• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تزكية النفس بالأخلاق الفاضلة

عمار كاظم

تزكية النفس بالأخلاق الفاضلة

أكّد الإسلام على التزكية كثيراً واهتم اهتماماً خاصّاً بالأخلاق، ولذلك نجد أنّ الآيات ذات المضمون الأخلاقي في القرآن الكريم كثيرة، والقصص القرآنية ذات أهداف أخلاقية نبيلة. قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولا مِن أَنْفُسِهِم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران/ 164). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليكم بمكارم الأخلاق فإنّ الله عزّوجلّ بعثني بها»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق». أمّا عن أثر التزكية يوم القيامة فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما يوضع في ميزان أمرئ يوم القيامة أفضل من حُسن الخُلق». جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين يديه فقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «حُسن الخُلق»، ثمّ أتاه من قبل يمينه فقال: يا رسول ما الدين؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «حُسن الخُلق»، ثمّ أتاه من قبل شماله فقال: ما الدِّين؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «حُسن الخُلق»، ثم أتاه من ورائه فقال: ما الدِّين؟ فالتفت إليه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أما تفقه؟! هو أن لا تغضب». كما أنّ الثواب والعقاب اللذين يترتبان على الأمور الأخلاقية ليسا بأقل من الثواب والعقاب اللذين يترتبان على بقية الأمور.

إنّ التزكية مطلوبة من كلّ فرد في المجتمع المسلم، ولا يمكن أن ترى الأثر العظيم لتزكية النفس حتى تظهر في المجتمع كلّه، فتظهر حقيقة العبودية فيه لله، وحقيقة الاستقامة، وحقيقة الخُلق الراقي والأدب الرفيع، وحُسن المعاملة، وغير ذلك. والتزكية إذا وجدت في المجتمع المسلم؛ فإنّها وحدها من أعظم وسائل الدعوة إلى دين الله، فإنّ الناس إذا رأوا جمال خُلق المسلم وحُسن معاملته وأدبه وطيب كلامه؛ ينجذبون إليه ويميلون إلى دينه الذي تربى عليه، وأوصله إلى هذا الجمال والرُّقيّ. ولا يمكن أن تقوم حضارة راقية إلّا على معاملة طيِّبة وأخلاق راقية، وكلّ حضارة تنقصها الأخلاق والمعاملات الصالحة فهي مهددة بالزوال.

وإذا زكّى الإنسان نفسه صار إنساناً طيِّباً، صالحاً، جميل الأخلاق، جميل الحال، صالحاً بين يدي الله، محبوباً عند الناس، مرتاح الضمير، سليم التفكير، سعيداً في دنياه وأخراه. ومما يدل على الحالة النفسية الطيبِّة التي يتمتع بها من زكّى نفسه بالإيمان والعمل الصالح قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) (محمّد/ 2)، كما يدل على سعادته في حياته قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97)، ومما يدل على حبّ الناس له ما بيّنه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الله إذا أحبّ عبداً وضع له القبول في الأرض.

وهكذا ألا تحتاج ذواتنا منّا أن نربيها ونقوم بتزكيتها وحمايتها من الأوبئة النفسية؟ وهنا يأتي دور التقوى فإنّها تقي الإنسان من الأوبئة النفسية، قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة/ 197). ويقول الإمام عليّ (عليه السلام): «تقوى الله دواء قلوبكم وشفاء أجسادكم وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم». إنّ تزكية النفس وتهذيبها هو الفوز الحقيقي والإصلاح ينبغي أن ينبع من داخلك، من أعماقك متجهاً إلى الخارج، وتكون صادقاً مع نفسك حتى تستطيع إصلاح ما يدور حولك وتعتني بذاتك وتكون صديقاً لها. هناك حقوق كثيرة للجوارح مذكورة في الرسالة العظيمة للإمام زين العابدين (عليه السلام) منها: «حقّ اللسان، حقّ السمع، حقّ البصر، حقّ يدك، حرق رجليك حتى حقّ البطن والفرج مذكورة فيها».

ارسال التعليق

Top