• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

عاشوراء.. ثورة انتصار الدم على السيف

عمار كاظم

عاشوراء.. ثورة انتصار الدم على السيف

لقد اختار الإمام الحسين (عليه السلام) التضحية أسلوباً له في حركته الإصلاحية الكبرى، إلّا أنّ تضحيته (عليه السلام) كانت من طراز فريد لم يعهد من قبل مثيلاً لها في تاريخ الإنسانية. كانت واقعة كربلاء تمثِّل الحدّ الفاصل بين رجال الحقّ والإنسانية، وبين مَن انتزعت الرحمة والإنسانية من قبله. إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يعتبر ثورة كبرى، انتصر فيها بدمه الطاهر على سيف أعدائه وذلك من خلال ما جرى في أرض كربلاء وواقعة الطف، قتلوا أولاده وأخوانه وأصحابه (عليهم السلام) ولم يهن أو يخضع، إنّها عزة الإيمان في أعظم تجلياتها.

كان يوم عاشوراء ولم يزل يوماً ملحمياً خالداً في نفوس المؤمنين لما تضمنه من أبعاد إنسانية رسمت لكلّ الأجيال طريق الكرامة والخلود والعدل والحرّية، وأصبح رمزاً لدحر الظلم والاستبداد والطغيان في كلّ زمان، وصارت كربلاء قبلة للأحرار والثوار في كلّ مكان حتى قيل إنّ (كلّ يوم عاشوراء وكلّ أرض كربلاء) ولا ريب أنّ الذي أسس لهذا الخلود، وركّز لهذا البقاء هو ذلك الهدف الرسالي العظيم والنهضة الإصلاحية الكبيرة التي جسّدها سيِّد الشهداء وضحّى لها بتلك الدماء الطاهرة التي سالت في ذلك اليوم الدّامي حتى صارت هذه الدماء قرابين حقّ، ورموز فداء، ومنارات أمل، ومشاعل هدى، تستضيء بها النفوس التي تبحث عن الخير والسعادة على مدى الأجيال.

إنّ الحسين (عليه السلام) ليس شخصاً عادياً، بل هو مشروع عظيم يتمثل براية الحقّ فمهما قلنا وكتبنا وتحدّثنا كلّ الحديث عنه (عليه السلام) وثورته العظيمة فإنّنا لم نتجاوز حديث نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»، فثورته (عليه السلام) استهدفت الإصلاح على أساس القيم السماوية والمبادئ الربّانية التي تنطلق من منطلقات الحقّ وأهداف الحقيقة، لقد تعلّمنا من الحسين (عليه السلام) وثورته الكبرى درساً من أروع وأصدق وأنبل دروس التضحية والشهادة فأكمل رسالة ربّه السماوية الموعود بها بأتم صورها وأعلى مراتبها وأسمى معانيها.

إنّ البكاء عاطفة إنسانية لا يملك الإنسان أن يمسكها عندما يواجه المأساة، ولكنّ دور كربلاء هو أن نصنع الوعي للأُمّة، وأن نعرف كيف نواجه مشاكلها. والتفاعل بالحزن والبكاء، إنّما هو وسيلة من وسائل تجذير ذلك الوعي وتلك القيم في نفوسنا.

لذلك، فإنّ ذكرى عاشوراء تمثّل ذكرى تنفتح على كلِّ عناصر الشخصيّة المتنوّعة التي يمكن أن تقدّم مدرسةً لكلّ الأجيال في تنوّعاتها البشرية، مما قد لا تجده في أيّة معركة أخرى. ولذلك، نحن بحاجة إلى كربلاء في كلّ جيل، لتصنع كربلاء جمهورها في كلِّ تنوعاته، ولتقدّم النموذج الأمثل الَّذي يمكن أن يكون القدوة لكلّ الأجيال في المستقبل.

إنّ سرّ الخلود في قضية نهضة الحسين (عليه السلام) هو الإيمان القاطع بأحقّية قضيته واضطلاعه المطلق لتأدية ما حتّم واجبه تجاه رسالة الإسلام، والحفاظ على قواعده وقدسيّته وعظمته وجلالته، في وقت تحقّق عنده أنّ الإصلاح ولا إصلاح من حكّام بني اُميّة، وسيبقى هذا الحسين العملاق بمُثُله العُليا في تاريخ الأُمّة الإسلامية، وسيُخلّد حسين مدرسة كبرى للأجيال، يضيء طريقها، ويفوّر لها العطاء نديّاً، يتفجر منها ينابيع الخير والصلاح، حتى يرث الله الأرض ومَن عليها.

ارسال التعليق

Top