• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التفكير والمعلومات

التفكير والمعلومات

 ◄كما هو معلوم أنّ الذكاء، خاصة فطرية، تعتمد على عاملي الوراثة والبيئة، والتفكير هو مهارة التشغيل، التي يؤثر الذكاء من خلالها في الخبرة. أما المعرفة والمعلومات فهما مادة التفكير الأساسية.

يستحيل التفكير دون وجود بعض المعلومات حول الموضوع. في الحياة الاعتيادية يضطر الفرد إلى القيام بأفعال واتخاذ قرارات، ونظراً لعدم كمال المعلومات عادة، فإنّ الأمر يقتضي إكمالها بالتفكير الجيد.

تتولد الأفكار بتطبيق التفكير على البيانات، وللإفادة من الأفكار نجد أنّنا بحاجة إلى التفكير، وليس إلى مزيد من المعلومات فحسب.

لقد دلل بياجيه على النمو المعرفي من خلال إحداث تغيير في البنى المعرفية عند الأفراد.

ومما لا شك فيه أنّ هذه البنى المعرفية ما كانت لتتغير من دون وجود معلومات مثيرة للفرد توجد عنده حالة من عدم الاتزان، فيعمل الفرد تفكيره للعودة إلى حالة من الاتزان، وهذا يعني أنّه قد تمكن من اكتساب معلومات جديدة وقام بتنظيمها وتذويتها ودمجها في بنى معرفية جديدة، وبذلك يكون قد نما معرفياً.

يرى بياجيه أنّ عملية اكتساب المعرفة في كافة مراحل التطور، عملية مستمرة نشطة، فالطفل كائن حي متفاعل باستمرار مع بيئته، وهذا التفاعل المستمر ضروري لكلّ أنواع السلوك الذكي عند الإنسان.

إنّ السلوك المعرفي الذي يقوم به الطفل، يساعده في التكيف مع بيئته، وهذا التكيف مبني على شكل من أشكال التنظيم الداخلي.

ومن أبرز خصائص عملية التنظيم أنّها تسعى دوماً إلى تحقيق التوازن والاتزان.

 

الإدراك والمنطق والتفكير:

ليس تعليم التفكير، هو تعليم المنطق، بل إنّه تعليم الإدراك. المنطق في مكان ملائم أداة ووسيلة للإدراك.

يقع دور المنطق في إيضاح ما يستتر في المفاهيم المستخدمة والكشف عن التناقضات، والمنطق في المناقشات يستخدم لبيان طبيعة التناقض في الحجة المقابلة.

المنطق يلعب دور في نوع التفكير الذي يتعامل مع المواقف الحقيقية.

إحدى وظائف التفكير تتمثل في توجيه الانتباه عبر مجال الإدراك.

إنّ الاختلاف بين المعلومات والإدراك، يظهر في تفضيل المعلومات في التربية، ووضعها في قوالب جافة لتعرض في الكتب، ووظيفة الإدراك توجيه الانتباه إلى المعلومات؛ وذلك للقيام بتجميع المعلومات الجزئية بغرض استخلاص أمور معينة.

الإدراك: هو معالجة المعلومات للإفادة منها.

والتفكير: هو معالجة المعلومات للإفادة منها، وقد عرف التفكير بأنّه: استكشاف هادف للخبرة. ومن ثم كان الإدراك والتفكير أمراً واحداً (بونو: 2001).

الإدراك يوجه الانتباه للمعلومات.

بقدر ما يتوفر الانتباه تزداد ويتعمق الإدراك

مثير ← انتباه ← إدراك ← تفكير

 

التفكير والحديث واللغة:

اللغة وعاء الفكر وأداته، في القدرة على توليد الأفكار، وعلى ربطها معاً بطريقة متماسكة منطقياً تتضمن درجة ما من مهارة التفكير، لكن هذه القدرة في حد ذاتها لا تعدو تكون مهارة ربط عدد من الأفكار بعضها ببعض طبقاً لقواعد اللغة.

من الخطأ الاعتقاد أنّ الشخص الماهر في استخدام اللغة مفكّر ماهر، كما إنّه من الخطأ افتراض إنّ الشخص الضعيف في التعبير اللغوي ضعيف بالضرورة في التفكير.

يحتاج الفرد اللغة كي يجعل الآخرين يعرفون الأمر الذي يفكّر فيه، فترابط العبارات طبقاً لقواعد اللغة ليس كالتفكير في حد ذاته.

من المستحيل تقييم تفكير الفرد غير القادر على استخدام اللغة للتعبير عن تفكيره، لكن هذا لا يعني أنّه لا يمتلك مهارة في التفكير.

الحديث هو استخدام اللغة، واللغة هي النظام الترميزي الذي طوّره الإنسان في سبيل التعامل مع البيئة ومع الآخرين.

إنّ العلاقة بين اللغة والتفكير علاقة وثيقة جدّاً، فاللغة وخصائصها تدل على التفكير.

 

التفكير والشعور (الإحساس) والتفكير والأنا (الذات):

·      التفكير والشعور (الإحساس):

إنّ الشعور والإحساس يسبق التفكير، وهو يدفع إلى التفكير. إنّ القصد من التفكير هو توجيه الشعور وتوضيح الفهم، ولا يتعين على الشعور السعي ليكون بديلاً عن التفكير.

فوظيفة التفكير، هي توضيح الفهم، ويكون الشعور بالتالي رد فعل لهذا الفهم الأكثر وضوحاً، وقد يظل الشعور خاطئاً في غير موضعه أو مبالغاً فيه.

الأمر في غاية الصعوبة أن نفكر أوّلاً، ثم نشعر ثانياً، والنزعة الغالبة هي أن نشعر أوّلاً ثم نستخدم التفكير لتأييد ودعم الشعور، فالكبار والصغار يصدرون حكماً فورياً مبنياً على الشعور ويستخدمون ذكاءهم بعدها لدعم هذا الحكم.

·      التفكير والأنا (الذات):

ماذا يوجد في ذاتنا (أنانا)؟

يوجد في ذاتنا:

-         الأشياء التي نفكِّر فيها في تلك اللحظة.

-         قد يوجد هناك تراكم مخزون من الخبرة الفردية.

-         وقد توجد صورة الذات.

-         وقد يتضمن ذلك مظهراً مادياً وقد توجد انفعالات.

إلّا أنّ أفكارنا أكثر تمركزاً في الذات، ويسعنا باستخدام أفكارنا أن نرقب جميع هذه الأشياء ونرقب أنفسنا.

إنّ الأنا (الذات) والتفكير متشابكين بصورة يصعب حلها تقريباً.

العمل في مجموعات عكس الأنا. تبرز مشكلة الأنا لدى الطلبة الأكثر قدرة عندما يقومون بعمل جماعي في درس للتفكير، فهم يتذمرون من أنّهم لا يحبون العمل في مجموعات؛ لأنّ أفكار الفرد تضع وسط حصيلة المجموعات العامة، التي ليس بوسعها أبداً أن تبيّن (كم كانت فكرتي جيدة).

إنّ الحاجة إلى التألق والمحافظة على الكيان من الأمور المهمة، كما أنّ حاجة الشخص أن يكون مصيباً على الدوام، وخوفه من الوقوع في الخطأ أيضاً يحرفان تفكيره لصالح الأنا.

إنّ مشكلة الأنا من الأمور التي يصعب كثيراً التغلب عليها في تعليم التفكير.►

 

المصدر: كتاب التفكير واللغة

ارسال التعليق

Top