• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

السلام.. ركيزة أساسية للتنمية

عمار كاظم

السلام.. ركيزة أساسية للتنمية

السلام هو أساس التنمية، والتنمية هي أصل السلام الذي هو القاعدة الأساسية والدعامة القوية التي تمكِّن الإنسان من أن يعيش في خير ورفاهية ورقي، في بيئة صالحة قادرة على خلق الازدهار والتنمية الحضارية في جميع المجالات. إنّ نعمة الأمن والأمان لا تضاهيهما نعمة أخرى، فهي نقطة الارتكاز في حياة الأفراد والجماعات، وفي استمرارية هذه الحياة على أسس سليمة تكفل العيش الذي يمكِّن الإنسان من العمل والإبداع بسلام وطمأنينة، بعيداً عن الأجواء المربكة والضّاغطة التي تعيق مسيرته. إنّ الحفاظ على الحياة الآمنة وخلق أجواء الصلح والسلام بين الناس من أهم دعوات الإسلام شأنه شأن الأديان السماوية الأخرى حيث جاء في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/ 10). و(الصُّلْحُ خَيْرٌ) (النساء/ 128). و(إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) (الأنفال/ 61). إنّها لدعوة كريمة، نادى بها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً، وإنّها لا تزال صالحة لأن تقوم بدورها، إذا وجدت أذناً واعية، وقلوباً مفتوحة للخير والحقّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة/ 208-209).

نُقل عن السيِّد المسيح (عليه السلام) قوله: «لا يجتمع حبّ الله مع كره الإنسان»، فكيف تريد أيّها الإنسان أن تحبّ الله الذي هو الخير المطلق والعدل المطلق، وأن تتقرّب إليه وأنت تحمل الكره في صدرك، فالحبّ لا يجتمع مع الكره بتاتاً؟! لذلك علينا أن نتعلّم معنى الحبّ الحقيقي في السّعي إلى حفظ النّفس من الضّياع والانحراف، وتحصينها بالمحبّة التي تقرِّب بين القلوب، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «اتقوا الله وكونوا أُخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين». علينا أن نتعلّم معنى التّسامح والحوار، حيث الحوار أداة معرفيّة منتجة لا تبغي تسجيل النّقاط، بل مقاربة الحقيقة والأفكار خدمةً للإنسان وحركته. كيف نمارس الأخلاق العمليّة في حياتنا، وكيف ندفع بالتي هي أحسن السيِّئة، وكيف نسامح بعضنا البعض، وكيف نترفّع فوق الأنانيّات والرّغبات والعصبيّات. إنّ التسامح قيمة علينا غرسها في أجيالنا، وتربيتهم عليها، حتى يكونوا على فهم وتفاعل مع قيمهم الأصيلة التي تؤكّد شخصيتهم الإيمانية الرساليّة والواعية في مواجهة كلّ ما يتعرضون له في الحياة من إشكالات. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، في إشارة إلى التّسامح والعفو: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (نور/ 22). ويقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة له: «ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمّن ظلمك وتصل مَن قطعك والإحسان إلى مَن أساء إليك وإعطاء مَن حرمك». وعلّمنا أیضاً القرآن الكريم: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (البقرة/ 237).. فحينما نظفر بالمعتدي علينا، فيمكننا أخذ حقّنا منه أو نمني عليه بالعفو، فإن فعلنا الأمر الأوّل لم يبق لنا شيء لنتفضل به على المعتدي، وإن كنّا عفونا عنه، فإنّ ذلك خير أخلاق الدنيا والآخرة.

وهكذا، فإنّ بناء المسلم على هذه القيم الإنسانية والمعاني الفاضلة، يزيد من مسؤوليته، وقابليته للعطاء، بعيداً عما يعكر صفو العلاقة بين الأخ وأخيه أو بين جماعة وجماعة أخرى من المسلمين وهم يعملون لتحقيق غاية كريمة واحدة هي إنشاء المجتمع الأمثل المعافى في بُناه الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها والذي يحمل قابلية النمو والتطور إلى ما هو الأفضل.

ارسال التعليق

Top