• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المنظور القرآني للصبر

عمار كاظم

المنظور القرآني للصبر

قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل/ 126)، وقال جلّ جلاله: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (الشورى/ 43). في كثير من الأحيان نكون نحن السبب الأوّل في هزيمة أنفُسنا حين نسمح للقلق والابتعاد عن فضيلة الصبر بدون مبرر بأن يسيطر علينا، لأنّنا في بعض الأحيان تكون لدينا مشكلات ومواقف حقيقية تبرر ما يساورنا من القلق، وكلّ مَن يتمّلكهم القلق لديهم من الأسباب ما يعتقدون أنّه يكفي لتبرير ما بهم من قلق، لكن يبقى عليهم مسؤولية تضخيم هذه الأشياء السلبية والاستسلام لما تثيره في أنفُسهم من اضطراب وفي نفس الوقت يهملون تماماً التفكير في كثير من النواحي الإيجابية في حياتهم.

إنّ أسباب قلق الناس تنحصر عادة في المال والأبناء والصحّة وما يتعلق بهذه الأشياء من مشكلات وأُمور، يرى فيها الشخص نوعاً من التهديد لأمنه وسلامته، فيساوره بخصوص ذلك القلق، والتغلب على القلق في هذه المواقف يكون بالتركيز على الإيجابيات، مع الثقة بالنفس والإيمان بالله سبحانه وتعالى، والصبر الجميل الإيجابي في مواجهة أمور الحياة مع محاولة تعديل المواقف لصالحنا بدلاً من شعور القلق المدمر. قال عزّوجلّ: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصّلت/ 35)، وقال سبحانه وتعالى  أيضاً: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) (غافر/ 55).

للصبر إذاً ثمرات رائعة ونتائج يانعة إذ إنّه طريق للصحّة النفسية في الدُّنيا والآخرة وليس دليلاً على الحقد والكراهية وكبت الاعتداء والهروب من الفاجعات، بل الصبر دليل على التحمّل للأذى ورِضا بالقضاء والمعاناة في سبيل أمل عظيم بامتحان قاسٍ يريد الصابر به أن يجتاز المحنة لينال ثواب الله فضلاً من الله ومنه: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد/ 24). والله سبحانه وتعالى يأمر الناس باتباع الطريق القويم والصراط المستقيم ويبيّن لعباده أنّ الصبر الجميل أفضل طريق للإنسان في الدُّنيا والآخرة: (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً) (المعارج/ 5-7).

أن نركز على فكرة أنّ الأُمور الجيِّدة والإيجابية كثيرة في داخلنا ومن حولنا لكنّ المشكلة إنّنا نتجاهلها ونتمسك بالتركيز على أشياء سلبية قليلة تصادفنا فيساورنا بشأنها القلق.. وبعد كلّ ذلك نجد مَن يشكو من القلق ومَن يتهم الآخرين والحياة من حوله ولا يرضى بحظه في الدُّنيا، صحيح أنّ الحياة تأتي أحياناً ببعض مواقف الألم والامتحان الصعب، ولكن لابدّ أن تكون لدينا القدرة دائماً على تلمس مواطن للسعادة وسط تلك المواقف حين نستخلص منها بعض الإيجابيات، وقد يكون أحد المواقف الذي يمثّل خبرة مريرة تعرّض لها الواحد منّا، فحصل على الكثير من الفائدة التي ندركها فيما بعد.

أيّها الإنسان، إنّ كلّ خلية فيك تختلف عن ما لدى غيرك وتحمل بصمة خاصّة تميزك عن غيرك من الناس، حتى هؤلاء الذين عاشوا في العصور الماضية، وإذا نظرت إلى نفسك وإلى الحياة من حولك وتأمّلت قليلاً، ستجد ما يدفعك إلى الطمأنينة خصوصاً إذا كان إيمانك بالله عميقاً ولديك اليقين الراسخ بأنّه سبحانه بيده كلّ شيء، فلا داعي إذاً للقلق والخوف من أُمور هي من تدبير الله.. قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات/ 15-22).

ارسال التعليق

Top