• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تعبئة وتوحيد وتقريب

تعبئة وتوحيد وتقريب

◄الربيع رمزٌ للحياة.. فالأرض في الربيع تهتزّ وتعود إليها الحياة والنموّ والبهاء والجمال..

وشهر رمضان المبارك ربيع الأشهر، لأنّه شهر إقتراب الإنسان المسلم من مصدر عزّته وكرامته وحياته: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) (فاطر/ 10)، ولأنّه دورة لتصعيد إرادة الأُمّة وتغلّبها على أهوائها وشهواتها ومتطلباتها الهابطة.

شهر رمضان المبارك يستطيع بكل ما يحمله من آداب وسنن وواجبات ومستحبات، وما يرافقه من مظاهر تسامٍ على صعيد الأُمّة يستطيع أن يصعّد المعنويات، ويزيل عوامل الضعف والخَوَر والهزيمة النفسية، وتحقيق الأهداف.

إنّ هذا الشهر المبارك هو أيضاً شهر توحيد.. التوحيد بمعناه الحضاري الذي يعني زوال كلّ الآلهة المزيفة من طريق تكامل البشرية وهدايتها نحو الإله المطلق الحقّ سبحانه، وما يحمله هذا المفهوم من حركة نحو صفات الله من علم وحكمة ورحمة وقوّة وقدرة وعزّة وكرامة وانتقام من الجبارين.

وشهر رمضان قادر – إن وعينا أهدافه – أن يقضي على أفظع صنم أو طاغوت يحول دون الحركة التكاملية للبشرية، وهو طاغوت النفس.

فالنفس أو الأهواء بالتعبير القرآن: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) (الفرقان/ 43)، أو الانشغال بالاهداف التافهة يحول دائماً دون التوجّه نحو الأهداف الكبرى.. ويجعل الإنسان يتهيّب صعود الجبال، ويعيش أبد الدهر بين الحُفَر. الانغماس في المتطلبات الهابطة وفي "فضول" العيش يجعل الإنسان ذليلاً خاضعاً لا يرى أمامه أيَّ هدف كبير:

لقد دقّت ورقّت واسترقّت *** فضول العيش أعناق الرجال

طاغوت النفس هو الصنم الذي أكّد المشروع الإسلامي على محاربته وسمّاه " الجهاد الأكبر" وهو العقبة التي دعا العرفان الإسلامي إلى تجاوزها بالعشق، أي باستثارة روح الشوق نحو الأهداف السامية.

شهر رمضان دورة ممارسة التغلّب على النفس وتجاوزها تجاوز العاشقين نحو ربّ العالمين، دورة التغنّي بجمال الله في الأسحار عبر الأدعية والأذكار: "اللّهمّ أسألك من جمالك بأجمله وكلّ جمالك جميل، اللّهمّ إني أسألك بجمالك كله".

في هذا الجوّ التعبوي التوحيدي التكالي يتحقق التقريب بمعانية كلها... إذ هو جوّ إحياء، والحيّ أجزاؤه مترابطة عضوياً، "إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى".

وهو جوّ الأهداف الكبيرة التي تتصاغر عندها الأهداف التافهة:

وتكبر في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم

وهو جوّ توحيد لا يدع للغرائز والأهواء الهابطة أن تعبث في وحدة الأُمّة.

وهو جو الارتباط بالله الواحد الأحد الذي دعا الناس إلى التعارف أو التبادل المعرفي:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).

ودعا العباد إلى أن يكونوا أُمّة واحدة:

(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92).

عوامل التمزيق لا تتعدى أن تكون إما بسبب ضمور روح الحياة في الأُمّة أو بسبب ضياع المثل الأعلى الكبير، أو الانسياق وراء الغرائز الهابطة.. وشهر رمضان دورة هامة لمكافحة كلّ هذه العوامل المضادّة.

ثمّ إنّ هذه الشهر يجعل المسلمين جميعاً يعيشون أجواء متشابهة وعواطف مشتركة وآمال موحّدة.. وكلّ ذلك يوفّر فرصة تجاوز التجزئة وتمتين أواصر الوحدة والتقريب. وعسى أن يتحقق ذلك في ربيع الصحوة وربيع رمضان أكثر من أي وقت مضى، وما ذلك على الله بعزيز.►

 

المصدر: مجلة ثقافة التقريب/ العدد 51 لسنة 1432هـ

ارسال التعليق

Top