• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هل بات الكالسيوم يحتاج إلى إعادة نظر؟

نوال نصر

هل بات الكالسيوم يحتاج إلى إعادة نظر؟

◄تَخلّي عن الأفكار الصحّية المتوارثة

ما إن تقترب المرأة من عمر الثلاثين، حتى تُصبح في حيرة بين أن تأخذ مُكمِّلات الكالسيوم، أو أن تشرب الحليب وتأكل اللبنة والجبن والبيض، أو أن تتابع حياتها كما كانت تفعل في 30 عاماً مضت؟ ماذا تفعل؟ وأي خيار تعتمد؟

من زمان وزمان والإناث، يعتقدن أنّهنّ يحتجن بعد أن يبلغن سنّ الثلاثين إلى 1200 ملليغرام من الكالسيوم يومياً، من أجل درء حدوث كسور وفقدان العظام في العقد الثالث. وكانت بعض النصائح تذهب إلى أكثر من هذا بكثير، داعية إلى الحصول على ما لا يقل عن 2000 إلى 3000 ملليغرام من الكالسيوم يومياً، في سبيل الحفاظ على عظام قوية؛ لكن هل يمكن الحصول على كلّ هذه الكمّية من الطعام وحده؟ سؤالٌ تسبب في قلق بنات حوّاء، خصوصاً في دول الغرب، حيث بالكاد يحصلن من النظام الغذائي الغربي على 900 ملليغرام كالسيوم يومياً.

والحل؟ هل يُفترض أخذ مُكمِّلات الكالسيوم؟ وهل فعّالية هذه المكملات هي نفسها فعّالية الغذاء الطبيعي؟

 

-          مخاطر وأضرار:

وجدت دراسات عدّة جرت على مدى الأعوام الخمسة الماضية، أنّ تناول مكملات الكالسيوم يمكن أن تتأتّى عن ردود سلبية وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب وحصى الكلى، وظهور أعراض الجهاز الهضمي.

وفي تفاصيل الأبحاث، أنّ تناول الكالسيوم مع أو من دون فيتامين D يزيد من خطر الإصابة بنوبات قلبية بنسبة تتراوح بين 13 و24 في المئة، كما أنّ تناوله مع فيتامين D يزيد من خطر الإصابة أيضاً بالجلطة الدماغية بنسبة 16 في المئة.

·      إذا كان يتخلل تناول الكالسيوم أخطاراً صحّية، فهل في المقابل يحمي من كسور العظام؟

صحيح أنّ بعض الدراسات القديمة قد أظهرت أنّ مكملات الكالسيوم يمكن أن تقلل من معدل الإصابة بكسور العظام؛ لكن دراسات أخرى أشارت إلى أنّها لا تمنع هذا أبداً، فما هذه الدوّامة؟

·      ماذا نُصدِّق وماذا لا نُصدِّق؟

كلّ حياتنا ونحن نسمع عن قيمة الحليب الصحّية المُثلى في حماية العظام مع التقدُّم في العمر، فهل كان ما سمعناه خطأ؟

دعونا نأخذ الموضوع من جانب آخر عبر السؤال: لماذا نرى في البلدان الأكثر تقدُّماً صناعياً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا ونيوزيلندا ودول أوروبا الغربية، أعلى مُعدّلات كسور في العظام، وهي التي يستهلك شعوبها أعلى نسبة من الألبان في أي مكان آخر في العالم؟ وفي المقابل، فإنّ شعوب جزء كبير من آسيا وأفريقيا تستهلك أقل نسبة من الحليب والألبان، وفيها أقل نسبة من الكسور؟ ماذا يعني هذا؟ وكيف يمكننا بالتالي تحصين أنفسنا طبيعياً في مواجهة هذه المعادلة؟

 

-          نمط الحياة:

تُظهر الأبحاث الجديدة، أنّ عظامنا تحتاج إلى أكثر من مُجرّد كالسيوم، وتُبيِّن الطريقة التي نأكل بها جنباً إلى جنب مع النمط الحياتي الذي نختار ونحيا، الشكل الذي ستكون عليه عظامنا حين نكبُر، وذلك بغض النظر عن عدد أكواب الحليب التي شربناها أو مكملات الكالسيوم التي استهلكناها.

وهذا يشير، بحسب كثير من الأطباء والباحثين، إلى أنّ نظرية الكالسيوم مُفلسة! والحل الأفضل الذي يُعدّ مفتاح الوقاية من ترقق العظام، يكون في اتّباع نظام غذائي كامل مُتكامل منخفض الأحماض.

فماذا في هذا النظام الذي يمكن أن يتحوّل إلى نظام غذائي طبيعي، بديل عن نظرية الكالسيوم الفلسفية القديمة؟

يُقال إنّه كلما انخفض الرقم الهيدروجيني على العبوة الغذائية ارتفع مُعدل الحموضة، وتشمل الأغذية عالية الحموضة المشروبات الغازية الخاصّة بالحمية والفراولة والصلصات المتنوّعة، كما أنّ الأطعمة المصنّعة والمعبّأة في أوعية زجاجية، هي في الأغلب حمضية بسبب القواعد التي تتطلب درجة حموضة عالية لحفظ المنتج.

ليس لأحد مشكلة شخصية طبعاً مع الكالسيوم. وعلى العكس، فإنّه معدن أساسي ضروري لصحّة جيِّدة، لكن صحّة العظام لا تعتمد على استهلاك كثير من الكالسيوم. فلماذا التركيز عليه طوال عقود في قدرته على حماية العظام؟ سؤال وجيه وجوابه: إنّ الجسم يحتاج إلى الكالسيوم الذي يدعم بنية ووظيفة الأسنان؛ لكنّه مثل الطوب في الجدار لا يكفي وحده من أجل بنيانٍ سليم، وبالتالي وجب علينا حماية أنفسنا عبر تناول الكالسيوم وأشياء أخرى كثيرة.

هناك مَن يعتقدون أنّه يمنح جسمه ما يحتاج إليه من فيتامينات، ويقي نفسه من مخاطر الإصابة عبر اتباع منهاج حياة سليم؛ لكن ما لا يُدركه هؤلاء، أنّ تناول الكالسيوم وحده، في وقت يفتقر فيه الجسم إلى فيتامين D، يكون بلا فعالية، لأنّ الجسم يحتاج إلى فيتامين D من أجل امتصاص الكالسيوم الذي يحصل عليه من مصدرين: أشعة الشمس المباشرة والغذاء.

وهناك أمر آخر يجهله أو يتجاهله البعض، وهو مؤثرات التدخين والقهوة والشاي السلبية جداً في الجسم، لأنّ مادّة الكافيين تحث الأمعاء على إفراز الأسيد الذي يحتاج بدوره إلى كمّيات تعادله من الكالسيوم، ما يجعل الأخير غير قابل لامتصاص الأسيد. بالتالي، لا يعود قادراً على تخزين كمية الكالسيوم في العظام.

·      ماذا عن تلك العظام التي نتكلم دائماً عنها ونُحمِّلها ثقل الجسم كلّه؟

تظل العظام تنمو حتى سن الثلاثين، تبدأ بعدها بخسارة كميات من الكالسيوم الطبيعي التي تُسهم في منحها الكثافة والصلابة، وتشتد خسارة هذه الكثافة مع اقتراب سن اليأس، وتوقف عمل المبيض، وتدني مستوى الـ(إستروجين) عند النساء، والـ(تستوستيرون) عند الرجال، ما قد يتسبب في (هشاشة العظام) في المقلب الآخر من العمر.

 

-          والحلّ؟

فلنتناول البروتين الذي يلعب دوراً بارزاً، يوازي دور الكالسيوم ويزيد، في الحفاظ على صحّة العظام وتكوين خلاياه في كلّ مراحل الحياة. فهل هذا يعني الإفراط في تناول البروتينات؟ لا. لأنّ كلّ شيء زاد عن حدّه ارتدّ سلباً. لذا، يجب تناول كميات مُحدَّدة مُوصَى بها من البروتين مع كمية من الكالسيوم، لأنّ هذا يُسهم في امتصاص الجسم للكالسيوم في شكل أفضل.

وفي النسب إذا كان وزن الجسم 60 كيلوغراماً مثلاً، فإنّه يحتاج إلى نسبة بروتين تتراوح بين 48 و60 غراماً يومياً.

 

-          البروتينات النباتية:

كثيرون يعتقدون أنّهم لا يستطيعون الحصول على البروتين الكافي، إذا كانوا لا يأكلون الأغذية الحيوانية. وهذا طبعاً غير صحيح، حيث إنّ الفاكهة والخضراوات، لاسيما ذات الأوراق الخضراء الداكنة، أو الفاصولياء المجففة، تحتوي على ما يكفي من البروتين للحفاظ على الصحّة العامّة ناهيك عن أنّها لا تتسبب بسريان الأحماض السيِّئة في مجرى الدم، ما يُعزز وجود الكالسيوم من ميل آخر، في حين أنّ تناول منتجات اللحوم من أجل الحصول على البروتين والكالسيوم، يؤمِّن قبل هذا كلّ السبيل للإصابة بالأمراض التي تقتل كثيراً من البشر في زماننا، مثل أمراض القلب والسرطان والسكتة الدماغية ومرض السكري.

في كلّ حال، يحتاج الجسم إلى الكالسيوم من أجل تخثُّر الدم، ونقل النبضات العصبية، وتنظيم إيقاع القلب، ويتم تخزين نسبة 99 في المئة منه في العظام والأسنان، في حين نجد نسبة واحد في المئة المتبقية في الدم والأنسجة الأخرى.

في حين أنّ العظام هي نسيج حيّ في حالة تغيُّر مستمر في مختلف مراحل العمر، وهي تتجدد دائماً، حيث يتجاوز إنتاج العظام الجديدة العظام المدمرة قبل سن الثلاثين. أمّا بعده، فتتجاوز نسبة تدمير العظام نسبة العظام المتجددة. إذن، نحن في حاجة ماسة إلى الكالسيوم؛ لكنّه وحده لن يفعل المستحيل.

الكالسيوم جزء من حل لا كلّ الحل. فلنعتمد منذ الآن أكثر على الحركة، على الرياضة، ولنتناول البروتين، ولنخفف من تناول الأحماض، ولنأكل الخضراوات أكثر من اللحوم الحمراء.

فلنحيا بذكاء مُستعينين بالكالسيوم، لا أن نعيش في استرخاء مُتكلين مئة في المئة على الكالسيوم ومُتمِّماته.

وليكن كلّ هذا نقطة على سطر صحّي جديد.►

ارسال التعليق

Top