• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أبو الفضل العباس.. كفاءات إنسانية عالية

عمار كاظم

أبو الفضل العباس.. كفاءات إنسانية عالية

امتازت نشأة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) عن غيره من أولاد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بأنّه اختصّ من بينهم بصحبة والده وأخويه السّبطين، بل وابن أخيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) أيضاً، وملازمته لهم والتلمذة عندهم، والتروّي من معين علمهم، وزاكي أخلاقهم، ولذلك جاء نسخة طبق الأصل من حيث الفضائل والمكارم والعلم والمعارف. فالعبّاس الشهيد (عليه السلام) من لباب بني هشام وصميم عبد مناف وقد زاده فضلاً على فضله صحبته لأهل الفضائل وخدمته لسادات أرباب المكارم، فقد قضى حياته وأفنى عمره في صحبة أكرم الخلق بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شمائلاً وشيماَ، وأفضلهم أخلاقاً ومزايا، وأكملهم طباعاً وسجابا، وتزداد المرآة بالجلاء صفاء، والسيف بالصقالة رونقاً، فأمير المؤمنين وهو والده الأكرم وأبوه سيد أرباب الفضائل، والحسن والحسين (عليهما السلام) أخواه خير الإخوة وأفضل الأشقاء، وقد شهد لهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تشبههما به وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) على خُلقِ عظيم فأكتسب العبّاس بصحبتهم زيادة على ما في جبلته وفطرته من سجايا الخير وشيم الصلاح ما امتاز به على عامة أرباب الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة.

إنّ أباالفضل العبّاس (عليه السلام) قد حوى من المكارم والمحاسن، ومن الأخلاق والآداب ما لا يمكن قصرها في مجال، ولا حصرها في مقال؛ ولذلك جاءت ألقابه الدالّة على بعض من تلك المكارم والمحاسن، والمشيرة إلى نماذج من تلك الآداب والفضائل، عديدة وكثيرة، ورفيعة ومنيعة منها: (باب الحوائج، السقّاء، قمر بني هاشم، ساقي عطاشى كربلاء...). إنّ أبا الفضل العبّاس (عليه السلام) قد احتذى حذو أبيه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في إيمانه وأخلاقه، حيث كان من شدّة إيمان الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وكرم أخلاقه أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعدّه لكلّ عظيمة، ويدعوه عند كلّ نازلة وملمّة. نعم، إنّ أبا الفضل العبّاس (عليه السلام) اقتدى بأبيه في الكرم والجود، فصار باباً لأخيه وسيّده الإمام الحسين (عليه السلام)، كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) باباً لأخيه وابن عمّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل إنّ العبّاس (عليه السلام) أصبح بمؤهّلاته الخلقية وكفاءاته الإنسانية العالية باباً لولاية الأئمّة من أهل البيت (عليهم السّلام)، بحيث لا يمكن لأحد أن يرد إلى مدينة حبّهم وحصن ولايتهم إلّا عن باب محبّة أبي الفضل العبّاس (عليه السلام).

الإمام الصادق (عليه السلام) بعد أن قال «كان عمّي العباس بن علي نافذ البصيرة، صُلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً»، بيّن لنا سمو مكانة ومنزلة عمّه العباس في الزيارة التي وردت بلسانه (عليه السلام)، وبيّن فيها جلالته. فقال: «سلام الله، وسلام ملائكته المقرَّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدِّيقين والزاكيات الطيِّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين.. وأشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحة لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلِّغ والمظلوم المهتضم.. فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار.. أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممّن وفي ببيعته، واستجاب لدعوته، وأطاع ولاة أمره.. أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في عليين وحشرك مع النبيين، والصدِّيقين والشهداء، والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً.. أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وأنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيين، فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فإنّه أرحم الراحمين».

ارسال التعليق

Top