• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القيمة الحوارية في المباهلة

عمار كاظم

القيمة الحوارية في المباهلة

يوم المباهلة هو يوم عظيم في الإسلام، يصادف في الرابع والعشرين من ذي الحجّة من العام التاسع للهجرة، لما له من أهمّية ودلالات. كما ويعتبر يوم المباهلة مصدر عظمة في سلسلة الأيّام الإسلامية وهو يوم تألق نوره بين الأيّام المشعة في الرسالة المحمّدية، وهو يوم مشهود حقّت فيه كلمة الله العليا، وتمت فيه الغلبة للإسلام. إذا وقفت على أحداثه، فإنما تقف على عظمة الرسالة المحمّدية التي تتجلى في نفس واحدة دون أنفُس كثيرة، وامرأة واحدة من نساء كثيرات، وطفلين دون أطفال كثيرين، هم جميعاً صفوة الصفوة ولب اللباب، الذي أختارهم الله لكرامته، وأعدهم لهداية أُمّته من بعد نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم).

في مثل هذا اليوم استجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى نصارى نجران حينما طلبوا منه المباهلة، فخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد احتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن (عليهما السلام)، وفاطمة (عليها السلام) تمشي خلفه، والإمام عليّ (عليه السلام) خلفها، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إذا دَعوتُ فأمِّنوا». فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «باهلوني»، فإن كنت صادقاً أنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً أنزلت عليَّ، فلما رآهم العاقب والسيِّد وهما من كبار شخصيات النصارى، قالوا هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ولم يباهلوه وصالحوه على بعض الأُمور التي فيها خدمة للإسلام والمسلمين، فقد باهلهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعزّ الناس إليه وبأفضل مَن في الأُمّة على وجه الأرض. فقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعطيك الرِّضا، فاعفنا من المباهلة. فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجزية وانصرفوا.

قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران/ 61). أراد أن يؤكِّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المباهلة في خطّ التحدّي الكبير، في موقع الاستعداد لتعريض أعزّ الناس عليه للخطر الآتي من النتائج السلبية المطروحة في ساحة المباهلة بهلاك الكاذب، وأطلق الحديث عن الأبناء والنساء والأنفُس ممّن يختصّ به، لإطلاق المبدأ في هذه العناوين، فكأنّه يريد أن يقول لهم، إنّه على استعداد لدعوة هؤلاء، بكلّ ما يمثّلونه من عمق عاطفي في نفسه، إلى المباهلة، للتدليل على صدق دعوته، من دون التحديد في عنوان الدعوة، ولكنّهم كانوا محدّدين في نفسه بأشخاص معيّنين، لأنّهم هم المفضّلون لديه، القريبون إليه، الأثيرون عنده. وإذا كانت الآية مختصّةً بالنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الواقعة الخاصّة مع وفد نصارى نجران، فإنّها لا تختصّ ظاهراً به، بل يمكن أن تنطلق في كلّ مورد مماثل لم يصل فيه الحوار إلى نهاية حاسمة، لعدم استعداد الطرف الآخر للاقتناع بالحجّة ـ بعد إقامتها عليه ـ فتكون المباهلة هي الخيار الأخير في ساحة التحدّي.. فإنّ الله تعالى قد طرح المسألة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، من خلال أنّها وسيلة من وسائل المواجهة لإسقاط موقف الآخرين في خطّ الباطل لمصلحة موقف الحقّ، لا لخصوصية في المورد الخاص.

إنّ هذه المناسبة هي يوم للمسلمين جميعاً، في دلالته على الحقّ وأهله، وعظمة رموزه، وأهمّية الأسلوب الحواري الهادئ حول مختلف القضايا الدينية والعقائدية، كما أكّد ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مباهلته لوفد نصارى نجران، ليعطينا الدروس والعبرة، ولنكون من المقتدين بسنّته المباركة.

ارسال التعليق

Top