• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصبر عن المعصية وأهميته

الصبر عن المعصية وأهميته
◄في كلّ إنسان يوجد ميول طبيعية ورغبات تدفعه لقيام بأعمال والإمتناع عن أخرى. وهي في الحقيقة سبب للإندفاع وبذل الجهد في مراحل حياة الإنسان كافة. وتسمى هذه الميول بالغريزة، التي من مصاديقها وأمثلتها محبة الأبناء وحبّ المال وطلب القدرة والميول الجنسية وعشرات الميول الأخرى. ولنرى الآن كيف حكم الإسلام على هذه الغرائز الإنسانية؟ وكيف حدد الأطر المناسبة لمواجهتها والتعامل معها. فهل يجب القضاء عليها وكبحها من خلال الرياضات الشاقة وبشكل كلي وتام؟! أم أنّه لا يوجد أي تقييد، ولا يجب مراعاة أي شرط فيها، بل على الإنسان أن يستسلم لها لتأخذه حيث تريد؟! في الجواب نقول إنّ الإسلام لا يعتبر كلا الأسلوبين علاجاً سليماً وصحيحاً. فهو لا يغض النظر عن وجود هذه الغرائز البشرية، بل يعتبر أنّها أمر واقعي لا ينبغي تجاهله، ويعتبرها مفيدة. لكنه من جهة أخرى يسد باب طغيانها وتعديها وانحرافها، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات الفعّالة ووضع حدود واقعية لها. وفي الواقع، نجد أن أصل وجود الغرائز في الإنسان إنما كان وسيلة لاستمرار الحياة، والقيام بمتطلباتها الأساسية، كما أنّ طغيانها في المقابل وانحرافها يؤدي إلى القضاء على هذه الحياة ورقيّها. فإذا جئنا إلى غريزة حبّ النفس، نرى أنّها لو لم تكن موجودة لما استمرت الحياة على الأرض (فبسببها يدافع الإنسان عن نفسه ويدفع عنها المخاطر والمهالك)، ولكن طغيان هذه الغريزة وخروجها عن الحد المطلوب يؤدي إلى جعل هذه الحياة سلسلة من المتاعب والمصائب، حتى أنّ الأمر قد يصل أحياناً إلى استحالة العيش. وعلى هذا قٍسْ جميع الغرائز الأخرى.. هنا يأتي دور الصبر عن المعصية، وهو مقاومة نيران وطغيان هذه الغرائز وانحرافاتها. ذلك لأن أساس المعاصي والذنوب هو هذا الطغيان والانحراف. والإنسان يميل بشكل طبيعي نحو تأمين وسائل الحياة وحاجاتها الأساسية. ولأنّها لا تتيسر عادة بدون المال والثروة، نراه يسعى إلى تحصيلها. وهذه إحدى مظاهر الغريزة الإنسانية. والإسلام الذي يمثل المدرسة الإنسانية، والطريق الذي ينبغي أن يسلكه الإنسان في الحياة، أقر هذه الحاجة. ولكن، لكي يتحقق النظام في المجتمع بشكل صحيح وضع مجموعة من المقررات والقوانين لتحصيل هذا الأمر الغريزي (تحصيل المال)، فهو لا يمنع مطلقاً من السعي وبذل الجهد لتأمين حاجات العيش. مع ذلك، هناك موارد عديدة تخرج فيها هذه الغريزة عن حد الاعتدال، فيصبح جمع المال واكتنازه كمرض مزمن يتجذّر في نفس الإنسان، ويصير المال عندها هدفاً عزيزاً بدلاً من كونه وسيلة لتأمين الحاجات الأساسية، ويتحول إلى وسيلة لتحقيق المآرب اللاإنسانية وسبباً للتفاخر. وكل هذا ممنوع ومروض في الرؤية الإسلامية. وهنا، يتدخل الإسلام ليقدم لاتباعه دستور الصبر، أي يأمرهم بالوقوف في وجه هذا الطغيان ومقاومة هذا الانحراف في الغريزة. فعند جموح غريزة حبّ المال على سبيل المثال، يتجه الإنسان إلى تعاطي الربا والاحتكار، وينجر نحو القيام بمعاملات أو تصرفات غير لائقة بحقه. والصبر هنا يعني مقاومة العوامل المؤدية إلى هذا الفساد وغيره. وإذا جئنا الآن إلى الميل الطبيعي في الإنسان نحو القدرة، نرى أنّه لو فقد هذا الميل فإنّه سيقبل بالذل والهوان والحقارة، ونحن على يقين بأن مثل هذا الإنسان منحرف الفطرة ومعوَّج في طبيعته. لهذا، جاء الإسلام – بالنسبة لهذه الموارد – بأسلوب يمكن استعماله والاعتماد عليه لأجل توجيه هذه الفطرة توجيهاً صائباً. ففي مثل هذا المثال المتعلق بالقدرة، يجوز أن يسعى الإنسان لامتلاكها. وفي بعض الأحيان يصبح هذا السعي أمراً واجباً وضرورياً كما في مثل إحقاق الحق وأداء التكاليف الاجتماعية المهمة واستعادة الحقوق المسلوبة، أو عند إجراء الأحكام والحدود الإلهية. في بعض الأحيان يصبح هذا السعي فريضة واجبة على الجميع. ومن جهة أخرى، سد الإسلام طريق جموح هذه الغريزة، عندما تتحول إلى وسيلة لظلم الآخرين والتسلط عليهم لاقتراف الجنايات، في مثل أجهزة الظلمة والطغيان ومعونتهم. هذا السد والوقوف أمام هذه الميول الجامحة هو الصبر عن المعصية. وهناك أمثلة أخرى على الغريزة الجنسية وغريزة التعلق بالحياة، وغيرها مما يعد البحث حوله طريقاً للاطلاع على الكثير من المسائل الفردية والاجتماعية.   أهمية الصبر عن المعصية: من خلال هذا الإيضاح الموجز، وبالاستلهام من الروايات والتعاليم الإسلامية التي تزخر بالمعارف الاجتماعية يمكننا أن نستكشف الأهمية التي يحظى بها الصبر عن المعصية وطغيان الغرائز. ففي عدة روايات قصيرة وردت كل واحدة منها في وضع خاص بصورة درس بنّاء للمسلمين المجاهدين في عصور الأئمة – عليهم السلام –، تم التأكيد كثيراً على هذا النوع من الصّبر. لعله بسبب أن طي طريق النوع الأوّل من الصّبر (الصبر على الطاعة) متلازم مع الشوق والرغبة الطبيعية في الإنسان، ذلك الشوق للسعي والتحرك. في حين أن عدم الانحراف وعدم الانصياع للموانع التي تنسجم مع الغرائز الطبيعية والميول الداخلية (أي النوع الثاني من الصبر وهو الصّبر عن المعصية)، ليس فاقداً للرغبة والغريزة الطبيعية فحسب، بل يقف في مقابل هذه الرغبات والميول. فالصبر من النوع الأوّل، وإن كان من جهة عبارة عن مقاومة لنوع من الميول الطبيعية كحبّ الراحة وطلب السهولة و.. لكنه من جهة أخرى يترافق دائماً مع نوع آخر من الميول التي تساعده على الصبر، وإن كانت ضعيفة لكنها طبيعية. أمّا النوع الثاني من الصّبر فهو متعارض من جميع الجهات مع الميول والرغبات الطبيعية النفسانية. ولهذا تكون المقاومة فيه أصعب، ومن هذه الجهة له الأفضلية. كما أننا نرى أنّ الدور المصيري للصبر عن المعصية كان الأبرز في تأثيره على الأحداث الاجتماعية، ويمكن أن يكون هذا الأمر دليلاً إضافياً لترجيح هذا النوع من الصبر على النوع الأوّل.►

ارسال التعليق

Top