• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القرآن.. رسالة ربنا إلينا

القرآن.. رسالة ربنا إلينا
مازلنا نتحدّث عن الفقرة التي تؤكِّد على تلاوة القرآن ضمن خطبة النبي(ص) وتحدّثنا بشيء عن القرآن، وهكذا كما قالت الرسالة الإسلامية لها جملة خصائص وجملة مميزات وجملة سمات. هذه الخصائص والمميزات والسمات – في الحقيقة – تُميِّزها عن الرسالات السماويّة، بإعتبار أنها هي الرسالة الخاتمة، فلابدّ أن يكون لها من الصفات والسمات ما يُميِّزها عن بقية الرسالات.. لأنها رسالة خالدة، لأنها رسالة مستمرة، لأنها رسالة الزمن، لأنها رسالة الوجود، لأنها رسالة لكل ما في الوجود، لأنها الرسالة المستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، ولهذا كان لها سمات وصفات خاصة.

يمكن أن نقول: إنّ أوّل هذه السمات التي ميّزت الشريعة الإسلامية عن بقية الرسالات السماوية، أنّ رسالتها، أنّ كتابتها، أنّ معجزتها، أنّ نظامها، دستورها، أنّ الأوامر الإلهية لها، ظلت سليمة من حين نزولها وبقيت سليمة وستبقى سليمة إلى قيام الساعة، فهي بقت سليمة ضمن النص القرآني ونحن نتحدّث عن القرآن، القرآن هو الكتاب السماوي الإلهي للرسالة الإسلامية الذي هو الدستور، والنظام الذي هو الأخلاق، الذي هو السلوك والعمل.. ظلَّ سليماً كما نزلَ من ربِّ العزّة والجلالة دون أن يتعرّض لأي تحريفٍ ولأي زيادةٍ ولأي نقيصةٍ!.. بعكس الرسالات السماوية الأخرى نراها قد منيت بالتحريف، لأنها لم تكتب في زمن نزولها وإنما كتبت بعد زمن طويل، هذا أوّلاً.

وثانياً: لأنها جاءت لوقت مُحدَّد ولفترة معيّنة يعلمها الله سبحانه وتعالى بعكس القرآن الكريم.

كُتِبَ في وقته وجاء ليبقى!.. ولهذا نرى الضمان الإلهي له في قوله تعالى في سورة الحجر الآية 9: (إنّا نحنُ نَزَّلنا الذِّكرَ وإنّا لَهُ لَحافِظونَ).

هذا هو الضمان الإلهي للقرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إنّا) للتعظيم.

والله سبحانه وتعالى يقول: (نزَّلنا الذِّكرَ) والذِّكر من أسماء القرآن الكريم كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في سورة يوسف الآية 104، وفي سورة ص الآية 87، وفي سورة التكوير الآية 27: (إنْ هوَ إلا ذِكرٌ لِلعالَمِينَ)، (إنّا نحنُ نزَّلنا الذِّكرَ) القرآن.. (وإنّا لَهُ لَحافِظونَ) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيبقى كاملاً لتتمَّ به الحجّة على الأُمّة. (إنّا نحنُ نزَّلنا الذِّكرَ وإنّا لهُ لَحافِظونَ).

وهذا الإحتفاظ بالمحتوى العقائدي والتشريعي والنظري والسلوكي لكتاب الله العزيز، للقرآن الكريم، هذا الإحتفاظ هو الذي يُمكِّن الأُمّة من مواصلة إستلهامها للقرآن، والقيام بدورها الإيماني الأخلاقي التربوي الواجب عليها بعكس لو كان الكتاب السماوي قد تعرّض لزيادة أو نقيصة لا يمكن للأُمّة أن تتفاعل معه!.. ولا يمكن أن يكون لها -(هو)- الكتاب الفكري العقائدي السلوكي الأخلاقي والكتاب الذي تدين لله سبحانه وتعالى به، وعند ذلك لا يمكن أن يكون أداة ربط ما بين الأُمّة وخالقها ولا بين الإنسان وربّه..

لأنّ الإنتماء إلى الرسالة هو ليس إنتماءً لفظياً، وإنما لابدّ أن يكون إنتماءً فكرياً عقائدياً سلوكياً عملياً، وهذا لا يكون إلا بالرجوع إلى الكتاب الذي ضَمَنَ الله سبحانه وتعالى بأن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إلى الكتاب الذي ضَمَنَ الله سبحانه وتعالى بأنه هو عزّوجل الحافظ له.. وبذلك يصحُّ الإنتماء.. وبذلك يصحُّ التديُّن.. وبذلك يحصل فراغ الذمّة.. ولأجل ذلك كانت سلامة الرسالة الإسلامية بسلامة النص القرآني!..

فهو الشرط الرئيسي والشرط الضروري لقدرة الرسالة على مواصلة أهدافها، ولقدرة الأُمّة على مواصلة التديُّن بهذه الرسالة.

فأوّلاً: -كما قلنا- ضمان النص القرآني وسلامة النص القرآني.

ثانياً: إنّ بقاء النص القرآني وبالحفظ الإلهي له نصّاً وروحاً، يعني أنّ نبوّة محمد (ص) لم تفقد أهم وسيلة من وسائل إثباتها!.. لأنّ القرآن معجزة محمد، فعندما يستمر إعجاز القرآن، يعني تستمر نبوّة محمد (ص) الذي جاء بالقرآن!..

وكذلك هذا الجانب خلافاً للرسالات الأخرى، خلافاً لكلِّ الرسالات والنبوات التي يرتبط إثباتها بوقائع معيّنة تحدث وتنتهي، كإبراء الأكمه والأبرص، فهذه الوقائع التي ذكرناها هي معاجز، ولكن لا يشهد هذه المعاجز إلا المعاصرون لها.

وبمرور الزمن وتراكم القرون، تفقد الواقعة شهودها الأوائل، فلم يحصل دليل على إثباتها غير النقل، ولهذا نحن نؤمن بكلِّ الأنبياء السابقين وبكلِّ معاجزهم، ولكن عن طريق الأخبار، ولكن نحن لم نشهد معاجزهم ولم نلمسها، بعكس معجزة الإسلام.. كلٌّ منّا يلمس ويعيش هذه المعجزة بكل فكره وعقله وضميره وقلبه وأحاسيسه، وهذا ما أُريد أن أقوله (ثالثاً).

رأينا أنّ الرسالات السابقة بمرور الزمن يقلُّ تأثيرها بعكس رسالة الإسلام والتي تتمثل بالنص القرآني الشريف، فالزمن لا ينقص من قيمة هذا الدليل الأساس على الرسالة الإلهية السماوية، ليس لا ينقص فحسب، بل أنه يزيد.. بل أنه يمنح هذا الدليل أبعاداً جديدة، لماذا؟..

وذلك من خلال تطوُّر المعرفة البشرية واتجاه الإنسان إلى دراسة الكون بكلِّ ما فيه بأساليب العلم والتجربة، وهذا يُؤكِّد لنا الإعجاز، ويُرسِّخ لنا الإعجاز، ويُعمِّق لنا الإعجاز.

وليس هذا فحسب، بل أنّ القرآن الكريم ذهب إلى الإتجاه نفسه وربط الأدلة على الصانع الحكيم، على الإيمان بوجوده، بوحدانيته، بدراسة الكون والتعمُّق في ظواهره ونبَّهَ الإنسان إلى ما في هذه الدراسة من أسرار ومكاسب، بل لأنّ الإنسان الحديث يجد اليوم في ذلك الكتاب – (القرآن العظيم الذي بشَّرَ به الرجل الأُمِّي في بيئة معيّنة قبل مئات السنين) – إشارة واضحة إلى ما كشفَ عنه العلم الحديث، هذا يُؤكِّد الإعجاز.. يُؤكِّد أنّه كتاب سماوي، هذا ثالثاً كما ذكرنا.

رابعاً: إنّ هذا الكتاب السماوي الذي يُمثِّل هذه الرسالة العظيمة، هذه الرسالة التي جاءت شاملة لكلِّ جوانب الحياة، وعلى هذا الأساس – على أساس أنها جاءت شاملة لكل جوانب الحياة – استطاعت هذه الرسالة أن توازن بين مختلف جوانب الحياة وتُوحِّد أُسس تلك الجوانب، وإن صحّ التعبير تجمع في إطار واحد، صيغة كاملة بين الروح والجسد وبين الجامع والجامعة، ولم يعد الإنسان في ظل الإسلام يعيش حالة الإنشطار بين حياته الروحية وحياته الدنيوية، فكلاهما على أساس واحد وهو: الإيمان بالله، والعلاقة مع الله سبحانه وتعالى والتطبيق لأوامر الله سبحانه وتعالى.

خامساً: مازلنا نتكلم عن القرآن وخصائص هذا الكتاب الكريم الذي يُمثِّل الرسالة الإسلامية.

من مميزات هذا الكتاب العظيم وهذه الرسالة المباركة أنّ هذه الرسالة السماوية المباركة العظيمة التي جاء بها أشرف الأوّلين والآخرين من لدن ربِّ العالمين، هذه الرسالة هي الرسالة السماوية الوحيدة التي طُبِّقت عملياً على يد الرسول الذي جاء بها، وقد انفردت الرسالة الإسلامية بهذا.

فطُبِّقت عملياً على يد الرسول الذي جاء بها، وسجّلت نجاحاً باهراً في مجال التطبيق، واستطاعت هذه الرسالة التي جاء بها محمد بن عبدالله (ص) والتي هي القرآن العظيم، استطاعت أن تُحقِّق كل ما أعطت من شعارات إلى حقائق حياتية عملية، استطاعت أن تُجسِّدَ الأوامر الإلهية إلى سلوك وإلى أخلاق وإلى تفاعل يومي مع الإنسان، مع المجتمع، مع الأُمّة بكلِّ صغيرة وكبيرة، وهذا ما لم يتحقق للرسالات الإسلامية الأخرى، هذا بفضل القرآن الذي يقول عنه رسول الله (ص): (ومَن تلا فيه آية من القرآن).

نقول ذلك لأجل أن تكون التلاوة، تلاوة واعية.

سادساً: إنّ هذه الرسالة المقدسة، الرسالة الإسلامية والتي يُمثِّلها القرآن العظيم، في الحقيقة لم يقتصر أثرها على الأُمّة الإسلامية فحسب، لم يقتصر عطاؤها على الأُمّة الإسلامية فحسب، بل امتدّ من خلال الأُمّة الإسلامية ليكونَ قوّة مؤثرة في العالم أجمع!.. قوّة مؤثرة وفاعلة في كل العالم وفي كل الكون وفي كل الوجود على امتداد مسار التأريخ!..

ولهذا – دائماً – نسمع من هنا وهناك، من المنصفين، من الباحثين الأوروبيين الغير مسلمين على الحضارة الإسلامية وأثرها في شعوبهم وفي تأريخ شعوبهم وما فعلته هذه الحضارة العظيمة لتلك الشعوب، وكيف أنها أثّرت في تحريك شعوب أوروبا ووجَّهتها إلى كثير من الأُمور العلمية الحضارية.

سابعاً: إنّ هذه الرسالة التي جاء بها النبي (ص) القرآن الكريم، جاءت مقترنة مع رسالته ومع أطروحته، هذه الأطروحة التي وصفها بأنّها: آخر أطروحة ربّانية!..

وبهذا أعلن أنّ رسالته ونبوّته، هي الرسالة الخاتمة والنبوّة الخاتمة، ولهذا نرى أنّه عليه أفضل الصلاة والسلام قال: "إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً".

 

المصدر: كتاب كيف نعتني بالقرآن في شهره وبيته

ارسال التعليق

Top