• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بدر الكبرى.. منارة القوة والثبات

عمار كاظم

بدر الكبرى.. منارة القوة والثبات

في رحاب هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، وفي السابع عشر منه، نستعيد ذكرى معركة بدر، ذكرى الانتصار الذي حقّقه الله للمسلمين بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جبروت قريش وطغيانها. قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (آل عمران/ 123).

لقد أظهرت هذه المعركة، والتي هي أوّل معركة يخوضها المسلمون، مدى الحكمة التي تجلّت في قيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإدارته لها، كما بيّنت مدى شجاعته. وقد قال عنه الإمام عليّ (عليه السلام): «لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشدّ الناس يومئذٍ بأساً». وعن الدور الذي قام به الإمام عليّ (عليه السلام)، فقد قتل نصف قتلى بدر، وشارك المسلمين في النصف الآخر. وعن مدى حرصه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كانت عينه لا تفارقه، حتى إنّه كان يترك المعركة بين الحين والآخر ليتفقّده. وقد رُوي عنه أنّه كان يأتي إليه فيجده ساجداً، وهو يقول: يا عليّ يا عظيم.

وبعد الانتهاء من المعركة، عدّل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قواعد التعامل مع الأسرى، حين فرّق الأسرى بين أصحابه ليكونوا معهم في بيوتهم، وعبّر عن الخلق الإسلامي في التعامل معهم، وقال لأصحابه: «استوصوا بهم خيراً، وأطعموهم من أحسن ما تطعمون أهليكم». ووصل الأمر ببعضهم، أنّهم كانوا يقدّمون إلى الأسير خير ما في المنزل من طعام. بعد ذلك، ردّ كلّ أسير افتداه أهله بالمال إليهم، أمّا الفقراء الذين لم يجد أهلهم ما يفتدونهم به، فقد أطلق سراحهم من غير فدية، على أن يُعلّم واحدهم عشرةً من أولاد الأنصار القراءة والكتابة.

إذاً، كانت معركة بدر من أجل أن يردّ رسول الله التحدي للمشركين، وأن يثبت القوّة، وأن يوحي للمسلمين بأنّ عليهم أن يضاعفوا قوّتهم، وأن لا ينهزموا أمام قوَّة الأعداء، وكان يريد منهم أن يقف أحدهم في مقابل العشرة: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً) (الأنفال/ 65)، أيّ أنّ الله سبحانه وتعالى أراد من المسلمين أن يكون كلّ واحد قدر عشرة، وأن ينمّوا قوّتهم على هذا الأساس. ثم رأى أن المسلمين ليس عندهم هذه الهمّة الزائدة، فقال: (الْآَنَ خَفَّفَ الله عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) (الأنفال/ 66)، أي أنّه يجب على المسلم إذا لم يقدر أن يقف مقابل عشرة، أن يقف مقابل اثنين على الأقلّ.

ونفهم من هذا، أنّه لابدّ للمسلمين من أن يأخذوا بأسباب القوة، وأن لا يعيشوا حياة الاسترخاء والضعف أمام أعدائهم، وأن لا ينظروا إلى قوة أعدائهم وإلى ضعفهم؛ بل عليهم أن يعرفوا أنّ من الممكن أن يغلب الضّعفاء الأقوياء: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله) (البقرة/ 249).

وهكذا، انطلقت بدر لتسجل الموقف الإسلامي القويّ الصّابر الصّامد الذي استطاع أن يهزم المشركين. ونحن نحتاج في ظروفنا الحاضرة إلى أن نواجه التحديات التي تأتي إلينا بروحية المسلمين في بدر. عندما دعا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه إلى أن ينطلقوا لمعركة قريش، قال أحدهم: «يا رسول الله، هذه قريش ما ذلّت منذ عزّت»، أي أنّ قريش ليس من الممكن أن تُذلّ، وليس من الممكن أن تنهزم.. ومعنى هذا أننا مهزومون حتماً إذا قاتلنا قريش.

ارسال التعليق

Top