• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تحركوا خلال الصوم.. تصحوا

تحركوا خلال الصوم.. تصحوا
خدعوك فقالوا: "قلة الحركة أفضل لجسمك" ◄يوماً بعد يوم: تتزايد الأدلة العلمية التي تؤكد ما للسمنة وزيادة الوزن من أضرار جسيمة على الصحة، فهي تؤدي إلى حدوث أمراض كثيرة مثل: إرتفاع ضغط الدم ونسبة الكولسترول، والإصابة بمرض السكر "النوع الثاني"، وأمراض القلب، وتشحم الكبد، وحصوات المرارة، وروماتيزم المفاصل الغضروفي في الركبتين بل وزيادة الإصابة ببعض أنواع السرطان مثل سرطان القولون "الأمعاء الغليظة" والبروستاتا وسرطان المرارة والرحم والثدي وغيرها كثير. وعلى صعيد آخر تشير بعض الدراسات إلى أنّ الصيام الذي يتبعه إفطار معتدل ومتوازن يساعد على خفض الوزن في الأشخاص المصابين بالسمنة، لكنه لا يؤثر كثيراً في الأشخاص المعتدلين وزناً، إذ يؤدي إلى توازن بين عمليتي البناء والهدم، وبذلك يساعد على التخلص من الوزن الزائد فقط. ومن أجل حدوث الفائدة لابدّ للصائم أن يلتزم بآداب الصيام وشروطه، وأن يطبقه كما طبقه الرسول الكريم (ص)، الذي قال: "صوموا تصحوا"، وذلك بالتالي: أوّلاً: بألا يستكثر الصائم من الطعام وقت الإفطار إلى حد الإمتلاء والإشباع فيتعدى بذلك الثلث الذي أمرنا رسولنا الكريم أن نلتزم به وعلمنا إياه قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان في قوله (ص): "ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابدّ فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه"، وقوله (ص): "صوموا تصحوا".   -        مفهوم خاطئ: قد يدّعي بعض المصابين بالسمنة أنهم لا يتناولون كميات كبيرة من الغذاء، بل منهم من يتناول وجبة واحدة في اليوم، إلا أنّه عند الدراسة العلمية الدقيقة لما يقوم به هؤلاء الأشخاص وحسب كميات السعرات الحرارية المتناولة من قبلهم، ومقارنتها بالكمية المحترقة نتيجة الحركة، وُجد أن كمية الغذاء المتناولة "السعرات الحرارية" فاقت بكثير كمية الحركة اللازمة لحرق هذه السعرات الحرارية. وقد بيّنت الدراسات الحديثة خطأ المفهوم السابق الذي يرجع الإصابة بأمراض السمنة وزيادة الوزن إلى إنخفاض نسبة الحرق في الجسم، إذ أكدت أنّ السمنة نتاج زيادة كمية الغذاء المتناولة عن كمية الحركة اللازمة لحرق هذه الكمية، وعلى النقيض وُجد أن سرعة الحرق عند الأشخاص المصابين بالسمنة أعلى من أقرانهم ذوي الأوزان الصحية. ولابدّ من التنبيه هنا إلى أن إنخفاض الوزن بما يعادل نسبة 5 إلى 10% فقط يساعد على خفض نسبة حدوث كثير من المضاعفات من أمراض القلب والأوعية الدموية، وإرتفاع نسبة الكوليسترول وزيادة نسبة الإصابة بمرض السكر "النوع الثاني"، بل وبعض الأمراض السرطانية مثل سرطان الأمعاء الغليظة وسرطان الثدي والرحم وغيرهم من الأمراض الكثيرة. ثانياً: لابدّ من الحركة والعمل لحرق السعرات الحرارية المتناولة في أثناء الإفطار، ويُستحسن الإكثار من ذلك في حالة الأشخاص المصابين بالسمنة بحيث تصبح السعرات الحرارية المحترقة أكثر من المكتسبة والمتناولة مما يؤدي إلى خفض الوزن وحرق الدهون في الجسم. بل إن في الحركة والعمل والنشاط أثناء الصيام للأشخاص الأصحاء فوائد عظيمة لا تتحقق ولا تكتمل إلا بالحركة ومنها أنها تقوم بتنشيط آليات الهدم خلال النهار، فتتحرك الطاقات المختزنة، وتنظف الأعضاء من السموم المتراكمة في الأنسجة الدهنية. إنّ على الصائم المؤمن أن يتحرر من الأوهام والمخاوف المنسوبة ظلماً للعمل الجاد المثمر والحركة الدائبة البناءة أثناء الصيام، وأن يستفيد من هذه الشعيرة العظيمة بالالتزام بها وبآدابها وممارستها كما مارسها نبينا وقدوتنا سيدنا محمد (ص). -        ماذا يحدث داخل الجسم؟ ويظن كثير من الصائمين أن في السكون والراحة والنوم أثناء الصيام منفعة لهم وتوفير لطاقاتهم ومحافظة على صحتهم. وهذا مخالف للحقائق العلمية، إذ إن في الحركة والعمل والنشاط أثناء الصيام في الأشخاص الأصحاء فوائد عظيمة لا تتحقق ولا تكتمل إلا بالحركة، وتتعدد ما بين فوائد جسدية "فسيولوجية"، وعقلية، وروحية. والسؤال الذي نود أن نجيب عنه هو: كيف تكون الحركة أثناء الصيام أفضل من السكون والراحة من الناحية الفسيولوجية؟ لكي نجيب عن هذا السؤال لابدّ من تفسير أكثر دقة لما يترتب على الحركة في أثناء الصيام داخل الجسم. تؤدي الحركة العضلية في فترة ما بعد الإمتصاص الغذائي "فترة الصيام" إلى أكسدة أنواع معينة من الأحماض الأمينية للإستفادة من الطاقة الناتجة عن هذه الأكسدة، وبعد إستفادة العضلات من هذه الطاقة يتكون حمض أساسي من هذه الأكسدة يدخل في تصنيع الجلوكوز ويسمى هذا الحمض بالألانين، وبذلك فإن عملية تصنيع جلوكوز جديد في الجديد في الكبد، تزداد بازدياد الحركة العضلية. وبعد إستهلاك الجهاز العضلي للجلوكوز الجديد القادم من الكبد للحصول على الطاقة يتجه الجسم في الدهون "المخزون الدهني" فيقوم بأكسدة الأحماض الدهنية وتحريك وتحليل وحرق الدهن في الأنسجة الشحمية، وبهذا فإنّ الحركة أثناء الصيام تعتبر عملاً إيجابياً وحيوياً يزيد من كفاءة ونشاط عمل الكبد والعضلات، ويخلص الجسم من السموم والشحوم، وهذا ما يسمّى بعملية "الهدم"، ومن دون هذه العملية في أثناء الصيام لا تتم عملية التخلص من الشحوم والسموم في الجسم. وفي الحركة العضلية كذلك تثبيط لصنع البروتينات في الكبد والعضلات "عملية البناء"، وهذا يوفر بدوره طاقة هائلة كانت ستُستخدم في تكوين البروتينات لو أنّ الصائم قضى يومه نائماً أو ساكناً فالنوم والكسل والخمول أثناء النهار تعطل – كلها – هذه الفوائد، وتعطي الجسم إشارات خاطئة تؤدي إلى استهلاك الطاقات في صناعة البروتينات بدلاً من إبقائها في صورة قابلة للاستعمال السريع ومتاحة للصائم للإستفادة بها أثناء صيامه، ويبقى المخزون الدهني والسموم كما هو في الجسم، بالإضافة إلى كل هذا فإنّ النوم أثناء النهار والسهر طوال الليل أثناء رمضان يؤديان إلى اضطراب عمل الساعة البيولوجية في الجسم.   -        الفوائد العقلية: أمّا الفوائد العقلية فهي فوائد عظيمة ولا تتحقق إلا بالعمل والحركة أثناء الصيام، ومن هذه الفوائد تقوية الإرادة، وكبح جماح النفس الأمارة بالسوء، والتحكم في الشهوات والتمرس على مخالفة، وكسر العادات حتى يصبح المسلم بعقله سيداً على كل ما حوله لا تستعبده، ولا تملكه المألوفات ولا تضعفه أو تنهكه المتغيرات. فالصوم يُعلم الصبر على الشدائد لذلك سمي شهر رمضان بشهر الصبر، كما ورد في الحديث الشريف "صوموا شهر الصبر وثلاثة من كُل شهر يّهبن وحر الصدر" أي شدة ألمه، والصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان. ومن ثمار الصبر إكتساب صفة التقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، ويقول الرازي في تفسيره للآية: "إنّ الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة، وانقماع الهوى، فإنّه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذلك الدنيا ورياستها، ذلك لأنّ الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، فمن أكثر منه هانت عليه هذه الشهوة فكان ذلك رادعاً له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهوناً عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى؛ وعلى قدر سيادة العقل للجسد يكون ارتقاء المسلم في مدارج الإيمان". ولا تتحقق هذه الفوائد إلا إذا مارس الصائم حياته اليومية بكل ما فيها من اختبارات وابتلاءات ومشكلات وعراقيل وتعامل معها بروح وأخلاقيات الصيام. وهنا تكمن الفائدة في التدرب والتمرس على الارتقاء بأخلاقيات تعاملاتنا اليومية في شهر الصبر لعلنا ندرك أسباب التقوى بقية عامنا، فنتجنب الكذب والغيبة والنميمة والشتيمة كما أمرنا رسولنا الكريم (ص) في قوله: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، وقوله (ص): "الصوم (أي وقاية وستر) فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم". والمسلم الذي يقضي يوم صومه نائماً غير عامل تضيع عليه فرصة تدريب العقل على تطويع جوارح الجسد وشهوات النفس.   -        الفوائد الروحية: والسؤال الآن: كيف تكون الحركة أفضل من السكون في تحقيق الإرتقاء الروحي للصائم؟!. والإجابة أنّه: مما لا شك فيه أنّ الصائم العامل بجد في نهاره يستشعر لوعة الجوع والعطش أكثر من الصائم الخامل النائم، فتبعث هذه اللوعة في الصائم الإحساس بالضعف، وتجسد له صورة من صور الحرمان لتذكيره بافتقاره إلى ربه وعبوديته لخالقه بمحض إرادته واختياره أو تلبية لنداء غريزته وفطرته "الجوع والعطش" التي أودعها الله فيه ولتذكره بأنّه عبد يُخضعه الله لنواميس الكون وسنن الخلق طوعاً أو كرهاً. وعلى قدر إستشعار الإنسان عبوديته لخالقه يكون تأهيل روحه للارتقاء في مدارج السالكين، فالحرمان يُذكِّر المؤمن بفضل الخالق على خلقه، ويُعلم الأُمّة المساواة الفعلية العملية بين الفقراء والأغنياء في تذوق طعم الجوع ومراراته، وهذا عامل مهم في التربية الوجدانية التي لا يكتمل بناء شخصية المسلم من دونها. والتربية الوجدانية تتطلب أن يتقلب المؤمن في أوجه الطاعات والعبادات فيصبر على إبتلاء العطاء كما يصبر على إبتلاء الحرمان. والصائم النائم في فراشه طوال يوم صومه تضيع عليه فرصة معايشة مثل هذه المشاعر والإرتقاء الروحي المصاحب لمثل هذا التعايش. ومن أجل هذا كله كان رسول الله (ص) وصحابته – رضي الله عنهم أجمعين – لا يُفرقون بين رمضان وغيره من الشهور، بل خاض الصحابة والتابعون معارك وفتوحات كثيرة وهم صائمون، وأبلوا فيها بلاء حسناً. وهكذا: على الصائم المؤمن أن يتحرر من أوهام مخاوف العمل الجاد المثمر والحركة الدائبة البناءة أثناء الصيام، وأن يستفيد من هذه الشعيرة التي كرمها الله تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به".►

ارسال التعليق

Top