• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثمار العمل الصالح

عمار كاظم

ثمار العمل الصالح

العمل الصالح مفهوم واسع، يشمل كلّ أنواع البرّ والأعمال الخيرة والمفيدة، سواء أكانت للفرد أو للمجتمع، بما في ذلك كسب العيش الحلال، وقد ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله»، وقد يكون العمل الصالح: كلمة طيِّبة، أو إصلاح بين الناس، أو دعوة إلى الله ورسوله ودينه، أو إرشاد لمحتار، أو مساعدة لمحتاج، أو إشاعة العلم ونشره، أو الحثّ على الخير، أو تعليم مهنة، أو مشاركة في إعمار مسجد، أو إعماره بحضور الصلاة والدعاء، أو خُلق حسن مع الأهل والأولاد، أو إشاعة السلام بين الناس... إلخ. وأبواب البرّ لا تُعد ولا تُحصى، كما إنّ نعم الله تعالى لا تُعد ولا تُحصى، ويمكن لكلّ إنسان أن يستفيد ممّا أنعم الله عليه لفائدة المجتمع، بالفكر أو القول أو العمل، وكلّ بحسب طاقته، إذ قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) (البقرة/ 286). العمل الصالح هو نتاج لنيّة الإنسان الصالحة وما يحمله من خير وبركة ونور في قلبه، فإذا ما ترجم الإنسان ما يحمله في داخله إلى سلوك خارجي، ازداد نوراً وتألقاً وامتلأ قلبه نضرة وسروراً، لأنّه سيعيش لحظة الصدق مع ذاته، ويشعر بالأمن من نفسه ومعها، فلا يعيش الازدواجية التي تمزق النفس شطرين يحارب أحدهما الآخر، بل يكون الظاهر والباطن عنده سواء متحابين ومتعايشين ومتناصرين.

إنّ للعمل الصالح مكانة كبيرة وعظيمة جدّاً في الإسلام، لأنّه ثمرة من ثمار الإيمان وربطهُ الله عزّوجلّ بالفوز والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأنّ تركه هو خسارة كبيرة كما قال الله تعالى في سورة العصر: (وَالعَصرِ * إِن الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَق وَتَوَاصَوْا بِالصبْرِ) (العصر/ 1-3). وقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف/ 110). حثّ القرآن الكريم في كثير من سوره وآياته على العمل الصالح المقرون بالإيمان بالله تعالى والخالص لوجهه الكريم سبحانه، لأنّ العمل الصالح هو العمل المرضي عند الله تعالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا أَرادَ اللهُ بعبدٍ خيراً استعمله. فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يُوفقُه لعملٍ صالح قبل الموتِ». فبالعمل الصالح تنزل الرحمة وتأتي البركة ويُستجاب الدعاءُ ويحصل الأمن والأمان، وبالعمل الصالح تثقل موازيننا يوم القيامة يوم لا ينفع ولد ولا مال. فثمار العمل الصالح تكون آجلة وعاجلة، العمل الصالح يشفع لصاحبه في الدنيا والآخرة، فثمرة العمل الصالح عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة لقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) (فاطر/ 10).

إنّ للأعمال الصالحة ثمراتٍ كثيرةً في الدنيا والآخرة يمُنّ الله تعالى بها على مَن اصطفاه من عباده للتلذذ بنعيم قُربِه ومُناجاته، وطريق الحصول على لذة الطاعة يحتاج لأسباب لو التزم بها العبد حصل له مقصوده، وجمع بين سعادة الدنيا ونعيم الآخرة، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97). فالعمل الصالح ثمرته عظيمة ونفعه جليل، ويكفي المؤمن شرفاً أن ينال الحياة الطيبة في الدنيا قبل أن ينتقل إلى الحياة الطيِّبة في الآخرة وذلك عن طريق العمل الصالح الخالص لله والمتبع فيه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا سعادة للمرء إلّا بسلوك طريق العبادة التي ارتضاها الله لعباده المؤمنين، وكلّما كان العبد أحرص على أداء العبادة على الوجه الذي يرتضيه ربّه كان السبيل للحصول على اللذة سهلاً وميسراً.

وللعمل الصالح فوائد جمة تعود على المجتمع المسلم، فبه نكوّن مجتمعاً متماسكاً ومترابطاً يحمل كلّ معاني الإخاء والصداقة، فيتخلص المجتمع من كافة أشكال الحقد والغيرة من بعضه البعض، خاصّة أنّهما أحد أهم الأسباب المدمرة للمجتمعات. وبه ينتعش المجتمع مادّياً فيصبح مجتمعاً غنياً، فعندما يُقدِّم الأغنياء للفقراء المال كأحد الأعمال الصالحة، تكون النتيجة باستثمار الفقراء تلك الأموال بمشاريع صغيرة، أو عمل متواضع مما يرقيه مادياً ويجعله قادراً على سد احتياجاته واحتياج أفراد عائلته. ومن خلاله يُبنى مجتمع إسلامي مميز يحمل جميع الصفات الإسلامية ويطبقها بما يرضي الله عزّوجلّ، فتزدهر الأُمّة الإسلامية وتعود كما كانت في السابق قويةً ومزدهرة. ولذا كان من المفيد التذكير بأنّ الذي يعمل الصالحات إنّما ينفع بها نفسه قبل غيره، حتى لو كانت في سبيل الله أو لأُناس بعيدين عنه، لأنّ النفس المعطاءة إنّما تعطي وتُقدِّم وتخدم وهي كبيرة وكريمة، ويكفيها شعورها بذلك فخراً وعزّاً وكرامة، بل سعادة.. هذا فضلاً عن ثواب الآخرة، وذلك هو الفوز العظيم. قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) (فصِّلت/ 46)، وقال جلّ شأنه: (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) (القصص/ 67).

ارسال التعليق

Top