• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تربية الطفل من دون تعنيف

تربية الطفل من دون تعنيف
◄"يلجأ معظم الأُمّهات، خاصة الحديثات، إلى الضرب أو الصراخ لتأديب أطفالهنّ والسيطرة على تصرّفاتهم الجامحة، غير مُدركات أنّ مثل هذا الأسلوب يُمكن أن يؤدِّي إلى تعزيز التصرُّفات نفسها، التي تسعى الأُمّهات إلى تصحيحها"
ثمّة إجماع على أنّ الضرب أو الصراخ يدل على عدم قدرة الأُم على فرض سيطرتها، ويُعلِّم الطفل أنّ العدوانية وسيلة مناسبة للتعبير عن الإحباط. لذلك، على الأُم أن تكون مُتنبّهة دائماً لأنّ التربية ليست عقاباً فقط، بل هي تعليم أيضاً. هناك طرق عديدة يمكن أن تتبعها الأُم في تربية طفلها، لكن المفتاح واحد وهو "الحب".
يجب ألا يغيب عن بال الأُم عند معاقبة طفلها، أنّها تعاقبه لأنّها تحبّه وتريده أن يكون محترماً وصادقاً وقادراً على تحمُّل المسؤولية عندما يكبر. في أحيان كثيرة تكون معاقبة الطفل أصعب كثيراً من عدم معاقبته. لذا، يتغاضى معظم الأهل عن بعض من أخطاء الطفل، ويتركون الأُمور تسير بشكل طبيعي.
إنّ مفتاح التربية، بغض النظر عن الأسلوب المتَّبع، هو تنفيذ الأُم العقاب الذي قررته مهما يكن هذا العقاب. فإذا لم تكن راغبة في تنفيذه، أو لم تكن قادرة على ذلك، عليها ألا تُهدِّد الطفل من الأساس. مثلاً، إذا قالت الأُم لطفلها أثناء وجودهما معاً في السوبرماركت: "لا تُلقِ الأشياء أرضاً عن الرَّف وإلا عدتُ بك إلى البيت حالاً"، عليها أن تنفِّذ تهديدها لأن من المحتمل أن يعود الطفل إلى رمي الأشياء، ليختبر إن كانت جادة في تهديدها فعلاً. لذا، إذا كانت الأُم لا ترغب في أن تُغادر السوبرماركت، من دون شراء إحتياجاتها، عليها ألا تُهدِّد طفلها.

أساليب جديدة على الأُم أن تبتدع أساليب جديدة في تربية طفلها، لأنّ الطفل الذي يعتاد على وضعه في مكان مُحدَّد دائماً، زاوية في البيت أو غرفته أو المطبخ، عقاباً له، يعتاد على هذا النوع من العقاب، فلا يعود يشعر بالإنزعاج. مثلاً، إذا قال الطفل كلاماً سيِّئاً لأحد، بدلاً من عَزله في غرفته، يمكن أن تطلب منه الأُم كتابة بضعة أسطر، يصف فيها الشخص الذي أساء إليه وَصفاً جيِّداً عقاباً له. أو إذا صرخ، يمكنها أن تعاقبه بالطلب منه ألا ينبس بكلمة واحدة مدة خمس دقائق. أمّا إذا أساء التصرُّف في متجر، يُمكن أن تعاقبه بحرمانه من الذهاب معها مدة أسبوع (في حال كان الطفل يحب الذهاب إلى المتجر). أمّا إذا ألقى لعبته، يُمكن أن تضعها في مكان بعيد عن متناول يده لمدة أسبوع، إلى أن يُبرهن على أنّه سيهتم بلعبه ويضعها في مكانها المخصَّص.

مهما يكن أسلوب التربية، على الأُم أن تتحدّث إلى طفلها بإستمرار، وأن تشرح له بهدوء ما الذي يُزعجها في تصرُّفه، وأن تُبيِّن له التصرُّف الصحيح، وأن تلفت إنتباهه إلى إحتمال مواجهة مشاكل في المستقبل، في حال لم يُصحِّح تصرُّفه وأخطاءه.

فن بما أنّ التربية فن، لا يُمكن إستخدام التقنيات نفسها مع كل الأطفال وفي كل الحالات. إذا كانت الأُم ترغب في أن يكون طفلها مُحبّاً وعطوفاً، عليها إستخدام الكثير من كلمات الحب أثناء التحدُّث إليه. وإذا كانت ترغب في أن يكون مُطيعاً ويحترم القوانين، عليها أن تطبِّقها في كل مرّة يخرقها ويُسيء التصرُّف، لا أن تُعاقبه مرّةً وتغضّ الطرف مرّة أخرى.
في جميع الأحوال، يجب أن يعرف الطفل أنّ هناك نتائج لأفعاله، ولماذا تُرفض تصرُّفاته. وأفضل طريقة لفعل ذلك وأكثرها فاعلية، هي جعل الطفل يُدرك أنّ عليه أن يتحمّل مسؤولية الفوضى التي يُحدثها، وأن يهتم بترتيب غرفته وبإعادة كل شيء إلى مكانه. قد يتردد بعض الأُمّهات في الطلب من طفل في عمر الثلاث سنوات، جَمع ألعابه ووضعها في مكانها أو ترتيب غرفته، إمّا إعتقاداً منها أنّه عاجز، أو لأنّه من غير المناسب تكليفه بهكذا مهمة، ولكن عليها ألا تستهين بقدرته. مثلاً، إذا ألقى الطفل طعامه على الأرض، على الأُم الطلب منه تنظيفها أو على الأقل المشاركة في ذلك. وإذا رسم على الجدران، يمكنها إعطاؤه قطعة مُبَلَّلة والطلب منه تنظيف الجدران، وبعد دقيقة أو دقيقتين تُنهي هي المهمة.
   مقترحات تسعى الأُم دائماً إلى تعليم طفلها أن يتصرّف بطريقة تناسب القيم التي ترغب في غرسها فيه. يمكن للمقترحات التالية أن تساعدها على التوصل إلى هدفها:
* وضع قوانين واضحة: على الأُم أن تصوغ القوانين بوضوح وأن تحرص على شرحها للطفل وتتأكّد من فهمه لها، حتى يستطيع متابعتها والعمل على تطبيقها. عليها أن تُبيِّن له أهميّة القوانين، لأن إدراك الطفل هذا الأمر، يساعده على التمييز بين التصرُّفات المناسبة والمقبولة، وتلك غير المناسبة والمرفوضة. وقد يؤدِّي هذا إلى إدراك الأُم، ألا حاجة إلى ضرب طفلها أو الصراخ في وجهه لتأديبه.
* إطلاع الطفل على نتائج التصرُّف السيِّئ: يجب أن تُطلع الأُم طفلها على نتائج التصرُّف غير المقبول ونتائج خرق قوانينها، لأن هذا يساعده على إدراك أن لأفعاله وخياراته نتائج. ولكن يجب أن تكون النتائج معقولة وتتناسب مع خرق القوانين. مثلاً، إذا كانت القاعدة "من غير المسموح مشاهدة التلفزيون قبل إنهاء الفرض المدرسي"، يمكن أن تكون نتيجة خرق القاعدة حرمانه يوماً بطوله من إمتياز مشاهدة التلفزيون. وعلى الأُم أن تشرح لطفلها نتيجة خرق القوانين قبل ذلك.
* تنفيذ النتائج حالاً: عندما يخرق الطفل القانون، يجب أن يطبق عليه عقاب الخرق حالاً. لأنّه إذا كان هناك وقت طويل بين خرق القانون وتنفيذ العقاب، لا يستطيع الطفل ربط الفعل بالنتيجة. وفي الوقت نفسه، إذا انتظرت الأُم فترة من الزمن قبل تنفيذ العقاب، يمكن أن يستمر الطفل في خرق القاعدة، عندها قد تفقد الأُم أعصابها فتلجأ إلى الصراخ على الطفل أو ضربه.
* المثابرة: بعدما تضع الأُم القوانين، والنتائج التي يُمكن أن تنجم عن خرقها، يجب أن تُثابر على تطبيقها. إذا بكى الطفل أو التَمَس منها مسامحته عند تطبيق العقاب، في حال ارتكب خطأ ما، على الأُم أن تبقى على موقفها وألا تتردد في تنفيذ العقاب، لأن تَراجُعها أو تَردُّدها، يعطي الطفل إنطباعاً بأنّها غير جادة في تطبيق القوانين، فيعتاد على خرقها من دون خوف من النتائج. وفي المقابل، إذا شعر الطفل بأنّ الأُم جادة، يزداد إحتمال إحترامه القوانين ويحرص على الإلتزام بها.
* الثناء على التصرُّف الجيِّد: يجب مدح الطفل دائماً وشكره وتشجيعه في حال تصرَّف تصرُّفاً جيِّداً. يرى التربويون، أنّه يجب الثناء على تصرفات الطفل أكثر من الطفل نفسه. مثلاً، إذا قالت الأُم لطفلها: "برافو. لقد سُررت منك لأنّك أنهيت دروسك قبل مشاهدة التلفزيون"، فإنّها تشجِّعه على إحترام القوانين وتُذكِّره بما يتوجّب عليه فعله.
* إعتماد الكتابة أسلوب من أساليب العقاب: يُمكن تطبيق هذا الأسلوب مع الأطفال بعد سن السابعة. تستطيع الأُم أن تعاقب طفلها في حال أخطأ التصرُّف، بأن يكتب بضعة أسطر أو رسالة إعتذار، ومن الأفضل أن يكتب عن تصرُّفه الخاطئ وكيف كان يمكن أن يتصرّف، وعن مشاعر الأنداد الذين أخطأ في حقّهم. إنّ عمر الثمانية أعوام هو الأنسب لبدء غرس القيم الجيِّدة في الطفل.
* حرمان الطفل من غَرَضه المفضّل: إنّ أهم ما في هذا الأسلوب، هو أنّه يحفز الطفل إلى العمل لإسترجاع غرضه. على الأُم ألا تكتفي بالقول لطفلها إنّها ستحرمه من غرضه مدة ساعة أو يومين أو أسبوع، بل عليها التوضيح له بأنّها ستحرمه منه مدة (اي مدة تراها الأُم مناسبة). وإذا لم يأتِ بأيّ تصرُّف خاطئ خلال هذه المدة، يُمكن أن يستعيد غرضه. مثلاً، إذا كذب الطفل، على الأُم حرمانه من لعبته المفضَّلة، وإذا عاد وكذب يمكنها القول: "سأعود إلى إحتساب الوقت منذ هذه اللحظة". إذا كان الطفل كبيراً يُمكن أن تأخذ منه غرضاً آخر، ثمّ تُحدِّد الوقت الذي يستطيع خلاله إسترجاع كل غرض لوحده.
* حرمان الطفل من إمتياز مُعيّن: ويُعتبر هذا من أفضل أساليب التربية من دون ضرب أو صراخ، لأنّه من أكثرها فاعليةً، خاصة إنْ كان الطفل متعلِّقاً جداً بهذا الإمتياز، مثل مشاهدة التلفزيون، حضور فيلم سينمائي يرغب الطفل بشدة في مشاهدته، ألعاب الفيديو، الكمبيوتر، آلة موسيقية يعزف عليها الطفل ومتعلِّق بها جداً، دراجته، حرمانه من الكلام مدة خمس دقائق أو أكثر.. إلخ، شرط أن تُنفّذ الأُم قرارها بحذافيره. مثلاً، إذا قالت الأُم لطفلها: "لن أسمح لك باللعب بألعاب الفيديو إذا لم تُنهِ دروسك". عليها فعلاً منعه من ألعاب الفيديو طوال المدة التي حدّدتها. يجب ألا يَغيب عن بال الأُم، أنّه عند حرمان طفلها من إمتياز ما، فإنّها تُعاقب نفسها أيضاً. لذا، عليها ألا تُبالغ في المدة التي تحدِّدها. مثلاً، عليها أن تسأل نفسها، هل في إمكان الطفل تحمُّل حرمانه من مشاهدة التلفزيون مدة أسبوع بكامله قبل إتخاذ هكذا قرار؟ لأنّ الطفل يشعر بالظلم إذا لم يكن العقاب يتناسب مع الخطأ. فالهدف من العقاب هو تأديب الطفل لا ظلمه.
* حرمان الطفل من وجبة العشاء الخفيفة: بالطبع هذا لا يعني ترك الطفل ينام جائعاً، إذ يمكن حرمانه من الحلوى أو العصير أو الفاكهة، أو حتى من وجبة العشاء الخفيفة التي تقدِّمها له قبل النوم. يمكن أن يعطي هذا الأسلوب النتيجة المرجوّة، لأنّه من المعروف أنّ الطفل لا يتحمّل حرمانه بشكل خاص من الحلوى والشوكولاتة. فالطفل يُبدي أحياناً إستعداداً لتناول طعام لا يحبّه حتى لا يُحرم من قطعة الـ(كاندي).
* عزل الطفل لفترة محدَّدة: أكثر ما ينفع هذا الاسلوب مع الطفل العصبي، الذي يثور بسرعة ويبدأ في إلقاء الأشياء أرضاً، وأحياناً كثيرة يرمي نفسه على الأرض ويأخذ في الصراخ. مثل هذا الطفل يحتاج إلى بعض الوقت حتى يعود إلى هدوئه. لذا، يُفضَّل أن يُعزَل الطفل في غرفته لفترة محدَّدة، خاصة إذا شعرت الأُم بالغضب من تصرُّفه، عندها يُحتَمَل أن تضربه أو تثور في وجهه. في هذه الحالة، تحتاج الأُم نفسها إلى وقت حتى تهدأ. بعد أن يهدأ كلاهما، على الأُم أن تتحدّث إلى طفلها بهدوء وحُب، وتعرف منه سبب غضبه الذي دعاها إلى عزله، إذ إنّ إدراك الطفل خطأه، يُعتبر الخطوة الأُولى نحو تصحيح تصرُّفه.
* وضع الطفل في سريره أبكَر من المعتاد: يمكن أن تتبع الأم هذا الأسلوب في تربية الطفل، إذا قلل من احترامها أو إحترام أي فرد في الأسرة، أو إذا بدا نكداً. يمكن أن تقول الأم لطفلها :"لقد صرخت كثيراً اليوم. هل تشعر بالتعب؟" في الأغلب يرد الطفل بالنفي. ولكن إذا عاد طفلها الى الصراخ والنكد، يمكنها أن تقول له بحزم :"يبدو أنك فعلاً متعب. لذا، عليك الذهاب الى النوم باكراً.. ولكن. إذا أحسنتَ التصرف وبهنت على أنك لست متعباً, يمكنك أن تبقى ساهراً الى أن يحين وقت نومك".
موضوع خلافي قد يقول البعض، إن الطفل الذي يُضرب يُحقق نجاحاً أكبر في الحياة، ويمكن أن يعيش حياة أسعد، ويمكن أن يظهر تعاطفاً أكبر مع الآخرين. يمكن أن يكون هناك الكثير من الحقيقة في هذا الكلام، ولكن كل الدراسات التي تناولت هذا الموضوع مؤخراً، دلت على أن الطفل الذي يعنف بعد سن السادسة، يحتمل أن يواجه مشاكل كبيرة تتعلق بالتصرف عندما يكبر. مثل الدخول في مشاجرات مع الآخرين، اللجوء الى العنف والضرب، إحتمال أن يلجأ الى تعاطي الممنوعات. كما إكتشفت الدراسات، أن الطفل الذي يُضرب في عمر ما بين الثانية والسادسة، يمكن ألا يتأثر كثيراً، بل قد يتحسن أداؤه الى حد معقول.
إن تربية الطفل موضوع خلافي كبير، إذ تختلف الآراء حوله، خاصة إن كان الموضوع يتعلق بالعقاب الجسدي. فالبعض يرى أن الضرب طبيعي وأسلوب مقبول. في جميع الأحوال، من المهم أن تتذكر الأم عند تأديب طفلها، أن عليها أن تكون هادئة وتتعامل معه بلطف. فمعظم الأمهات يفقدن السيطرة على أعصابهن، فيلجأن الى ضرب الطفل والصراخ عليه. وفي هذه الحالة، يمكن أن تندم الأم حيث لا ينفع الندم. لذا، من الأفضل للأم عندما تشعر بالغضب أن تنسحب من المسرح، وأن تعطي نفسها الفرصة لتعود الى هدوئها، أو أن ترسل طفلها الى غرفته، وأن تقول له إنهما سيناقشان الأمر بعد أن يهدأ.►

ارسال التعليق

Top