• ١٩ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ | ١٥ ربيع الأول ١٤٤٦ هـ
البلاغ

التمسك بالقيم وتعزيز مكانتها

عمار كاظم

التمسك بالقيم وتعزيز مكانتها

المعنى المتبادر للذهن للقيمة هي كلّ ما غلا في النفس، أيّ أن القيمة وبهذا المعنى يحددها مدى منزلتها في قلب صاحبها، وبهذا المعنى ما يكون ذا قيمة عليا عند شخص قد يصبح ذا قيمة متدنية عند شخص يجلس بجانبه تماماً أو لا قيمة له إطلاقاً عند شخص آخر.

ويتبادر إلى الذهن هنا سؤال: ما الذي يجعل من قيمة ما عند شخص قيمة عليا وعند شخص آخر قيمة دُنيا؟

الذي يحدد الجواب هو العلاقة بالقيمة، فعلاقة شخص بمعنى أو مفهوم معين هو الذي يحدد فاعلية قيمته. وأوضح مثال على ذلك قيمة محبة الله عزّوجل ومحبة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قلوب المسلمين.

إنّ العلاقة القلبية تجاه محبة الله ومحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يحدد مقدار علو هذه القيمة أو تدنيها في قلب المسلم ولذلك قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران/ 31)، فربط الله وبأسلوب الشرط بأنّ الصدق الحقيقي في محبته مرتهن بإتباع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إنّ العلاقة هنا ليست قولاً باللسان فقط بل هو عمل تحدده علاقة المسلم بإتباع رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنا يتضح المعنى الحقيقي للقيمة في قلب المسلم عند وضعها على المحك وتحت الاختبار فقد قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة/ 24).

إذن تعتبر العلاقة أو النظرة أو خلفية النية لشيء معين هي المحدد الرئيس لقيمة هذا الشيء عند الفرد أو تدنيها، وهي مرتبطة قطعاً بالأشخاص وخلفياتهم الإعتقادية والروحية، وتمسك الشخص بقيمة معينة أو مجموعة قيم بحيث تتشكل منها حياته ويرى الوجود من خلالها يضفي على حياة هذا الشخص جماليات التمسك بالمبدأ وحسن الصبر عليه وهذا المعنى لا يعرفه إلّا من ذاق وجرب لذة التمسك بالمبدأ. ويمكن القول بأنّه كلما زادت القيم التي يتمسك بها الإنسان كالصدق والإخلاص والوفاء والصبر وغيرها من المعاني الجميلة وكلما ثبت عليها زادت مكانته عند الله عزّوجل وفي قلوب عباده وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) (مريم/ 96)، ولا شك أن أعلى قيمة يتمسك بها الفرد والتي بعث الله من أجلها النبيين وأرسل الرسل هي قيمة توحيد الله عزّوجل وإفراده بالعبادة فقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) (النساء/ 48).

إن التمسك بالقيمة والثبات عليها لا يمكن تجزيئه بحيث يأخذ الفرد ما وافق هواه ومصلحته ويترك ما خالف الهوى والمصلحة والرغبة وهذا المفهوم يشير إليه القرآن الكريم بقول الله تعالى: (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة/ 85). وقد ذم القرآن الكريم في آيات كثيرة إتباع الهوى، حيث أن أتباع الهوى يعمي عن إتباع الحق والذي يعتبر المفتاح الحقيقي للتمسك بالقيم وقد قال تعالى للإشارة إلى هذا المعنى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء/ 135).

ارسال التعليق

Top