• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)

عمار كاظم

مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)

الإمام الصادق (عليه السلام) ملأ الساحة الإسلامية في مرحلته علماً وثقافةً وفلسفةً وحركةً، حتى إنّك لا تجد في تلك المرحلة أيّ شخص إلّا وقد استفاد من علمه. وعندما ندرس تراثه، فإنّنا نجد أنّه كان تراثاً متنوّعاً، يخاطب في الإنسان القضايا العقلية والعلمية والأخلاقية والنفسية، بل ويتجاوز ذلك إلى علوم أخرى.

كان الإمام (عليه السلام) ينفتح على كلّ الاتجاهات، وكانت مدرسته تركز على عدة عناوين كبيرة، وأهمّها قيمة العقل في الإسلام، لأنّ الله تعالى جعل العقل هو الحجة بينه وبين عباده، فكان الإمام (عليه السلام) يركِّز على أن يأخذ الناس بأسباب العقل، وأن يبتعدوا عن التخلّف والخرافة، وكان (عليه السلام) يقول: «العقل دليل المؤمن»، وكان يربط بين العقل وحُسن الخلق، فيقول: «أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً». وينقل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «إنّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم»، فإذا أردت أن تخاطب إنساناً، فلابدّ من أن تفهم حجم عقله، لتتحدّث معه بالأسلوب الذي يتوافق ومستوى عقله في إثارة القضايا.

والعنوان الثاني في مدرسته: العلم؛ أن يأخذ الإنسان بأسباب العلم في ما يحتاج إلى علمه في كلّ القضايا التي تتصل بحاجاته، وكان (عليه السلام) يقول: «قال رسول الله: طلب العلم فريضة على كلّ مسلم»، وكلمة مسلم تشمل الرجل والمرأة. وقد ورد في الحديث عنه (عليه السلام) مسؤولية العالِم عن تعليم الناس، فليس للعالِم أن ينعزل عن الناس الذين يحتاجون إلى علمه فيرفض أن يعلّمهم أو أن يلبي حاجاتهم في طلب العلم، يقول: «قرأت في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّ الله لم يأخذ على الجهّال عهداً بطلب العلم، حتى أخذ على العلماء عهداً ببذل العلم للجهّال، لأنّ العلم كان قبل الجهل».

ومن عناوين مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام): الحوار، فقد كان (عليه السلام) يؤمن بأنّ على الناس عندما يختلفون في أفكارهم، سواء كان على المستوى الديني أو المستويات الفلسفية أو غيرها، أن يحاوروا بعضهم بعضاً، لأنّ الله تعالى قال: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125)، فإذا اختلفت مع إنسان آخر في أي قضية فكرية، عليك أن تدخل معه في حوار علمي موضوعي عقلاني، لتتبادلا وجهات النظر للوصول إلى النتيجة الحاسمة. وقد عاش الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الحوار في تجربته، فكان يحاور أصحابه في كثير من القضايا ليصحح لهم الكثير من أفكارهم، وكان يدخل في حوار مع الذين يختلفون معه.

وكانت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) هي مدرسة تأكيد الحرّية، فقد كان (عليه السلام) يريد للناس أن يعيشوا أحراراً، وأن لا يخضعوا للضغوط التي تطبق عليهم.. كان (عليه السلام) يقول للإنسان: كنّ حراً في تفكيرك، التزم فكرك وموقفك حتى لو كنت في داخل زنزانة ضيّقة: «إنّ الحر حر في جميع أحواله ـ سواء كان مقيداً أو طليقاً، مضطهداً أو مختاراً، فإنّه لن يتحوّل إلى عبد، ولن تسقط حرّيته أمام الاضطهاد ـ إن نابته نائبة صبر لها، وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن أُسر وقهر». كان (عليه السلام) يؤكّد أن يبقى الإنسان حراً، لأنّ الحرّية تنطلق من حرّية فكره، فقد يستطيع الآخرون أن يقيّدوا جسده، ولكنّهم لا يستطيعون أن يقيدوا عقله، لأنّهم لا يسيطرون عليه. وكانت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) تؤكِّد مسألة أن يكون المؤمن عزيزاً بما يكمل معنى الحرّية. جاء في حديثه (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: (وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8).

ارسال التعليق

Top