• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دلالات ومفهوم التقدم

دلالات ومفهوم التقدم

◄التقدم كلمة توحى بمعانى ودلالات عديدة على المستوى اللغوي وعلى المستوى الإصطلاحي، كما أنّها ذات مغزى زماني ومكاني في آنٍ واحد، وهي كلمة تنطوي أيضاً على مفاهيم التميز والارتقاء في كلّ نواحي الحياة.

ويعني "التقدم" قطع مسافة نحو الأمام أكبر من تلك المسافة التي قطعها الغير، بحيث صارت ميزة وفضلاً؛ فعندما نتحدث عن صناعة متقدمة مثلاً، فنتحدث عن صناعة تفوقت على غيرها من حيث مراحل الإنتاج، ومن حيث نوعية المنتج، وما إلى ذلك. وعندما نتحدث عن مجتمع "متقدم" نقصد أنّه مجتمع صار أقرب إلى المستقبل من غيره... وهكذا بيد أنّ هذا المعنى الحميد للتقدم ليس موجوداً على الدوام: إذ إن هناك أيضاً تلك الدلالات والمعاني الخبيثة التي تحملها الكلمة؛ مثل الحديث عن "الأسلحة المتقدمة" (بمعنى أنها الأكثر فتكاً وقدرة على التخريب) والحديث عن "الأمراض المتقدمة" (بمعنى أنّها قطعت شوطاً كبيراً في الفتك بالمريض). ومن ثمّ، فإنّ الكلمة يمكن استخدامها في سياقين متضادين على هذا النحو. ومع هذا، فإنّ الكلمة تحمل بصفة عامة مفهوم السبق الزمني والرقي المكاني لأنّ التقدم خطوة إلى الأمام، أو درجة إلى أعلى وعلى الرغم من هذا التلاعب بالكلمة يمكن أن يستمر بلا نهاية في شكل عبثي تماماً من ناحية، ويغري بالحديث عن مفهوم التقدم في كلّ جوانب الحياة التقدم على المستوى الاجتماعي/ السياسي فقط. وهو ما يستوجب طرح عدد من الأسئلة في سياق سؤال التقدم نفسه، فعندما نصف مجتمعاً ما بأنّه "مجتمع متقدم" يكون هناك بالضرورة في مقابلة "مجتمع متخلف"، وهنا لابدّ أن نطرح السؤال عن معيار التقدم، وما الخط الفاصل بين التقدم والتخلف؟ وهل يمكن قياس التقدم بمعيار الرفاهية والمستوى المعيشي وحده؟ أم يمكن القياس بحجم المشاركة الاجتماعية للأفراد والجماعات في إدارة شؤونهم؟ أم أنّ التقدم يمكن رصده من خلال احترام حقوق الإنسان وحرياته على المستوى الفردي والجماعي؟ في تصور الكاتب أنّ "التقدم" مفهوم تحكمه الاعتبارات المتعلقة بالإنسان ووجوده في هذا الكون بشكل جوهري، وأن كلّ ما يرتبط برفاهية الإنسان وحقوقه الوجودية على المستوى المادي والروحي والفكري يمكن حسابه ضمن عوامل التقدم. ويخبرنا التاريخ أن رحلة الإنسان عبر الزمان بكل ما شابهها من جوانب القصور وما حققته من إنجازات كانت سعياً إلى تحقيق التقدم بهذا المعنى. فقد سعى الإنسان منذ البداية إلى تكوين "المجتمع" عبر أشكال اجتماعية – سياسية لم تلبث أن تحولت إلى شكل الدولة في نهاية المطاف لكي تدير شؤون الإنسان لمصلحة الإنسان، وكانت كلّ خطوة على طريق تحقيق هذا الهدف تعتبر خطوة نحو التقدم. ذلك أننا نصف تحول الجماعة البشرية في مرحلة تاريخية ما من القبلية القائمة على الولاء العرقي إلى الدولة القائمة على الولاء العام بأنّه "تقدم" في البناء السياسي/ الاجتماعي لهذه الجماعة. لقد كان إنتقال المجتمعات الأوربية التاريخي من النظام الإقطاعي القائم على الولاء الشخصي للسيد الإقطاعي إلى الدولة السيادية القائمة على مفهوم الولاء للسلطة العامة نوعاً من التقدم بطبيعة الحال يناسب الظروف التاريخية الموضوعية آنذاك. وهو الأمر الذي يصدق بالضرورة على الشعوب الأخرى في أماكن أخرى، وفي أزمنة أخرى.

 

كيف يتطور المفهوم للتقدم؟

لقد صار مفهوم التقدم الآن مرتبطاً بحقوق الإنسان وحاجاته على جميع المستويات وربما يكون هذا ناتجاً عن التطور الهائل في وسائل الاتصال بالشكل الذي أدى إلى التفاعل الإيجابي بين المجتمعات الإنسانية على مستوى العالم. على الرغم من بعض الجوانب السلبية التي تشوب أداء وسائل الإعلام أحياناً، فإن من أهم إنجازاتها أنها ساعدت على صياغه فضفاضة عامة لمفهوم التقدم، لا يمكن أن يثير الكثير من الخلافات، وهو مفهوم يعنى أن كّل ما يؤدي إلى تحقيق المطالب الإنسانية، سياسياً واقتصادياً وفكرياً، يعتبر من عوامل التقدم الحقيقية. والمجتمعات التي اقتربت من تحقيق هذه الأهداف هي التي تستحق أن توصف بأنّها مجتمعات متقدمة، والعكس صحيح تماماً.►

 

المصدر: كتاب تطورات التنوع العلمي وأثرها على الحياة

ارسال التعليق

Top