• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شكر الله تعالى على نِعَمه الدائمة

عمار كاظم

شكر الله تعالى على نِعَمه الدائمة

لقد أسبغ الله تعالى على عباده نِعَمه ظاهرة وباطنة، ووهب للإنسان كلَّ الأجهزة والطاقات الجسدية والروحية، لينفتح من خلالها على عظمته، ويبصر مواطن قدرته، ويشعر بآيات رحمته، فهو القادر على كلِّ شيء، وهو المحيي والمميت الذي أوجدنا من العدم، وبثّ فينا الأرواح لتنطلق سابحةً في آفاق عزّته وجلاله وقدسه، ومنحنا المشاعر التي نتحسَّس بها القُرب منه والحبّ له والذِّكر له وشكره وحمده كما يليق به، حمداً دائماً لا ينقطع أبداً، وأعطانا من العقل والقلب والشعور ما نرى به نِعَمه المتتالية.

قال الإمام السجّاد (عليه السلام): «والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة، وأسبغ عليهم من نِعَمه المتظاهرة، لتصرَّفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسَّعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك، لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حدِّ البهيمية، فكانوا كما وصف في محكم كتابه: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (الفرقان/ 44)». فمعرفة الله هي حقّ الله علينا في تحريكنا لعقولنا وقلوبنا نحوه، فلو عطَّل الإنسان التواصل مع الله من خلال عقله وحواسه، وأمعن في إبعاد مشاعره عن ربّه وذكره إيّاه، لأضحى كالبهيمة، ولخرج من دائرة الإنسانية إلى دائرة البهيمية التي لا تعقل ما حولها، فبإنسانيتنا وفطرتنا الصافية نتلمَّس حمد الله وشكره، ونتذوَّق حلاوة ذكره ومعرفته، بما يجعلنا مخلصين لله في الدُّنيا، مستحقّين لرضاه في الآخرة.

عُرِف الله في آلائه ونِعَمه ومننه وحمده، فكان الحمد تعبيراً عن معرفة الله وشكره... ولولا ذلك، لما كان لديه وعي الحمد وشعور الشُّكر، فيتقلّب في نِعَم الله من دون حمدٍ ولا شكر، ما يجعله بعيداً عن عمق الإحساس بالإنسانية التي تفرض على الإنسان أن يحمد ربّه بما يستحقّه من الحمد. ومَن يشكر الله تعالى في السرّاء والضرّاء، ويعرف قيمة الشُّكر لله على ما أنعم وأبلى، فهو الفائز، بما يحقّق من علاقة فاعلة تستحضر كلّ معاني السموّ والارتفاع بالله تعالى، فإحساسنا بالنِّعمة علينا، لابدّ وأن يدفعنا إلى المزيد من حفظ النِّعَم وأداء حقّها، وإلى المزيد من السعي والعمل الصالح.

وطاعة الله هي منتهى كلّ فعلٍ مرغوبٍ ومطلوب، يحقّق الطمأنينة والسكينة للقلب، ومن يُطع الله حقّ طاعته، بما تفترضه الطاعة من طهارة الفكر والشعور، فإنّه يكون من الناجين المستحقين لمرضاة الله في الدُّنيا والآخرة.. يا ربِّ، اجعل شغلنا في تحصيل ثوابك بالطاعة والذِّكر والشُّكر، ولا تجعل أوقات فراغنا مدعاةً للعبث واللعب واللهو بما ننصرف به عنك، ما يزيدنا بُعداً عنك، ويؤثّر سلباً في سلامة مصيرنا يوم يقوم العباد للحساب.

فالفراغ ـ يا ربّ ـ هو فسحة طبيعية كي نأخذ قسطاً من الراحة، لنعود إليك أكثر نشاطاً وحيويةً، وليس مدعاة للتكاسل والخنوع. اللّهُمّ اجعل حياتنا مملوءةً بالحسنات، واجعل الملائكة الموكلين مسرورين منّا، من أعمالنا الصالحة التي تحصّننا، واجعل حياتنا لا تعرف السيِّئات التي تلوِّث الواقع، وتبعدنا عن حقيقة الدور وممارسة المسؤولية في إغناء الحياة ورفعتها.

«واشغل ألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر»، فلا نرى للنِّعمة مصدراً غيرك، لأنّ أيّاً من المخلوقين لا يملكون شيئاً إلّا من خلال ما ملّكتهم، ولا يعطون أحداً ممّا أعطيتهم، فكلّ شكر عائد إلى شكرك، لأنّ كلّ نِعمة منطلقة من نِعَمك.. وإذا كانت ألسنتنا تنطق بالشُّكر، فهي للتعبير عن انفعال الذّات بذلك، الأمر الذي يتحوّل إلى الشكل الذي يتمثّل في دائرة الانضباط في خطّ الطاعة.

ارسال التعليق

Top