظهم من غوائل العوز والحاجة والفقر، وكأني حين أخرج زكاة الفطر عن الجميع، بدلاً من أن تُخرج الزوجة أو غيرها عن أنفسهم أخرجها باسم الأسرة، ليتجلى التكافل الأسري في المجتمع الكبير.

قارن ذلك بزكاة المال.. التي يجب على الزوجة إخراجها من مالها الخاص إذا بلغ النصاب، حيث تتمتع الزوجة في الإسلام باستقلالها المالي، فلها أن تحتفظ بمالها الخاص، راتبها في العمل وميراثها، حيث إنّ زوجها هو المسؤول في الإنفاق عليها من ماله.

وحينما يختلط القلبان بحب عميق، قد يختلط المال عن طيب خاطر، دون منّ أو أذى.

المال في يد الزوجين أداة للخير على أنواعه، وفي زكاة المال فرصة سانحة للتخفيف على مشارب كثيرة في المجتمع كما في مصارف الزكاة الثمانية.

ولا أجد صورة تعكس الإسلام حينما يتحكم الرجل في مال زوجته الخاص، أو أن تنفق المرأة مالها الخاص فيما لا يجدي، أو تمتنع عن مساعدته في أوقات الأزمات، أو يخفي أحدهما عن الآخر مركزه المالي.

ومن ومضات الفقه الإسلامي المنيرة صحة دفع المرأة زكاتها لزوجها إذا كان زوجها فقيراً أو مديناً، بشرط أن تضمن عدم عودة هذه الأموال أو عودة شيء منها عليها على شكل طعام أو كساء؛ لأنّ من صحة الزكاة ألا تعود على المزكي من ورائها منفعة دنيوية؛ لأنها قرية خالصة لله.. يحدث بها التطهير والزكاة.

وفي شهر رمضان الفرصة ليعبّر كلّ منهما عن حبه للآخربالتوسعة من طرف والرضا من الطرف الآخر، التوسعة (خاصة في العيد) التي تجلب الفرحة ولا تصيب النفس بالإسراف، والرضا الذي يخلق القناعة ولا يصيب القلب بالغفلة.

 

هي..

حين ينقضي شهر رمضان بأيامه الطيبات ولياليه المباركات يترك لنا العديد من جوائزه التي لن يفوز بها إلا من كان رمضان حقاً في بيته قائماً، وفي قلبه حاضراً، ومن هنا، فإني أرى هذه المعاني وأتذوق ثمراتها حين أجد زوجي يخرج من ماله زكاة الفطر عنه وعن كلِّ من يعولهم وتلزمه نفقتهم ومنهم أنا، تلك الزكاة التي جعلها الله طهرة للصائم من اللغو والرفث، ومن منا لا يخدش صيامه أو يجرح، فنحن جميعاً خطّاؤون في كلِّ وقت، ومقصرون حتى في رمضان، ونحتاج جميعاً للتطهير الذي يكون في إخراج تلك الزكاة المباركة المطهرة، كما قال الله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِه) (التوبة/ 103).

وها هو الزوج لا يغفل عن أدائها ولا ينسى وقتها، وإنما يخرجها عني سعيداً راضي النفس مستبشراً، فأتعجب من ذلك وأعجب به، وأشعر فيه تكريماً لجنس المرأة بوجه عام، ألم تكن هي هي مَن تُحرَم من التملك ويؤكل إرثها ولا يعترف لها بأدنى ذمة مالية؟! فما بالها اليوم تحتفظ بمالها كله لا تنفق منه على نفسها ولا غيرها إلا ما جادت به تطوعاً، ويؤمر زوجها بإخراج زكاة الفطر عنها، يمحو بها لغوها، إذ يسعى لتطهيرها من أي خطأ أو تقصير وقع منها في رمضان.

إذا نظر الزوجان أحدهما أو كلاهما إلى تلك المعادلة العجيبة الخارقة للعادة، إذ العادة تقضي بأنّ كلَّ فرد دنس نفسه وأوقعها في أوحال الغفلة والنسيان فخاض مع الخائضين لاغياً لاهياً ولو لعدة لحظات، هو بلا شك مطالب بتطهير نفسه لتنقى، لكن الأمر هنا بالمعكوس، فالزوجة يقع منها اللغو والزوج هو الذي يقوم بالتطهير عنها وإزالة ما علق بها من آثاره.

ألا ترى أنّ في ذلك صورة جميلة ورائعة لانصهار الزوجين معاً في بوتقة واحدة، وكأنهما جسد واحد؟ كما أنّ فيه تقوية لعلائق المودة والصلة بينهما، فالزوجة التي ترى زوجها مسؤولاً عن إخراج زكاة الفطر عنها يتأكد لها أنّه القيِّم عليها رعاية وعناية وحماية ونصحاً وتوجيهاً، فتقبل ذلك منه، وتراه لا يقلل من قيمتها شيئاً إن لم يرفع منها، وهي بلا شك ستبادله نفس الشعور والمشاركة من مالها الخاص إن أصابته حاجة أو مرّ به عوز.

كما أظن أنّها رسالة لكلِّ الأزواج والأولياء أن زكوا أنفسكم وزكوا من تحت أيديكم ورعايتكم.. بسعي حثيث منكم دائماً للتطهير بالبذل والعطاء والتضحية والإيثار والحب والرحمة والنصح والإرشاد.. تطهير بلا قليل منّ أو يسير أذى.. تطهير لا تشوبه شائبة غلظة ولا تكرده فظاظة أو قسوة.. بل يكون برضا واحتساب.. حينها يشعر الزوج كما تشعر الزوجة أنّ كلاً منهما جزء من الآخر؛ يكمل نقصه ويجبر كسره ويطهر جسده ويستر عيبه ويؤثره على نفسه.

 

المصدر: مجلة المجتمع/ العدد 1918 لسنة 2010م

ارسال التعليق

Top