• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الانفتاح على وصايا الإمام الباقر (عليه السلام)

عمار كاظم

الانفتاح على وصايا الإمام الباقر (عليه السلام)

عندما نلتقي أيّ إمام من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في التاريخ، فإنّنا نلتقي بالفكر الذي يريد أن يشيع السلام في العالم من خلال الإسلام، وأن يحرِّك السلام في عقل الإنسان وفي روحه وفي حركته من خلال علاقة الإنسان بالله فيما شرَّع الله من شرائع، وفيما ركَّز من قيم، وفيما أنزل من وحي، وفيما أطلق من مفاهيم، حتى يتحسَّس الإنسان الحياة على أساس أنّها ليست الحياة التي يتحرَّك فيها الهوى، وتنطلق فيها نقاط الضعف، ولكنّها الحياة التي يتحرَّك فيها الخطّ الإسلامي في العقيدة والشريعة والمنهج والحركة والمفاهيم. وعندما نلتقي بالإمام محمّد الباقر (عليه السلام)، ونطلّ على المرحلة الواسعة التي عاش فيها، فملأ الواقع الإسلامي في عقله بما أعطاه من ثمرات العقل، وفي روحه بما انفتح عليه من سموّ الروح، وفي حركته من خلال كلِّ الخطوط التي تتحرَّك بالإنسان نحو الحياة المثلى، وفي منهجه من خلال ما خطَّط له من المناهج التي تتحرَّك مع منهج الإسلام في كلِّ مواقعه.

وعندما ندرس هذا التراث الكبير الواسع الذي تركه الإمام الباقر (عليه السلام) وولده الإمام الصادق (عليه السلام)، فإنّنا نجد أنّنا نلتقي بالآفاق الفلسفية في حركة العقيدة الإسلامية، ونلتقي بالآفاق الفقهية في كلّ ما انفتح عليه في الشريعة الإسلامية، ونلتقي بالقيم الإسلامية المتحركة في السلوك وفي العلاقات وفي المواقف وفي الأوضاع الداخلية التي يعيشها الإنسان مع ربّه ومع الإنسان الآخر. إنّنا نستطيع من خلال هذه الثروة، أن نرى في عقل هذا الإمام ثقافةً واسعةً منفتحةً على الله، من خلال الألطاف التي أغدقها الله عليه، ونرى فيه ثقافة واسعة منفتحة على كلّ الواقع الإسلامي في كلِّ المشاكل التي أحاطت بالواقع، وفي كلِّ التحدّيات التي قفزت لتطبق على الواقع الإسلامي.

لقد كانت كلمته متحركةً في كلّ المجالات، ومن هنا نأخذ الدرس من حياة هؤلاء الأئمّة (عليهم السلام)، أنّهم كانوا يحدِّقون بكلِّ ما يحدث في واقع الإسلام والمسلمين من قضايا تتّصل بالسياسة، وتتّصل بالثقافة، وتتّصل بالاجتماع، وتتّصل بحركة الإنسان في كلّ قضاياه الخاصّة والعامّة، لنعرف أنّ علينا أن نسير في هذا الخطّ، وأن لا نكون معزولين عن الواقع كلّه، فأن تكون الإنسان المُسلِم يعني أن يكون همّك العقلي والعاطفي والروحي والحركي هو همّ الإسلام والمسلمين. عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «مَن أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم»، هذه هي الملامح العامّة لما نتمثّله من حياة هذا الإمام فيما نستنطقه من مفردات هذه الحياة.

نقرأ تعريف المؤمن عند الإمام (عليه السلام)، وتعريف المُسلِم وتعريف المهاجر، وهذا ممّا يرويه الإمام الباقر (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أنبئكم بالمؤمن؟ من ائتمنه المؤمنون على أنفُسهم وأموالهم ـ فمن لم يكن أميناً على الناس في أنفُسهم وفي أموالهم، فإنّ الإيمان يسلب منه، لأنّ مسألة الأمانة هي الأساس، وقد ورد في الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رُوِي عنه: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، ولا صلاة لمن لا يتم ركوعها وسجودها»، ـ ألا أنبئكم بالمسلم، مَن سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر ـ ليس هو الذي يقطع المسافات، بل هو ـ مَن هجر السيِّئات وترك ما حرَّم الله، والمؤمن حرام على المؤمن أن يظلمه أو يخذله أو يغتابه أو يدفعه دفعة»، بحيث يعنف معه، لأنّ الواجب أن يرفق به.

فمعنى ذلك إذاً، هو أنّنا نستطيع التعرّف إلى هُويّة المؤمن والمُسلِم، فهو الإنسان الذي يعيش مع الناس، وهو أمينٌ على أموالهم وأنفُسهم وكرامتهم وأوضاعهم، فلا يُسيء إلى أحد في قولٍ ولا فعلٍ، ولا يخون أحداً في مالٍ أو نفسٍ أو عرض، وأنّ الهجرة ليست هجرة الجسد من مكان إلى مكان، ولكنّها هجرة العمل، وهي أن تهاجر من السيِّئات إلى الحسنات، وأن تهاجر من الشرّ إلى الخير، فتلك هي المسافة التي تجعلك مهاجراً تحمل روحية المهاجر، لأنّ الذين هاجروا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنّما هاجروا من الشِّرك إلى الإيمان، وهاجروا من كلّ قيم الشِّرك إلى قيم الإيمان، وكأنّ السبيل الوحيد لذلك هو أن يهاجروا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لتأكيد قيم الإيمان في الموقع الجديد، وإسقاط قيم الشِّرك في الموقع القديم.

فعلينا أن ننفتح على علم الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) وعلى وصاياه وعلى تعاليمه، وأن نعيش معه في حياتنا، لأنّ ما تحدَّث به ليس حديث مرحلة مضت لتموت مع موت المرحلة، ولكنّه حديث الإسلام كلّه، والإسلام باقٍ ما بقي الإنسان في الحياة، لأنّ «حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرامٌ أبداً إلى يوم القيامة».

ارسال التعليق

Top