• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

زرع القدوة الحسنة في حياة الطفل

عمار كاظم

زرع القدوة الحسنة في حياة الطفل

تعتبر القدوة في حياة الإنسان مصدراً أساسياً من مصادر التربية التي من خلالها تتكوّن ملامح شخصيته، وهي الهدف الذي يسعى إليه ليجد فيه كمالاته التي ينشدها. إنّ القدوة تتمثّل غالباً في شخصية مرموقة ومعتبرة، تجتمع فيها الفضائل والصِّفات الحميدة التي تعين الفرد على نفسه من الناحية التطبيقية، وكذلك إبراز السلوك الحسن في شخصيته بشكل عام، أمّا فيما يتعلّق بالأطفال، فإنّ القدوة الأساسية والأُولى في حياتهم، تبرز من خلال وجود الوالدين اللذين يشكّلان النموذج الأوّل في حياتهم، والذي من خلاله يتعلمون تبنّي القيم والمُثل العليا، بناءً على ما يتبنّاه الوالدان نفسهما، هذا فضلاً عن التطبيقات والسلوكيات التي يراقبها الأطفال عن كثب، والتي تصدر عن الوالدين، وبالتالي، فإنّ أيّ خلل يصدر عنهما، سواء في تبنّي القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها من القيم، أو في التعبير السلوكي من خلال التصرّفات والأفعال الصادرة عنهما، فإنّ ذلك سيمثّل للأطفال النموذج الذي يحتذى لديهم.

على الأهل أن يحرصوا على أن يرى فيهم الأولاد صدق المواقف والتربية، وضرورة أن يناقش الآباء أبناءهم في مواضيع معيّنة، وأن يحاولوا أخذ رأيهم فيه، فإنّ هذا الأمر سوف يعزِّز شخصية الطفل ويقوِّيها، ويشعر من خلال هذه المناقشة بأنّه أصبح راشداً. إضافة إلى ذلك، وهي أنّ النقاش يفتح آفاقاً فكرية كبيرة للطفل، ومن الضروري أن تطرح على الطفل بعض المواضيع التي هي مثار جدل، والتي تخشى عليه أن يتأثّر بها، وناقشه فيها، وبيّن له خطأها بأسلوب النقاش لا بأسلوب الإملاء، لأنّ أسلوب الإملاء كثيراً ما ينفر الأبناء منه، بينما لو كان نقاشاً، فإنّ الأمر سيختلف اختلافاً جذرياً. وفي هذا المجال، رُوِي عن الإمام الصادق (عليه السلام): «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليه المرجئة».

من المهم أن يدرك الوالدان أنّهما من خلال الأفكار والمعتقدات والقيم التي يتبنّيانها في الحياة، سينعكس ذلك على أبنائهم، وذلك من خلال المحاكاة والمراقبة، فالسلوك الذي يعتمده الوالدان في حياتهما اليومية، ولا سيّما مع الأبناء أنفُسهم، فضلاً عن تصرّفاتهما وسلوكهما مع بقيّة أفراد المجتمع، من أهل وأصدقاء وغيرهم، هو عبارة عن معايشة يومية لهما، تقدِّم للأبناء الطريقة والأسلوب الأمثل -باعتقاد الأبناء- والكافي لتقليده، لذا علينا كأهل أن ننتبه لسلوكياتنا في أقوالنا وأفعالنا. ومن مسؤولية الوالدين المساهمة الفعّالة في اختيار الأصدقاء لأبنائهم، وكذلك إيجاد البيئة المناسبة لاختيار هؤلاء الأصدقاء الجيّدين. ومن الضروري أيضاً أن يكون لدى الوالدين الوعي الكافي لاختيار القصص المناسبة لأطفالهم من حيث الشكل والمضمون، كذلك المساهمة الفعّالة في اختيار الألعاب والبرامج الإلكترونية وغيرها من الألعاب، ممّا يتناسب مع ترسيخ القيم الإنسانية والأخلاقية المطلوبة.

يجب أن يكون الآباء صورةً مصغّرةً عن حركة الإسلام في المجتمع، بمعنى أن يكون الآباء متأدّبين بأدب الإسلام ومنطبعين بطباعه، لأنّ مَن يريد أن يمارس دوره في عملية التربية، ويريد لأبنائه أن يكونوا أفضل البشر، عليه أن يقدِّم نفسه أمام أبنائه كصورة ونموذج عن هذه التربية. وقد ورد في القرآن الكريم ما يذمّ القائل بشيء ثمّ لا يفعله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصفّ/ 2-3). وورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن نصّب نفسه للناس إماماً، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلم الناس ومؤدّبهم». وفي الختام، إنّ أولادنا هم عيّنة مصغّرة عنّا، عن أخلاقنا وقيمنا، يتصرّفون كما نتصرّف، ويتحدّثون كما نتحدّث، وينطقون بما نعلّمهم وبما ننطق، فلنسعَ لتقديم النموذج الحسن في سلوكياتنا وأقوالنا وأفعالنا.

ارسال التعليق

Top