• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بدر الكبرى.. درس في التحدّي والإرادة

عمار كاظم

بدر الكبرى.. درس في التحدّي والإرادة

بدر الكبرى.. أوّل معركة خاضها المسلمون في السابع عشر من شهر رمضان المبارك، والتي كانت أوّل انطلاقةٍ بعد الهجرة للمسلمين في مواجهة قوّة الشِّرك المتمثّلة بقريش وحلفائها. هي أوّل معركة خاضها المسلمون بعد خمس عشرة سنة من البعثة النبويّة الشريفة، وكان عددهم 313 رجلاً ضدّ المشركين من قريش وعددهم حوالي الألف، وقد نصر الله فيها المسلمين نصراً مبيناً، وكانت بذلك الضربة العسكرية والمعنوية القوية التي بعثت في نفوس المشركين الخوف والذّعر، وحوّلت ميزان القوّة إلى جانب المسلمين، وقضت على معنويات ذلك الجيش، وفرضت معادلةً جديدة تمثّلت بأنّ المسلمين باتوا رقماً وقوّة لا يمكن كسرها أو الإجهاز عليها. لهذه المعركة أهميّة كبرى في التاريخ الإسلامي، لما شكّلته من محطّة مفصلية لنجاح المسلمين، وإعلاء كلمة التوحيد في المجتمع المشرك. وكانت هذه المعركة ضرورية، بالرغم من أنّ المسلمين كانوا لا يملكون عناصر القوّة المادّية، لأنّ الوضع الاقتصادي كان من أسوأ الأوضاع في حياة المسلمين.. ولكنّ هذه المعركة استطاعت أن تدلِّل على أنّ قوّة الإيمان يمكن أن تغطِّي بعض نقاط الضعف المادّية لدى المجاهدين.

هذا النصر المبين المؤيّد بتسديد الله تعالى لعباده المؤمنين، شكّل انعطافة تاريخية مهمّة في مسيرة الإسلام والمسلمين في الجزيرة العربية، وتالياً على مستوى المنطقة. فلقد تسلّح المسلمون بالإرادة الصلبة، والإصرار على قهر الشِّرك ونشر الإيمان والتوحيد، على الرغم من الإمكانات المتواضعة التي كانت لديهم، فهم بامتثالهم لحكمة قيادتهم، وباستقامتهم على دينهم وتمسّكهم بإيمانهم وبصبرهم وتوكّلهم على الله وجهادهم في سبيله وابتغاء مرضاته، استطاعوا أن يسجّلوا نصراً عزيزاً شريفاً أذلّوا به الكفر والنفاق، وأعزّوا به الحقّ وأهله.

ومن الدروس المستفادة من هذه المعركة، أنّ النصر والتسديد هما من الله تعالى وحده، ومن توفيقه لعباده المخلصين المجاهدين فعلاً، والمتوكّلين عليه والواثقين به، وأنّه تعالى لا يخذلهم في أيّ وقت ومناسبة، فمهما كانت القوّة المادّية كبيرة، فإنّها لن تفعل فعلها المطلوب ما لم يصاحبها قوّة في اليقين وصدق في الإيمان، فالمؤمن صاحب العقيدة الراسخة واليقين الثابت، ينطلق في سبيل الله بكلّ ما أُوتي من قوّة، وهو على عزيمة وثبات وإرادة صلبة في التحدّي والمواجهة، وهذا ما يُصعِّب على الأعداء محاولة هزيمته أو غلبته. ومع الإيمان بالله، يأتي دور الدُّعاء والتوسل إليه تعالى، وهذا ما فعله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما دعا ربّه قائلاً: «اللّهُمّ انجز لي ما وعدتني، اللّهُمّ آتني ما وعدتني».. فأمدّه الله بالملائكة: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال/ 9).

ومن الدروس المستفادة أيضاً، حضور القائد ومشاركته مع جنوده أرض المعركة، إذ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) موجوداً في ساحات الوغى محارباً وقائداً، وباثّاً للروح المعنوية في المقاتلين كأحسن ما يكون القائد. والجهاد في سبيل الله من أعظم ما يكون من فريضة في الإسلام، والدفاع عن الدِّين والعقيدة من أشرف ما يكون من عمل. ويتّضح لنا من معركة بدر أيضاً، مدى التزام الصحابة والمسلمين بأوامر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعدم الاختلاف والتنازع، وهو ما يفرض الالتفاف حول القيادة الصالحة الرشيدة، وتحكيم العقل والمشورة، والابتعاد عن الحساسيات والمنازعات.

وبهذه المناسبة التاريخية المشرّفة، لابدّ للمسلمين من أخذ العبرة والدرس من معركة بدر، وتقوية إرادتهم، والتمسّك بالحقّ ونصرته، والمثابرة والتضحية والمواجهة السليمة في سبيل الله، حتى يحصلوا على النتائج المرجوّة.

ارسال التعليق

Top