• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لنتوحد بالقدس

عمار كاظم

لنتوحد بالقدس

قال جابر بن عبدالله الأنصاري: «دخلتُ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر جمعة من شهر رمضان، فلمّا بَصُر بي، قال لي: يا جابر، هذه آخر جمعة من شهر رمضان، فودّعه وقل: اللّهُمّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيّاه، فإن جعلته، فاجعلني مرحوماً، ولا تجعلني محروماً». والجمعة هي اليوم الذي أراد الله للمسلمين أن يجتمعوا فيه من خلال صلاة الجمعة ليبتهلوا إليه، وليذكروه، وليتوبوا إليه من كلِّ ذنوبهم، إنّه يوم الحضور أمام الله تعالى في كلِّ العالم الإسلامي، حتى يجدِّد المسلم بين يدي الله تعالى إيمانه وإسلامه، ويذكر الله في كلّ أُموره: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ) (الجمعة/ 9).. أن يذكر الله في ما يلتزم به من فكر، ليكون فكره فكر الحقّ الذي يرضى به الله، وفي ما يتحسّسه في نبضات قلبه من عاطفة، لتكون عاطفته في مرضاة الله، ولينفتح عندما ينطلق من صلاة الجمعة على أعماله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (الجمعة/ 10)، لينطلق من صلاة الجمعة إلى ساحة العمل، ليكون عمله سواء كان في التجارة أو الاجتماع، صلاةً يذكر الله فيها كما ذكره في الصلاة.

ولعلّ قيمة هذه الجمعة، أنّها آخر جمعة من شهر رمضان، حيث يتجمّع فيها كلِّ روح هذا الشهر، فالإنسان في هذه الجمعة لابدّ من أن يجلس مع ربّه ويخلو مع نفسه، ليقوم بعملية حساب: كيف كان رمضانه في الأيّام التي مضت، وكيف يعمل للحصول على ما لم يحصل عليه في الأيّام التي بقيت؟ وهذا ما جاء به الدُّعاء المرويّ عن أهل البيت (عليهم السلام): «اللّهُمّ وهذه أيّام شهر رمضان قد انقضت، ولياليه قد تصرّمت، وقد صرت يا إلهيّ إلى ما أنت أعلم به مني، وأحصى لعدده من الخلق أجمعين، فأسألك بما سألك به ملائكتك المقرّبون، وأنبياؤك المرسلون، وعبادك الصالحون، إن كنت رضيت في هذا الشهر فازدد عني رضى ـ لأنّني يا ربٍّ أريد أن ترضى عني رضى لا رضى فوقه، ولا زيادة فيه لمستزيد، لأنّ ذلك هو الذي يقرّبني إليك ويحبّبني إليك، وتلك هي السعادة كلّ السعادة. وقد عبّر الله تعالى عن رضاه بعد أن تحدّث عن الجنّة التي يدخلها المتّقون بأنّه: (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ) ـ وإن لم تكن رضيت عني، فمن الآن فارضَ عني».

في هذا اليوم من المهم أن يتذكر المسلمون في جميع أنحاء العالم القدس، ليكون يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان يوماً للقدس. إنّ المطلوب هو أن تبقى القدس في البال. فلابدّ لنا من أن نتذكر القدس في هذا اليوم، بحيث تتحرّك مواقع الدراسات الدينية الإسلامية والسياسية، لتدرس العمق الذي تمثّله القدس كواجهة لكلّ الواقع الإسلامي الرسالي والسياسي والحركي والأمني. أمّا في الجانب الرسالي، فإنّ الآية الكريمة في سورة الإسراء: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الإسراء/ 1)، هذه الآية أرادت الإيحاء بأنّ الله تعالى أراد لرسوله محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهب إلى المسجد الأقصى بطريقة إعجازية اختصرت المسافات في لحظات، من أجل أن يتحرّك في رسالته إلى العالم، لأنّه جاء رسولاً إلى الناس كافة، ولأنّه جاء رحمة للعالمين، من أجل أن يعيش في المسجد الأقصى كلّ تاريخ الرسالات، لأنّ الرسالة الإسلامية الخاتمة هي الرسالة التي تجمع كلّ الرسالات، وتركّز على العناصر الأصيلة فيها، ولهذا جاء القرآن الكريم ليؤكّد الإيمان بكلّ الرُّسل: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (البقرة/ 285)، وليؤكّد الإيمان بكلّ الكُتُب التي أنزلها الله، من التوراة والإنجيل وصُحُف إبراهيم، لأنّ الإسلام يتميّز عن كلّ الأديان أنّه جاء مصدِّقاً للذي بين يديه، ليكون المتمِّم والمكمِّل، وليجمع الله الرسالات بهذا الدِّين الذي ميّز به محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم). لذلك، فإنّ هذه الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، تؤكّد أنّ هناك ترابطاً بين ما يوحي به في هذا المسجد أو ذاك، وخصوصاً المسجد الحرام الذي بناه إبراهيم (عليه السلام)، والأنبياء في المسجد الأقصى هم من ذرّيته، ولذلك فإنّ إبراهيم (عليه السلام) هو شيخ الأنبياء، وهو الذي يربط بين المسجدين من خلال رسالة الله تعالى.

إنّ الإيحاء في هذا هو أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أسرى به الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فإنّه يجب علينا أن نعمل كمسلمين لننفتح على كلّ المساجد، لنؤكّد الترابط بين المسلمين في التزامهم بالإسلام الأصيل والحقّ، وليتحرّكوا من خلال ذلك على الحوار في ما اختلفوا فيه من فرعياته، وهذا هو قول الله: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (النِّساء/ 59)، أي أن لا تكون هناك مقاطعة بين المساجد، مهما اختلفنا في مذهبيّاتنا وآرائنا، بل علينا أن نرتكز على الإسلام ونتّخذه القاعدة: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103).

ارسال التعليق

Top