• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ليكن خُلقنا.. القرآن كتاب الله

عمار كاظم

ليكن خُلقنا.. القرآن كتاب الله

منذ أن خُلق الإنسان على هذه الأرض وهو يبحث عن الحقيقة وينشد الحقّ، فحيناً يصيب وأحياناً يُخطئ. وقد يُقال له إنّ الحقيقة هي هذه، وهي ليست كذلك، وأنّ الحقّ هو هذا ولكنّه مقدّم بلباس الباطل. فلِمَ نذهب بعيداً في التفتيش عن الحقّ وهو قريب في متناول أيدينا، فهو واضح جليّ في القرآن الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (فصلت/ 42)، (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف/ 29). إنّه القاعدة، والمنطلق، والمنبع، والمصدر، والمرجع لفكرنا وحياتنا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24). فهو الذي يعطينا التصوّر عن الله والوجود والحياة والمجتمع والشريعة. إنّ هذا القرآن الكريم روح أوحاه الله تبارك وتعالى إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليخرج الناس من الظُّلمات إلى النور، يقول تبارك وتعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى/ 52)، فبقدر إقبالنا على القرآن يكون إقبال الله تبارك وتعالى علينا.

إنّ أخلاق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي بُعث ليتمِّم مكارم الأخلاق، هي زراعة القرآن وصناعته وتربيته، فما من خُلق كريم دعا إليه القرآن إلّا ونموذجه الحيّ هو النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وما من خُلق بغيض نهى عنه القرآن إلّا وتنزّه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه. فكما صنع القرآن شخصية بهذا المستوى الخلقي الرفيع، فهو قادر على صناعة شخصيات على مستوى خلقي راقٍ، فلا تكاد تجد مسلماً حائزاً على مكارم الأخلاق إلّا وتجد أنّ للقرآن أثره العميق في ذلك.. فخذ قسطك من الأخلاق منه. يمكن أن نشبّه عطاء القرآن بالمطر، فإذا تهاطلت الأمطار فإنّ هناك أودية تستقبله بالأحضان فينبت زرعها ومرعاها، وهناك أرضاً سبخة لا ينفذ منها الماء.

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ القرآن لا يُقرأ هذرمة، ولكن يرتّل ترتيلاً، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فقف عندها وسل الله عزّوجلّ الجنّة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار، فَقِف عندها وتعوّذ بالله من النار».

هذا المنهج في طريقة قراءة القرآن يمكن توسيعه على النحو التالي:

إذا مررت بآية فيها استغفار.. استغفر الله من ذنوبك ومعاصيك. وإذا مررت بآية فيها رحمة.. اطلب الرحمة من الرحمن الرحيم. وإذا مررت بآية فيها اعتبار وتفكّر.. فتدبّر وتأمّل خاصّة في أحوال الأُمم الماضية وما جرى فيها وعليها حتى كأنّك أحدهم. وإذا مررت بآية فيها شكر.. فتذكّر بعض نِعم الله عليك، فاشكرها واسأل الله دوامها. وإذا مررت بآية فيها توبة.. فاسأل الله التوبة. وإذا مررت بآية فيها دعوة للعمل الصالح.. فقل: «لبّيك اللّهمّ لبّيك».. عدْ وأوفِ بالوعد. وإذا مررت بآية فيها دعاء.. فادعُ به، كما لو كنت قائلهُ أو سائلهُ.

وهكذا، فإذا أردت أن تنتفع من آيات القرآن أكثر، وتستمتع بها أكثر، وتندفع للعمل بها أكثر، فقف عندها كما تقف عند إشارات الضوء التي تدلّ كلّ واحدة منها دلالة معيّنة.

يقول أحد المتخصصين في الدراسات القرآنية : «إنّ القرآن الكريم يمنحنا في سوره ومقاطعه وآياته البيِّنات، بل حتى في أسماء سوره.. مفاتيح عمل.. يعطينا إشارات.. شغرات.. يمكن إذا أحسنّا الإنصات إليها وتنفيذها أن نضع خطواتنا على البداية الصحيحة.. إنّنا لنتذكّر هنا أسـماء ثلاث سور من كتاب الله، تحمل إحداها اسم (القلم) والأخرى (الشورى) والثالثة (الحديد)، والمعادلات الموضوعية لهذه العناوين الثلاثة هي: المعرفة، الحرّية والقوّة..» وهل حاجات حياتنا المعاصرة الأساسية غير هذه؟!.

ارسال التعليق

Top