• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التربية الصحية بين المطلوب والممكن

التربية الصحية بين المطلوب والممكن

إنّ التعريفات المقدّمة في هذا المجال عديدة، وسوف نكتفي بالتعريف الموثّق في "ميثاق أوتاوا" لسنة 1986: "رفع المستوى الصحّي لدى المواطن يتمثّل في منح الشعوب الوسائل التي تحقق لهم تحسين صحّتهم ومراقبتها والسماح للمجموعات أو للأفراد، بتحقيق طموحاتهم وتلبية حاجاتهم والتطوّر والتكيّف مع محيطهم".

في ما يأتي سوف نحاول إجراء مقارنة بين "النموذج الطبّي السائد" (الطبّ الممارس من بعض الأطبّاء في بعض مستوصفاتنا وبعض مستشفياتنا وبعض مصحّاتنا الخاصّة) وبين مفهوم "رفع المستوى الصحّي لدى المواطن" وهو النموذج المطلوب:

 

1-  النموذج الطبي السائد:

-         يقع التركيز على المرض لا على المريض كأنّ الأمراض بمعزل عن المحيط الاجتماعي.

-         يصنّف المرضى حسب نوعية الأمراض فقط ويعالجون على هذا الأساس.

-         يحتكر المهنيّون من أطبّاء وممرّضين وبيولوجيّين كلّ السلطة على المرض وكلّ المعلومات حول المرض.

-         يسأل الطبيب المريض عن تاريخه الوراثي فقط كأنّه بلا حاضر ولامستقبل، وكأنّ الوراثة هي السبب الوحيد المحدّد للمرض ناسياً أو متناسياً الأسباب المكتسبة.

-         يبدو أنّ بعض المهنيّين يعتبر أنّ المريض ليس في حاجة لثقافة صحية فلا يعلمه بالتفاصيل ويأخذ القرار مكانه.

-         أحياناً يتطرّق الطبيب إلى التاريخ الصحي للمريض وظروفه الاجتماعية.

-         في جلّ الحالات يذهب مباشرة إلى تشخيص المرض كأنّ المرض ليس في المريض.

-         يتعامل مع العضو المريض في الجسم كما يتعامل الميكانيكي مع قطع الغيار.

 

2-  النموذج المطلوب رفع المستوى الصحي لدى المواطن:

-         يقع التركيز على صحّة الأفراد والمجموعات وظروف حياتهم اليومية لا على الأمراض فقط.

-         يصنّف المرضى على أنّهم بشر يعيشون داخل مجموعة ثقافية معيّنة ولا تختزل هويّتهم في نوع مرضهم.

-         يجب على الطبيب أن يحترم المريض ومعرفته بمرضه ويشرّكه في تشخيص الدّاء، مهما كان مستواه الثقافي.

-         يجب فتح موقع في الإنترنت لكلِّ مواطن منذ ولادته على نفقة الدولة يحتوي ملفّه الصحي ويكون تحت مراقبته. بعد استشارة المريض، يطّلع الطبيب على الملف الطبي ويستفيد منه قبل مقابلة المريض.

-         يجب أن يكون للمواطن ثقافة صحية حتى يشارك في اتّخاذ قرارات تهمّ صحّته ويطبّقها عن اقتناع.

-         اعتماد الأعشاب الطبية قد يكون أقل ضرراً لكن هذه الأعشاب تباع بأغلى الأثمان في الصيدليات.

-         تخصيص أكثر وقت للزوجة والأطفال والأصدقاء والفسحة والسياحة والمطالعة والثقافة والإنترنت.

-         تحسين الظروف المعيشية من تدفئة وتكييف في المسكن.

-         مزيد من التحكّم في التوتّرات النفسية المهنية والعائلية.

-         ممارسة الرياضة بانتظام في قاعة رياضة أو خارجها.

-         العمل بنظام غذائي متوازن.

-         تحسين القدرة الشرائية لعلاقتها الوثيقة بالصحة.

-         إجراء بحوث أكاديمية حول التداوي العربي التقليدي بالأعشاب علّنا نكتشف علاجاً رخيصاً و"بيولوجياً" لأمراضنا.

يمكن لنا أن نستنتج من المقارنة السابقة أنّ النموذجين يتكاملان لتحسين صحّة المواطن.

قد يتراءى للقارئ أنّنا غير مؤهّلين للخوض في المجال الصحي المهم في حياة الإنسان، لكن كلنا يعلم أنّ الصحة اليوم هي مسؤولية مشتركة بين المريض والطبيب وقد يأتي يوم يشخّص فيه المريض مرضه بنفسه.

نرجع الآن إلى اختصاصنا التربوي وننقد المقاربة الصحية الوقائية في المدرسة التي تتّسم بـ"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وتفرض نماذج سلوكية عامة وجاهزة لا تترك مجالاً للفروقات الاجتماعية لدى التلاميذ والأمثلة عديدة:

لا تشرب الخمر لأنّها حرام. لا تتعاط المخدّرات لأنّها مضرّة. لا تدخّن. لا تمارس الجنس، كن دائماً لطيفاً ومهذّباً.

لذلك نرى أنّه من واجبنا تقديم مقاربة صحية مدرسية بديلة تتمثل في النقاط الآتية:

-         تشجيع التلميذ على ضمان استقلاليته اتجاه السلوكات غير الصحية وبعض المنتوجات الطبية والابتعاد ما أمكن عن الغرائز والانفعالات والأفكار المسبّقة وسلطة الإعلام والقوالب الجاهزة في الموضة والرياضة.

-         تعزيز الثقة بالنفس لدى التلميذ وتدريبه على التحكّم في التوتّر وإتّقاء الأخطار المحدقة به وإنقاذ الآخرين.

-         تنبيه التلميذ لدور المصانع غير المؤهّلة وبعض وسائل الإعلام في تدهور المحيط الصحّي والنفسي للمواطن.

-         إبراز دور القدرة الشرائية والحبّ والضحك والأصدقاء والنظام الغذائي في رفع المستوى الصحي.

-         توفير التجهيزات الصحية الكافية والنظيفة والفضاءات الترفيهية والتدفئة والتكييف داخل المدرسة.

-         حثّ العاملين بالمدرسة على ملاءمة سلوكاتهم الصحية اليوميّة مع ما يتلقّاه التلميذ من تربية صحية.

-         دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة في المدرسة وتوفير تسهيلات لوجستيّة لتنقّلهم وتعلّمهم.

-         تشريك التلاميذ والأساتذة والقيّمين والأولياء ومهنييّ الصحة والسلطات المحلية ورجال الأمن ورجال المطافئ في إعداد برنامج التربية الصحية.

-         توفير إطار متخصّص لمعالجة المشاكل النفسية والعاطفية للتلميذ لأنّها قد تعوق اكتسابه للمعرفة.

-         ربط تدريس التربية الصحية بالإختصاصات الأخرى باعتبارها تربية على المواطنة ولا تقتصر على الجانب الفيزيولوجي فقط.

خلاصة القول: لو أدخلنا التربية الصحية كما نراها نحن في برامج الابتدائي والثانوي والجامعي باعتبارها مادة ذات أهمية أساسية ولو خصّصنا لها عيادة في كلِّ مستوصف لتحسّنت صحّتنا.

ارسال التعليق

Top