• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المجتمع المؤمن.. مجتمع التقارب والمحبّة

عمار كاظم

المجتمع المؤمن.. مجتمع التقارب والمحبّة

قال الله وتعالى في كتابه الكريم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) (آل عمران/ 103). إنّ من أهم الأهداف التي سعى إليها الإسلام، هو خلق التماسك داخل المجتمع المؤمن وتقويته من الداخل، واحتواء أيّ توتّرات تهدّد استقراره، وتضعف قدرته على مواجهة التحدّيات. وهو لذلك، بيّن أنّ العلاقة بين المؤمنين ينبغي أن تحكمها مشاعر وتعبيرات الأخوّة، فقال سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10). وقد أوضح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسار هذه العلاقة عندما قال: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه، تداعى سائره بالحمّى والسهر»، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً». وورد أنّ رجلاً جاء إلى الإمام الصادق (علیه السلام)، وراح يكيل الثناء على المؤمنين وأنّهم يتعاملون كإخوة، فسأله (علیه السلام): «أيمدُّ أحدكم يده إلى جيب أخيه فيأخذ منها ما يشاء فيدعه؟»، قال: لا، فقال (علیه السلام): «كيف تقولون إنّكم إخوة؟!».

وقد جاءت الآيات والأحاديث لتحصِّن هذا المجتمع من أيّ توتّرات قد يحدثها الكلام المتوتّر والانفعال أو أيّ ردود فعل خاطئة وغير مدروسة، فدعت إلى أن تكون لغة الخطاب بين المؤمنين بالكلمة الأحسن، وهذا ما قاله الله سبحانه وتعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء/ 53). وإذا حصل أن صدرت عن أحدهم كلمة نابية أو تصرّف يسيء فيه إلى الآخر، فلا ينبغي أن يبادَل بالمثل بل بالأحسن، فقد قال عزّوجلّ: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34). وفي الوقت نفسه، دعت أيضاً إلى أن لا يسيء المؤمن إلى المؤمن الآخر، فقد ورد في الحديث: «المؤمنُ أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشُّه ولا يعده عدة فيخلفه».

وأيضاً لم يترك الإسلام للاختلافات تعبث بالمجتمع المؤمن، وتؤدِّي إلى القطيعة والتباعد بين أفراده، وفي أيّ موقع كانوا، فقد حثَّت الآيات القرآنية على عدم التفرّق والتنازع، عندما قال تعالى: (وَلا تَتَفَرَّقُوا) (الشورى/ 13)، وقال: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/ 46). وحتى يتحقّق ذلك، دعت الأحاديث إلى قيمة مهمّة نجعلها قاعدةً لحياتنا، وهي عدم الهجران والتقاطع عند الاختلاف بين المؤمنين، مهما كان نوع الاختلاف، وأن يكون المبدأ بينهم هو التواصل والتلاقي.. فالقطيعة غالباً ما تؤدِّي إلى استحكام العداء في النفوس، وإذكاء ناره، وهذا ما ورد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أبي ذرّ عندما قال له: «يا أبا ذرّ، إيّاك وهجران أخيك، فإنّ العمل لا يتقبّل مع الهجران»، «هجر المسلم كسفك دمه». وورد في الحديث: «تُعرَض الأعمال على الله سبحانه في كلّ اثنين وخميس، فيغفر الله عزّوجلّ في ذلك اليوم لكلّ امرئٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلّا امرءاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا». وفي حديثٍ آخر: «يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلّا لمشركٍ أو مشاحن».

إذاً المبدأ الذي يحكم المجتمع الإسلامي، هو التواصل والتلاقي والتراحم والتباذل، هو ما عزّز تماسك المجتمع الإسلامي في السابق، وحوَّله من مجتمع متناحر متقاتل، إلى مجتمع موحَّد متكاتف، بنى حضارة لايزال العالم يستفيد من عطاءاتها. ولكن عندما نتحدّث عن المجتمع المؤمن، فهذا لا يعني أنّنا ندعو إلى الانغلاق على المجتمعات الأُخرى التي نختلف معها في الدِّين أو المذهب أو الحضارة، فالإسلام دين مدِّ الجسور، ودين التواصل بين الأديان والشعوب والحضارات (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13). ولذلك، كان التنديد من الله سبحانه كبيراً بكلّ مَن يعمل على قطع الروابط التي توحِّد بين المؤمنين وخلق العداوات بينهم، وتوعّدهم بقوله: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد/ 25).

ارسال التعليق

Top