• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإنسان في القرآن

أسرة البلاغ

الإنسان في القرآن

قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30).

من الطبيعي أن نفهم تفضيل الله للإنسان بأن أوكل إليه أمراً يعجز عنه كلّ من عداه، وإلّا لأضحى هذا التفضيل تفضيلاً لغوياً لا هدف منه، وتعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فالتكريم والتفضيل الإلهي إنّما هو لطبيعة الدور الذي أوكله إليه وطبيعة المهمة التي أسندها إليه والتي يعجز عنها سائر الموجودات والكائنات، وهذا شأن الله مع عباده فكلما أفاض عليهم وقرّبهم كلما اتسعت دائرة المسؤولية والتكليف، ولذلك نرى أنّ أشدّ الناس حملاً لأمانة السماء هم أقرب الخلق إلى الله، أي الرسل والأنبياء والأولياء.

لا ريب أنّ الإنسان أشرف المخلوقات وأكملها على الإطلاق بما أودعه الله تعالى من قوىً لم يعطها لغيره، وأفاض عليه من الكمالات والمقالات ما لا يمكن لسواه أن يبلغها فهو:

1- المخلوق المكرّم: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70)، فقد كرّم الله الإنسان أحسن تكريم، بما أودع فيه من قوى وصوّره فأحسن صوره، قال تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) (غافر/ 64)، ونفخ فيه من روحه، وأفاض عليه من الكمالات الإلهية ما جعله مؤهّلاً ليكون خليفةً له في أرضه.

وعن رسول الله (ص): "ما شيء أكرم على الله من ابن آدم، قيل: يا رسول الله! ولا الملائكة؟! قال: الملائكة مجبورون، بمنزلة الشمس والقمر".

عن الإمام الصادق (ع) في شرح ما يوجب تفضيل الإنسان على الملائكة – وقد سأله عبد الله بن سنان: "الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع): "إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرٌّ من البهائم".

2- خلقه الله في أحسن تقويم: قال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين/ 4)، فقد خلقه بيده، وفي التفسير إنّ أحسن التقويم يشمل الجهة المادية التي لها علاقة بالشكل ومختلف القوى الظاهرية والجهة المعنوية التي لها علاقة بالروح والعقل وقواه الباطنية.

3- جعله خليفته في الأرض: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 30).

وهذه الخلافة تجعله محور الوجود في الكون بعد الله تعالى وله سلطته وسيطرته على كافّة الكائنات والموجودات.

4- أقرب الخلق إلى الله: فالله تعهّده بالرعاية والعطف، يجيبه إذا ناجاه ويلبيه إذا دعاه ويعضده إذا ضعفت حيلته، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186).

5- ليس بينه وبين الله حجاب: قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 115).

وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (المجادلة/ 7).

وفي الحديث القدسي: قال النبيّ (ص) يَرويه عن ربِّه قال: "إذا تقرَّب العبد إليّ شِبْراً تَقَرَّبتُ إليه ذِراعاً وإذا تَقَرَّب منّي ذِراعاً تَقَرَّبتُ منه باعاً وإذا أتاني مَشْياً أتَيتُهُ هَرْوَلةً".

6- أسجَدَ له ملائكته: قال تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر/ 29). فقد أمر ملائكته بالسجود له، وهذا الأمر لا يستبطن الاحترام والتقدير فحسب بل يتعداه إلى فارق كبير يرتبط بالخضوع له، فرغم أنّ الملائكة يعيشون في عالمٍ أرقى من العالم المادي الذي يعيش فيه الإنسان، وقد يتوهّم البعض أنّ ذلك يجعلهم في مقامٍ أقرب، إلّا أنّنا نرى أنّ الله أمرهم بالخضوع الكامل للإنسان وأخرج من جنته ورحمته مَن اعترض على هذا الأمر الإلهي ناعتاً إياه بأنّه مذموم ورجيم.

7- سخَّر الكائنات له: لقد سخّر الله له كلّ ما في هذا العالم من ليله ونهاره وشمسه وقمره وبرّه وبحره ونباتاته وجماده وحيوانه وما يدركه البشر وما لا يدركون لصلاح أمره وتمكينه في دوره.

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) (لقمان/ 20).

قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (الجاثية/ 12).

وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا في الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية/ 13).

8- أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة: قال تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً...) (لقمان/ 20).

9- فضّله على سائر الخلق: قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).

وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم/ 32-34).

10- تهيئته لحمل الأمانة: قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72).

11- إكرامه بالعلم: قال تعالى: (عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 5).

12- إكرامه بالإرادة: قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس/ 7-10).

13- أعطاه حرِّية الاختيار: قال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف/ 29).

وقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 3).

ارسال التعليق

Top