• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحاجة الاجتماعية للثورة المباركة

عمار كاظم

الحاجة الاجتماعية للثورة المباركة

قد ظهر المنطق الاجتماعي واضحاً في خطابات الحسين (ع) وكلماته عبر مسيرة الثورة يقول (ع) في خطابه في اليوم العاشر من المحرم. وأمام حشود الجيش الأموي: «تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحاً، حين استصرختمونا والهين، فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في إيمانكم، وحششتم علينا ناراً أوقدناها على عدوناً وعدوكم، فأصبحتم إلباً على أوليائكم، ويداً عليهم لأعدائكُم، بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، إلّا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيسَ عيش طمعتم فيه...». لاحظوا بدقة إلى كلمة الحسين (ع). يظهر العجب حيث أنّ المجتمع يعاني من الظلم. لا عدل ولا أمل في العدل ومع هذا فالناس ينقادون لبني أمية بدافع الخوف ومرض فقدان الإرادة. لاحظوا كيف يؤكد الحسين إنّه لا يقاتل عدواً شخصياً له وإنّما يقاتل عدو الجماهير والشعب. ويُنبه الجنود المقاتلين بأنّه إنما ثار انتقاماً لهم حينما رآهم يعيشون حياة الظلم والاستبداد والذي سيستمر بهم إن لم يقاوموه. أكد الحسين (ع) على الباعث الاجتماعي وحرصه على مصلحة أفراد الأمة عند لقائه طليعة الجيش الأموي بقيادة الحر. أكد الإمام (ع) على هذا المنطق، كباعث ومبرر لثورته يقول (ع): «ألا وأنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان. وتركوا طاعة الرحمان، وأظهروا الفساد، وعَطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء...». الحسين (ع) ثار وأعلن سبب ثورته وأهدافها وهي الإصلاح في أمة جدِّه وهي المجتمع الإسلامي الكبير. لأنّ بني أمية استأثروا بالفيء وخيرات الشعب، واستأثروا بحُقوق الناس وبقىِ الشعب يُعاني من الحِرمان والفقر وهُناكَ أسباب اجتماعية أخرى كتفضيل العرب على الموالي وعدم المساواة في العطاء وإشاعة روح الخضوع والاستسلام في الأمة. وأهم شيء تخدير مشاعر الأمة فلم يُعد أحد يأبه بما حل بالعالم الإسلامي من تحويل الخلافة الإسلامية إلى مُلك عضوض ومزرعة لبني أمية ووسيلة وأداة للحكم وقمع إرادة الشعب والعودة إلى ما قبل الإسلام من التناحُر القبلي وتقييم الناس على اعتبارات المال والجاه والثروة وعادت مفاهيم الإسلام عن الحياة والمجتمع حبراً على ورق. إنّ الهدف الأساسي للإمام الحسين (ع) هو إعادة بناء وصياغة المجتمع الإسلامي وفق مبادئ الدين القويم، بعد أن عاشت الأمة فترة الانحراف العميق والشامل في ظل الحكم الأموي. كان يهدف تغيير واقع المجتمع، ونسف مواقع الفساد والانحراف الذي صار يؤطر الحياة ويهيمن على أجوائها. فلم يكن الفساد محدوداً في جانب معين من جوانب الحياة. بل أصبح ظاهرة اجتماعية وأصبح يعشعش في جميع الحقول. فالمرض الاجتماعي لم يكن في جانب في جسم الأمة ليمكن علاجه بالأدوية والمسكنات وبالخطب الحماسية والمواعظ الأخلاقية وبالحمية. إنما المرض أصاب الرأس والقيادة. فالشعب يُعاني من ضغط اقتصادي وحرمان عام لأنّ الأسرة الحاكمة وأعوانها قد استأثروا بالفيء. ومبادئ الحقّ مُعطّلة بينما الباطل يسود الحياة. وكما قال سيد الشهداء: «الحقّ لا يُعمل به... الحقّ هو حقّ الله على العباد وحقوق الرعية. حقوق أبناء المجتمع على الدولة حقوق الفقراء والضعفاء. وأهل الحاجة والباطل لا يُتَناهى عنه»، الباطل هو الظلم الذي أصاب طبقات المجتمع من تفضيل فئة من الناس على أخرى. كما قال سيد الشهداء: «والناس استعبدتهم المطامع، أما الدين الذين يدعو إلى العدالة والمساواة فقد تقلَّصَ من نفوسهم، وأضحملّ نفوذه في قلوبهم وما عاد يملك إلا أطراف الألسُن»، وقال أبو الأحرار: «الناس عبيد الدنيا والدين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت معايشهم فإذا مُحصِّوا بالبلاء قَلَّ الديانون». إنّ ضعف الدين في النفوس لا يعني أنّ الناس في ذلك العهد قد تركوا العبادة. فالناس كانوا يصلون الفرائض الخمس ويشهدون الجمعة والجماعة ويصوموا شهر رمضان. ويذهبون إلى حج بيت الله. ولكن هذه العبادات قد أفرغت من مُحتواها الروحي والمادي والاجتماعي. وأضحت طقوساً فارغة من المعنى والهدف الذي أراده الله تعالى؛ من إقامة العدل ونشر المعروف ونبذ المنكر ومحاربة الظلم والفساد. وإشاعة قيم الإسلام في الحياة الاجتماعية وأزاء هذا الوضع المؤلم فلابُدّ أن يكون التغيير عميقاً وشاملاً في مثل هذا الوضع لا تنفع ألف خُطبة لابد من تضحية. ولابُد من حركة تكون ثورة عنيفة وقوية. كتب الإمام الحسين (ع) إلى معاوية يوماً، فقال: «وإنّي لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها». نلاحظ أنّ الحسين (ع) يشير إلى الأمة والخطر المحدق بها. الخطر يأتي من الحكم الجائر. الذي سلب الأمة حقوقها. ولذلك اتجه الحسين بثورته نحو العروش الحاكمة. وقد رافقت ثورته حملة توعية مُركزة قادها الإمام الثائر لتعرية الحكام وكشف نواياهم وحقيقتهم أمام الأمة. ففي مجلس واليّ المدينة قال الإمام الحسين (ع): (أنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومُختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم. ويزيد فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله).

ارسال التعليق

Top