• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصوم.. درجات وآداب

أسرة البلاغ

الصوم.. درجات وآداب

اعلم أنّ للصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، أمّا صوم العموم فهو كفّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأمّا صوم الخصوص فهو كفّ السّمع والبصر واللسان واليد والرّجل وساير الجوارح عن الآثام.

قال الصادق (ع): "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك وعدّ أشياء آخر غير هذا، وقال لا يكون يوم صومك كيوم فطرك"، وزاد في خبر آخر: "ودع المراء وأذى الخادم وليكن عليك وقار الصّيام فإنّ رسول الله (ص) سمع امرأة تسب جاريتها وهي صائمة فدعا بطعام فقال لها: كلي فقالت: إني صائمة، فقال: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب فقط".

وعن النبيّ (ص): "إنّما الصوم جنة من النار فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وانّ امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنّي صائم إنّي صائم".

وقال النبيّ (ص): "مَن اغتاب مسلماً بطل صومه ونقض وضوؤه وإن مات وهو كذلك مات وهو مستحل لما حرم الله". وقال: "كم من صائم ليس من صومه إلّا الجوع والعطش".

وقال الصادق (ع): "إنّ الكذبة لتفطر الصائم قيل: وأينا لا يكون ذلك منه قال: ليس حيث تذهب إنما ذاك الكذب على الله وعلى رسوله (ص) وعلى الأئمة (عليهم السّلام)". ومعنى بطلان الصوم بالكذب والغيبة وغيرهما ممّا لا يعدّه الفقهاء من المفطرات عدم قبول الصوم وترتب الثواب عليه دون الأجزاء والخروج عن عهدة التكليف، ولذلك شرطنا ذلك في صوم الخصوص دون العموم.

وأمّا صوم خصوص الخصوص فصوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عمّا سوى الله بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصّوم بالفكر فيما سوى الله واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلّا دنيا تراد للدين، فإنّ ذلك زاد الآخرة وليس من الدنيا.

قال أرباب القلوب: من تحركت همّته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإنّ ذلك من قلة الوثوق بفضل الله وقلة اليقين برزقه الموعود، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقرَّبين.

وفي مقابلها من يستكثر من الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلي فورد: ما من وعاء أبغض إلى الله من بطن ملىء من حلال، وكيف يستفاد من الصوم فهو عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام حتى استمرت العادات بأن يذخر جميع الأطعمة لشهر رمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر ومعلوم أنّ مقصود الصوم الخوي (خلو الجوف من الطعام) وكسر الهوى لتقوي النفس على التقوى، وإذا دفعت المعدة ضحوة النهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثمّ اطعمت من اللذات واشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها.

فروح الصوم وسرّه تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في القود إلى الشرور، ولن يحصل ذلك إلّا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كلّ ليلة لولم يصم، وأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلة فلم ينتفع بصومه ولا يخف عليه تهجده.

وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت ومن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب، ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب حتى يخلو همّته عن غير الله تعالى، وذلك هو الأمر كلّه ومبدأ ذلك تقليل الطعام.

ارسال التعليق

Top