• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مرحلة الشباب.. فرصة لتهذيب النفس وإصلاحها

عمار كاظم

مرحلة الشباب.. فرصة لتهذيب النفس وإصلاحها

«إنّ النبتة التي غُرست حديثاً يُمكن لشخص واحد أن يقلعها فإذا ترسّخت جذورها على مرّ الأيّام عجزت عن قلعها الأفلاك». وما أكثر ما يحدث أنّ خُلُقاً سيِّئاً يظهر مبكراً في الشاب، فيكون بالإمكان إصلاحه بقليل من المراقبة والسعي، بل واستبداله بالخلق الصالح المقابل له، لأنّه ما يزال ضعيفاً لم يترسّخ بعد، ولكن إذا غفل عنه صاحبه مدّة وتهاون في أمره احتاج الإصلاح إلى رياضات شديدة، ومجاهدات شاقّة طويلة، قد لا يمهل الأجل المحتوم الإنسان المجاهد لإكمالها. إذاً، فمن الواجب والضروري للشباب أن يُبادروا لتصفية نفوسهم وتزكيتها ما دامت فرصة الشباب بين أيديهم، وما دام الصفاء الباطني باقياً فيهم، والفطرة الأصلية لم تتلوّث بعد، فعليهم أن يجتهدوا في قلع جذور الأخلاق الفاسدة من قلوبهم، لأنّ سعادة الإنسان يتهدّدها خطرٌ عظيم ما دامت في قلبه الأخلاق القبيحة.

الإنسان موجود إذا لم يُضبط وأُطلِق له العنان لينشأ على رَسْله، وتُرك كالأعشاب الضارّة المهملة ولم يخضع للتربية، فإنّه كلّما كبُر في السن وزاد مقامه في المنصب فإنّ الجوانب الروحية فيه سينالها الضعف.. ولهذا فإنّ التربية يجب أن تكون من البداية.. يجب أن يتربّى الإنسان من الطفولة.. ثمّ في المراحل التالية يجب أن يكون الإنسان تحت ‏إشراف مربّين أينما كان. الإنسان محتاج إلى التربية إلى آخر عمره.. فالشباب يستطيعون بصورة أفضل أن يُهذّبوا أنفُسهم، وجذور الفساد أقلّ تأصّلاً فيهم، لم تمتدّ كثيراً بعد، لكنّها تتجذّر وتتكاثر في كلّ يوم ما دامت باقية، ويصعب الأمر كلّ يوم مع كلّ تأخير (في اقتلاعها). فعسيرٌ جدّاً على الشيخ العجوز إصلاح حاله فيما لو أراد، ولكنّ الشاب يستطيع تحقيق ذلك أسرع. يتحقّق إصلاح آلاف الشباب ولا يتحقّق إصلاح عجوز واحد. لا تتركوا أمر الإصلاح لأيّام الشيخوخة، ابدؤوا الآن سَيركم ما دمتم شباباً.

حيث إنّكم الآن في ريعان الشباب فأنتم قادرون على التحكّم بقواكم ولم يدبّ الضعف بعد إلى أبدانكم، فإذا لم تفكّروا الآن بتزكية أنفُسكم وبناء ذواتكم، فكيف ستتمكّنون من ذلك غداً عند الكِبَر حين يتغلّب الضعف عليكم ويسيطر الوهن وتفقدون العزم وتضمحل فيكم الإرادة وتنتهي المقاومة.. فإذا بلغتم مرحلة الشيخوخة فمن الصعب أن توفّقوا لاكتساب الفضيلة والتقوى. ليس بمقدوركم أن تتوبوا، لأنّ التوبة لا تتحقّق بمجرّد لفظ «أتوب إلى الله»، بل تتوقّف على الندم والعزم على ترك الذنوب.

إنّ قلب الشاب قلب رقيق وملكوتي، ودوافع الفساد فيه ضعيفة. ولكن كلّما كبر الإنسان استحكمت في قلبه جذور المعصية إلى أن يُصبح استئصالها من القلب أمراً غير ممكن. كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء، فإذا أذنب ذنباً خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يُغطّي البياض، فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً».

إنّ أيّام الشباب أنسب لإصلاح النفس، فالإرادة تكون في هذه الأيّام أقوى، حيث في هذه المرحلة يكون الشباب أقرب فيها إلى الفطرة السليمة، وثقل المعاصي لم يزدد إلى الدرجة التي يصعب معها تلافي الأمر.. ليعرف الشباب قدر هذه الأيّام، فهي نِعمة عظيمة لا ينبغي لهم تضييعها بالغفلة. قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ (العصر/ 1-2). وأيُّ خسران أعظم من صرف الإنسان رأس مال السعادة السرمدية في استجلاب الشقاء الأبدي، واستخدامه وسيلة الحياة والنجاة في التهلكة والفناء دون أن يستيقظ من الغفلة إلى نهاية عمره.

ارسال التعليق

Top