• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الزهراء (ع) قمة في العطاء والصبر

عمار كاظم

الزهراء (ع) قمة في العطاء والصبر

إنّ حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان، ومع تلك العظمة والجلالة، فإن فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت زوجة في بيتها، وعالمة رفيعة  في محيط العلم والعمل والعبادة والتقوى. كانت فاطمة (عليها السلام) في سموها الفكري والروحي، صورةً من رسول الله (ص) في ما أخذته من علم وروحانية وحركية وإنفتاحاً، كانت إنسانة الطهر والنقاء والعصمة. كانت (عليها السلام) تحمل علماً جمّاً، ولو امتدّت بها الحياة، لرأى المسلمون منها الكثير الكثير مما تفيض به من علومها التي أخذتها عن رسول الله (ص)، لأنَّها كانت في حياتها مع رسول اللّه (ص) تغرف من بحر علمه، وتتحرّك في خطِّ أخلاقه، وتعيش آفاق روحانيّته، ولهذا، كانت بضعةً منه: "فاطمة بضعة مني"، فعقلها بضعةٌ من عقله، وقلبها بضعة من قلبه، وطاقاتها بضعة من طاقاته، وروحانيّتها بضعة من روحانيته، فليست كلمة "بضعة مني" تعني مجرّد أنَّها ابنته، ولذلك قال: "يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها، ويبسطني ما يبسطها"، لأنَّها كانت منه بمنـزلة الروح من الجسد، كانت شيئاً منه بكلِّ ما تعنيه ذاته المقدّسة.

إنّ الزهراء (عليها السلام) كانت فرادة وتميز في كلّ تصرفاتها وأفعالها، حتى في حزنها وبكائها على أحبائها، لاسيما فراقها لرسول الله (ص). ولأن الصبر قيمة إسلامية كبرى، ومن الطبيعي أن تمثل الزهراء (عليها السلام) أعلى درجات الصبر من خلال مقامها الرفيع عند الله، فهي ككل أهل البيت (عليهم السلام) قدوتنا في الصبر، كما كان رسول الله (ص) قدوة الناس كلهم في هذا المجال، وكما كان الرسل من قبله (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل) (الأحقاف/ 35)، وهذا هو معنى التأسي بهم، فالحزن على المصاب، لاسيّما إذا كان أليماً، له دوره في رقة القلب، ولكنّ للصبر عليه درجة عظيمة، يقول تعالى: (والله يحب الصابرين) (آل عمران/ 146)، وقوله: (واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال/ 46)، وكذلك قول الصادق (ع): "الصبر رأس الإيمان"، وقوله: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان".

إننا نرى أن أهل البيت (عليهم السلام) قمة في العطاء والصبر، وفي مقدمتهم السيّدة الزهراء (عليها السلام)، التي تمثل القدوة في الصبر حتى في طريقة بكائها، فهي تبكي بكاء الصابرين الرساليين الشاكين إلى الله سبحانه وتعالى. وعندما نطرحها كقدوة، فإننا لا نتحدث عن اقتداء النساء فقط بها، بل هي قدوة للرجال والنساء معاً، لأن عناصرها كانت عناصر الإسلام، وعناصر الإنسان المسلم، لا المرأة وحدها، وإن كان للمرأة في حياتها دور كبير، فالمرأة المسلمة تستطيع أن تأخذ الكثير من الزهراء (عليها السلام) عندما تعرف كيف تملأ وقتها، وكيف تنفتح في طاقاتها على العلم والروحانية والحركة بحسب طاقاتها وإمكاناتها.

إنّ من يدرس شخصية الزهراء (عليها السلام)، يجد أنها تمثل الشرعية في كلّ ما عاشته وانطلقت فيه ودخلت فيه من ساحات، فشخصيتها (عليها السلام) كلها إيجابيات، فهي قدوتنا في العبادة وفي الأخلاق والجهاد والعطاء والإيثار. إنّ نداء فاطمة (عليها السلام) للمؤمنين والمؤمنات هو أن يكونوا للإسلام بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم وحركاتهم وأفعالهم وأقوالهم وكلّ حياتهم، كما كانت هي للإسلام في كلّ ذلك.

ارسال التعليق

Top