• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الطفل والهوايات

الطفل والهوايات

أكثر من مجرد وسيلة لتمضية الوقت

    عندما لا يكون لدى الطفل ما يشغله أو يهتم به، يبدو غير سعيد. ونتيجة لذلك، يشعر دائماً بالضجر ولا يعرف كيف يرفّه عن نفسه، فيتجه إلى مضايقة وإزعاج الأهل.

    ولأنّه لا ينخرط في أنشطة تجعله يشعر بأنّه كفؤ، غالباً ما تكون نسبة احترامه لذاته متدنية.

    كلُّ أُم ترغب في أن ترى طفلها يؤدي عملاً يساعده على أن يصبح شخصاً أفضل، وعلى التوصل إلى ما فيه خير له، وعلى امتلاك مهارات تساعده على عيش حياة صحية سعيدة، والهوايات هي التي تؤدي هذا الدور. إذ يستطيع الطفل من خلالها تحقيق رغبات أمه ورغباته. فإضافة إلى أنّ الهواية تعمل على شَغل الطفل لفترات طويلة وتجعله يتمتع بقوته، فإنّها تساعده أيضاً على البقاء بعيداً عن المشاكل وعن ضغط الأنداد.

    على كلّ أم أن تساعد طفلها على تطوير عادات جيِّدة. وعليها أن تكافح لتشجيعه على المشاركة في هوايات عديدة. فللهوايات تأثيرات عديدة في الطفل. فهي ضرورية، ليس لتطوير مهارات الطفل الاجتماعية فقط، بل لحفز ذهنه وذكائه أيضاً. إنّ العصر الحديث أغرق الأطفال بأحدث وسائل التكنولوجيا. ولبعضها، مثل ألعاب الفيديو والكمبيوتر تأثيرات سلبية في الأطفال. فقد أصبح الطفل كسولاً، وبديناً، وخاملاً ذهنياً، ومن غير المعروف إلى أين ينتهي به الأمر. من هنا تأتي أهمية الهوايات. إذ يمكن أن يكون لأي هواية تأثير إيجابي في شخصية الطفل. فإذا أصبح لدى الطفل هواية مهمة معينة ومارسها بانتظام، سيساعده ذلك على تطوير مهارات، مثل الصبر، البراعة في تدبير شؤونه، والبراعة في العمل، والتصميم، والتحلي بأخلاق رفيعة. إنّ الهوايات العظيمة تُعلم دائماً مهارات، مثل المعرفة الضرورية والمهمة في كل مراحل الحياة. وفي إمكان الهواية أن تساعد الطفل على إيجاد أصدقاء جدد باستمرار، وهذا يعزز من مهاراته الاجتماعية.

    أكثر ما يدهش في الهواية، هو إمكانية أن يصبح الأطفال والبالغون "خبراء" في مجال الهواية التي يمارسونها. والأطفال، كما أي إنسان آخر، في حاجة إلى فرص للراحة ولتجديد نشاطهم الجسدي والعقلي. ولكن على الأهل أن يتنبهوا المبالغة في النشاط العقلي أو الذهني، يمكن أن تعوق الأطفال عن التعلم.

    تُعتبر الهواية أكثر أهمية للأطفال من البالغين. والهواية هي وسيلة ترفيه، والترفيه ضروري لكل أصناف البشر. والأطفال بشكل خاص، في حاجة أكبر إلى ترفيه. ولكن، بما أنهم لا يستطيعون إقامة علاقات اجتماعية ذات هدف، فإن أفضل وسيلة ترفيه هي تركهم يمارسون هوايات مختلفة. قد يعتقد البعض أنّ الطفل لا يستطيع ممارسة أكثر من هواية في الوقت نفسه. لكن تبين لخبراء التربية أنّ الطفل حاد الذكاء إلى درجة أنّه قادر على استيعاب كمية كبيرة من المعلومات في أي وقت تعطى له. وهذا يمكّنه من اتخاذ أكثر من هواية في الوقت نفسه. لذا، على الأُم أن تفسح في المجال أمام طفلها ليجرب هوايات مختلفة.

    هناك أسباب عديدة تحتّم على الطفل تجربة هوايات مختلفة. منها أنّ الهوايات تمكن الطفل من التعبير عن ذاته بطريقة أفضل. لذا، يجب تشجيع الطفل دائماً على أن يختار أكثر من هواية، ثمّ يتابع الهواية التي تستهويه، ويشعر بالمتعة أثناء ممارستها. والهواية يمكن أن تساعد الطفل على النمو في بيئة إيجابية. وهي من أفضل الوسائل التي تمكّن الطفل من أن يتعلم ويستمتع أيضاً، وتساعده على تعلم تحليل الأشياء منطقياً، وهذا يساعده في ما بعد على تطوير ذهنه وتفكيره. كما تساعد الهواية الطفل على تطوير مهاراته الإدراكية وقدراته على التخمين، وعلى الخلق والإبداع والصبر، وعلى بناء شخصيته واعتزازه بنفسه، وأن يكون صديقاً وفياً، وتُعلمه القناعة، وتقرّب بينه وبين الأهل. يستطيع الأهل مساعدة أطفالهم في سن مبكرة على اكتشاف ما إن كانوا يفضلون استخدام أيديهم أو أدمغتهم عند القيام بعمل ما، فيعملون على تنمية الهواية التي اختارها الطفل.

    في جميع الأحوال، عند تعريف الطفل بهوايات عدة، يجب الحرص دائماً على ألا يتم الضغط عليه لفعل شيء لا يحبه. يجب أن يُترك الطفل ليختار الهواية التي تعجبه. لأنّه إذا أجبر على ممارسة هواية لا يحبها، قد يفقد الحماسة والاهتمام بأمور أخرى يحبها. من المهم رفع معنويات الطفل ودعمه في كل عمل يقوم به، حتى يتجاوب بإيجابية مع الهواية التي يحب.

    يجب ألا تكتفي الأُم بالأنشطة والهوايات التي يمارسها طفلها في المدرسة، بل عليها أن تعرّفه إلى هوايات أخرى مختلفة يستطيع ممارستها بعد المدرسة، تساعده على تعلم التكيف مع الحالات الجديدة، والأشخاص الذين يراهم لأوّل مرّة. فقد يتألق الطفل في مجالات يمكن ألا يكون قد تعرّف إليها في المدرسة، مثل المشي في البراري أو تسلق الصخور.

    

    - كيف تساعد الأُم طفلها على إيجاد هواية:

    * المثال الحسن: على الأُم أن تكون القدوة لطفلها. فعندما تكون لديها هواية، تصبح لدى الطفل هواية.

    * تخصيص مكان في المنزل: يحتاج الطفل إلى مكان مريح ليمارس فيه هوايته. يمكن تخصيص زاوية في غرفة الطفل، أو أن تضحي الأم بركن صغير من غرفة الجلوس، على أن يكون في استطاعة الطفل مغادرة المكان والعودة إليه بسهولة. على الأُم أن تراعي مزاج طفلها وتسمح له بممارسة هواية الرسم، فقد يرسم الطفل أو يخرطش على جدران المكان، أو يمارس أي هواية أخرى يمكن أن تتسبب في أضرار، وجميعها هوايات تساعد الطفل على الخلق والإبداع.

    * تقديم النصائح: لا شيء يقتل حماسة الطفل نحو هواية ما مثل الإحباطات. لذا، على الأُم مساعدة طفلها ليبدأ بداية جيِّدة، وذلك بتعليمه كيف يتّبع التعليمات، وكيف يحافظ على أدواته من الضياغ أو التلف.

    * تحديد وقت مشاهدة التلفزيون: أصبح التلفزيون مسيطراً على حياة الأطفال. فقد اكتشف التربويون أنّه عندما يصبح الطفل في عمر 15 سنة، يكون قد أمضى ساعات أمام شاشة التلفزيون أكثر من صف المدرسة. وبما أن من المستحيل أن يجمع الطفل بين مشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو وممارسة الهواية، على الأُم تشجيع طفلها على إغلاق التلفزيون وممارسة هوايته.

    

    - قائمة طويلة:

    إنّ قائمة الهوايات التي يمكن أن تجذب انتباه الطفل طويلة جدّاً. منها: جمع الطوابع أو العملات، التمثيل، الرسم، العزف على آلة موسيقية، الغناء، الزراعة... إلخ. كل ما يحتاج إليه الطفل هو التشجيع والوقت. قد يستغرق الأمر فترة من الزمن، قبل أن يجد الطفل الهواية التي يحبها فعلاً، ويبدي اهتماماً بها. لذا، على الأُم ألا تيأس أو تستسلم. فعندما ترى الأُم أطفالاً آخرين يطلبون مساعدة طفلهم لتعليمهم الهواية التي أصبح يتقنها، فإنّها بالتأكيد تشعر بالفخر والإثارة. كما أنّ الطفل نفسه يشعر بالشعور ذاته، خاصة إن أحس بأن معلوماته في مجال هوايته تفوق معلومات أشخاص كثيرين، ربّما بمن فيهم أستاذه. يمكن أن تعمل الهواية على تطوير مقدرة فريدة عند الطفل، من الصعب إيجادها في الأنشطة المدرسية.

    إذا لم تستطع الأُم التوصل إلى هواية تثير اهتمام طفلها، يمكنها أن تستعين بأستاذه. فالطفل يشترك في هوايات مختلفة في المدرسة، وربما يكون الأستاذ قد لاحظ اهتمام الطفل بأحدها أكثر من غيرها. كما يمكنها أن تأخذ رأي أستاذ المادة التي يدرسها، مثلاً: الفن، الموسيقى، الرياضة، الكمبيوتر... إلخ.

    

    - كيف تفيد الهواية في التعليم؟

    تختلف اهتمامات الطفل باختلاف مراحل عمره. أحياناً يكون عمر هذه الاهتمامات قصيراً، وأحياناً يدوم لسنوات طويلة. وكلما زاد تقبل الأهل هوايات واهتمامات الطفل والتزامهم بها، زاد احتمال تعلمه منها، فالطفل يتعلم في كل الأوقات، سواء أكانت الأُم متنبهة لذلك أم لم تكن. فإذا كانت الأُم متنبهة دائماً وموجودة إلى جانب طفلها، تستطيع مساعدته على تطوير مهارات مهمة أثناء استمتاعه بوقته. إذ تستطيع مساعدته على التعلم بطرق ممتعة وخلاقة من خلال الهوايات التي يحب. فالطفل يتعلم من اللعب. وتشجيع التعلم عبر الألعاب التي يختارها الطفل ويحبها، يزيد من قدرته على التطور، وفي الوقت نفسه يقوي من ارتباطه مع الآخرين.

    على الأُم أن تكون متنبهة دائماً لاهتمامات ومهارات طفلها التي غالباً ما تكون واضحة. فمن غير المجدي أن تجبر طفلها على التعلم عندما لا يكون مستعداً. إذ يمكن أن يؤدي إجباره إلى التسبب في إحباطه، الأمر الذي يمكن أن يؤدي بدوره إلى نفور الطفل من العلم. بدلاً من ذلك، عليها أن تبحث عن الأنشطة والهوايات التي تتناسب مع تطور الطفل، والتي يبدي استعداداً لتعلمها واكتشافها.

    على الأُم أن تثير اهتمامات طفلها بطرق خلاقة وجنونية. مثلاً، إذا كانت اهتمامات طفلها الحالية هي القطارات، وتعتقد أنّه جاهز لتعلم الوقت، يمكنها استخدام ساعة كبيرة لتلعب معه لعبة القطارات. إذ تستطيع وضع جدول بمواعيد وصول ومغادرة القطارات على ورقة. ولنفترض أنها حددت الساعة الثالثة وقت المغادرة والخامسة ساعة الوصول. بعد ذلك، يمكنها أن تجلس على الأرض مع طفلها ومعها جدول المواعيد والساعة. ثمّ تطلب منه تحديد وقت المغادرة على الساعة، ثمّ تطلب منه جر القطار والخروج به من المحطة المفترضة، أو أن تفترض أنّ القطار سيغادر بعد ساعة، ثمّ تطلب منه تحديد الوقت بالضبط على الساعة. إضافة إلى تعليمه الوقت، يمكنها أن تحدثه عن تاريخ القطارات وأشكالها المختلفة، وعن دورها في نقل الركاب والبضائع. أمّا إذا كان يحب الموسيقى، فيمكنها أن تستخدمها في تعليمه العد. تستطيع أن تصفق بيديها مع صوت الموسيقى والعد إلى رقم معين، ثمّ تطلب من طفلها مشاركتها اللعبة، إلى أن يتمكن من حفظ الأرقام. بهذه الطريقة تكون الأُم تعرّف طفلها إلى الموسيقى وتُعلمه مهارة الحساب أيضاً.

ارسال التعليق

Top