• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

زیارة الطفل الأولی لعیادة الأسنان

زیارة الطفل الأولی لعیادة الأسنان

ما بین 3 و 4 سنوات، هو العمر الأمثل لکي تصطحبي طفلك إلی طبیب الأسنان ونظراؤهم أطباء الأطفال، الذین ینصحون بإجراء تلك  الخطوة حتی وإن لم یکن في أسنان الطفل، ظاهریاً، ما یدعو إلی القلق. فمن حسنات تلك الزیارة الأولی، تعویده علی «جو» عیادة طب الأسنان، وما فیها من أجهزة وآلات تجعل التوجس یدبٌ في النفوس، حتی لدی الکبار، وذلك أفضل من الذهاب إلی العیادة في حالة استعجال، عندما تکون ثمة ضرورة فعلیة مُلحّة، مثلاً إثر تسوس یستلزم علاجاً سریعاً. في تلك الحال، یکون الطفل غیر مستعد لتحمل طبیب الأسنان، ما قد یؤدي إلی رهبته منه طوال حیاته.

      وبخلاف ما یعتقد کثیرون، فإنّ الأسنان اللبنیة غیر معصومة من التسوس، هي أیضاً، لا سیما بسبب ما یسمی «داء الرّضاعة»، أو «داء البیبرون» الذي یصیب نسبة من الصغار. هذا یعني أنّ احتمال اصطحاب طفل في سن مبکرة (أقل من 5 سنوات) إلی طبیب أسنان یظل وارداً لعلاج ضروري، ولیس فقط لتعوید الطفل علی خصوصیة طب الأسنان، وما قد یثیره من «هلع». إلی ذلك، تعین تلك الاستشارة الطبیة الأولی (في عمر 3 إلی 4 سنوات) علی تشخیص أي حالة تسوس تشخیصاً مبکراً، ما یسهم في القضاء علیه قبل استفحاله.

 

·      معلومات ثم فحص

      یجمع الأخصائیون علی أنّ طمأنة الطفل هي الأساس لتهیئته لزیارة طبیب الأسنان. فابدئي إذن بتبدید قلقه، واشرحي له ما سیراه، من دون تهویل، لکن أیضاً من دون إعطاء تفاصیل کثیرة، قد تثیر رعبه، قولي له: «هناك سید یرتدي صدریة بیضاء، سیری أسنانك لکي یتأکد من أنّها جیّدة، وأنّك عندما ستکبر ستأکل کالرجال» (إذا کان ولداً)، أو «ستکونین عروساً حلوة» (إذا کانت بنتاً). أضیفي: «لا تخف (أو لا تخافي) عندما یسلط ضوءاً قویاً. فهذا طبیعي لکي یری أسنانك جیّداً». وتفادي التعبیر عن خوفك من طبیب الأسنان (إن کان عندك ذلك الخوف) أمام طفلك، کأن تقولي لأحد ما: «أنا أتوجس من طبیب الأسنان أکثر من طفلي». وانبذي الابتزاز والتهدید والوعید، علی غرار «إن لم تکن عاقلاً، سیحقنك الطبیب إبرة». فما من شأن ذلك طمأنته، وهو الهدف المنشود، إنما العکس. أما الزیارة، في حد ذاتها، فتتضمن مرحلتین. أوّلاً، تسجیل معلومات تخص الطفل، لتحضیر ملفه، ثم یدعوه الطبیب إلی الصعود علی الکرسي لکي یفحصه، علی العموم، لا یتضمن الفحص أي علاج، إذا یکتفي الدکتور بالتأکد من سلامة الأسنان، وخلوها من تسوس أو بدایات تسوس، أو أي أعراض أخری غیر صحّیة. وفي حال تشخیص عیب یحتاج إلی علاج، یقدّر الطبیب قابلیاته علی تلقیه حالاً، منذ تلك الزیارة الأولی، أم تأجیله تفادیاً لإرعاب الصغیر منذ البدایة. إلی ذلك، لا تجری أشعة سینیة للأسنان قبل سن 5 أو 6 سنوات. هکذا، في غیاب علاج حقیقي، یفترض أن تتمّ  تلك الاستشارة الأولی بشکل مُرضٍ، من دون منغصات للطفل، ولا لوالدیه ولا لطبیب. لکن فائدتها المعنویة کبیرة: إذا تکون أسهمت في طمأنة الطفل، وإشعاره بأنّ الأمر لیس في ذلك التعقید، ولیس ثمة ألم، ما یشکل عاملاً مهماً في الاستعداد للزیارات التالیة.

 

·      طبیب الأسرة هو الأفضل

      أوّل ما یتطرق إلیه الطبیب هو عادات الطفل الغذائیة. وقد یغتنم الفرصة لکي یحذره من الأکل بین الوجبات، وتناول الحلوی والسکاکر، حاولي، أنت أیضاً، عقب الزیارة، إفهام طفلك أنّ من مصلحته التخفیف من الحلوی إن أراد عدم تکرار الزیارة والقدوم مجدداً مراراً. فتوعیة الطفل تشکل إحدی الفوائد المعنویة لتلك الاستشارة. إذ عندما یری طبیباً بصدریة بیضاء، ممرضة، وآلات معقدة، یدرك أهمیة صحّة الأسنان أکثر من ألف خطاب تربوي، ویبدأ، في لاوعیه، بربط سلامة أسنانه بذلك «الجو» الطبي، الذي یظل لا یحبّذه علی الرغم من کلّ الاحتیاطات المتخذة لجعله یتقبّله.

      کما یسأل الطبیب عن العادات الصحّیة الأخری، ویشدد علی ضرورة البدء بتفریش الأسنان 3 مرات في الیوم، عقب کلّ وجبة، أو علی الأقل في المساء کحد أدنی. إذ یفضي وجود سکر متبقٍّ في تجویف الفم، لیلاً إلی مضاعفة خطر التسوس أضعافاً. ویستحسن استخدام فرشاة ناعمة، صغیرة الحجم، ملائمة لأسنان الصغیر، ومعجون أسنان خاص للصغار. ولا یندر أن یلقن الطبیب الطفل تقنیة سهلة لتنظیف أسنانه، تنصب عادة، حتی سن 6 سنوات، علی التفریش بشکل أفقي، ذهاباً و رجوعاً.

·      حذار من الـ«فلیور»

 هل من الأفضل زیارة طبیب الأسنان متخصص في الأطفال، أم طبیب الأسنان عام؟ یجب القول إنّ صفة «طبیب أسنان متخصص في الأطفال» غیر موجودة مهنیاً، إنما ثمة أطباء أسنان معتادون علی الأطفال أکثر من غیرهم. وعموماً، فإنّهم ندرة، ولا یمارسون مهنتهم سوی في المدن الکبری. لذا، لیس ضروریاً الإصرار علی إیجاد طبیب أسنان متخصص في الأطفال. فلطبیب الوالدین القدرة علی متابعة أفراد الأسرة جمیعاً. المهم أن تشعر الأسرة بالراحة معه، وتقتنع بکفاءته. وفي الأحوال کلّها، تنفع تلك الزیارة الأولی في طمأنة الطفل وتعویده علی عیادة الأسنان، مع أمل ألا یضطر إلی تکرار الزیارة کثیراً.

      إضافة الـ«فلیور» إلی حلیب الطفل أو طعامه، أو إعطاؤه حبات «فلیور»، بهدف تقویة أسنانه، فکرة خاطئة سادت عقوداً. إذ لا یندر أن تؤدي إلی نتائج عکسیة، متمثلة في «داء الفلیور» (الذي یترك بقعاً دائمة على الأسنان، لا تزول إلّا بعملیات معقدة). فقط ثبت أنّ 80 في المئة من حالات تسوس الأطفال تصیب 20 في المئة منهم فقط، لذا، اغتنمي فرصة زیارة طفلك الأولی لطبیب الأسنان لمناقشة الموضوع، فمن بضع الأطفال، ممَّن یعانون قصوراً طبیعیاً في الـ«فیلور»، قد یکون تناول نافعاً فعلاً، إنما بکمیات مدروسة، ولیس بعد سن 12 سنة (حیث تکون الأسنان دائمة تکونت نهائیاً، ولا یعود الـ«فلیور» مفیداً، بل ینطوي علی ضرر). وثمة أطفال أکثر عرضة للتسوس من غیرهم، لأسباب مختلفة، وراثیة أو فیزیولوجیة أو تخص الهرمونات والقدرة علی امتصاص المعادن وتمثلها، بما فیها الفیلور، الذي یلعب دوراً حاسماً في «مَعدَنة» الأسنان، وحمایتها من التسوس، وطبعاً، الأهم من ذلك کلّه: العادات الغذائیة. هکذا، في إمکان الطبیب، بحسب حالة طفلك، أن ینصح بالـ«فلیور»، أم علی العکس یمنعه. فـ«الفلیور» دواء وینبغي التعامل معه علی ذلك الأساس، بالتالي اتخاذ الاحتیاطات الاعتیادیة اللازمة لتناول الأدویة.

·      داء الرّضاء

      مثلما ذکرنا، فإنّ أسنان الصغار اللبنیة لیست في مأمن من التسوس، الذي یشکل «داء الرّضاعة» (أو الـ«بیبرون») أهم مسبباته، بدءاً من سن 3 سنوات، وفي أحیان نادرة حتی مع رُضّع. ویصیب بشکل خاص الأسنان الأمامیة، بین النابین، في کلا الکفین العلوي والسفلي. في المراحل الأولی، لا یمکن کشفه سوی من جانب طبیب أسنان. أما لاحقاً، فیمکن للوالدین أیضاً تشخیصه بسهولة من خلال إشارة واضحة: ظهور بقع بنیة اللون علی الأسنان الأمامیة، التي تصبح أیضاً هشة وضعیفة. والسبب الأساسي لـ«داء الرّضاعة».. هو طبعاً الرّضاعة، التي یؤدي تلامس الأسنان الأمامیة معها إلی التسوس. إذ لا ینبغي إغفال أنّ الحلیب یضم سکراً، وأنّ المشروبات الأخری، کالعصائر المعطاة للطفل عبر الرّضاعة، تضم نسبة عالیة من السکر، فضلاً عن الأحماض. والتقاء السکر مع الأحماض له أسوأ مفعول علی الأسنان.

      وما یحصل، مع الأسف، من أجل تهدئة الطفل، لا یندر أن تلجأ  أمهات إلی ملء الرّضاعة بالحلیب، أو بالعصیر ما، وإعطائها إلی الصغیر قبیل نومه، فتظل بین شفتیه ساعات. وهنا یکمن الخطر. إذ تمنع الرّضاعة اللعاب من لعب دوره في «معدنة» الأسنان، لوقایتها من التسوس. هکذا، تتعرض الأسنان لهجوم السکریات، مضافاً إلیها الحموضة (في حال شرب عصیر). وما یُفاقم الأمر: إفراز اللعاب، أصلاً، ینخفض طبیعیاً لیلاً وأثناء النوم. هکذا، مع وجود رضاعة في فم الطفل وهو نائم، تتضاعف احتمالات تسوس أسنانه 10 مرات، لذا، ینبغي إدراك أنّ الرّضاعة لیست «لهّایة»، أو «مصّاصة»، نعني تلك القطعة المطاطیة التي یضعها الطفل في فمه من دون تناول حلیب أو عصیر. ویجب الامتناع عن إعطاء الطفل رضاعة لحضه علی النوم، ثم ترکها بین شفتیه ساعات، بل یجب رفعها من فمه حالما ینهي وجبته.

ارسال التعليق

Top