• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حذارِ الصوت العالي.. مضاره الصحية خطيرة

حذارِ الصوت العالي.. مضاره الصحية خطيرة

 التلوث الصوتي ظاهرة حقيقية، وليس مجرد تشبيه أو مجاز. والشباب، أكثر من غيرهم، معنيون بمضاره الصحية، التي قد تكون خطيرة. إذ ينصاع بعضهم لبعض العادات الموسيقية، من دون حتى التفكير في وجود خطر جسيم على الأذنين، قد يصل إلى الصمم.

في بلدان الغرب، بشكل خاص، لكن عندنا أيضاً ولو أقل بكثير، لا يندر أن يصاب شبيبة إما بالصمم (الطرش)، أو على العكس التحسس المفرط من الصوت. وهذه حالة لا تقل إزعاجاً عن الصمم نفسه. فبعض المصابين يرغمون على البقاء في البيت، مع اتخاذ تدابير عزل صوتي مكلفة، لقطع دابر أي صوت، مهما كان بسيطاً. فحتى صوت تصفح صفحات كتاب، يصبح ذا وقع فظيع على آذانهم، وكأنّه جلسة "تعذيب". والسبب، مثلما حزرتم، هو التعرض لما يدعوه الباحثون "صدمة صوتية"، على الأغلب أثناء حفلات موسيقية صاخبة. مثلاً، في برنامج بُث على التلفزيون، يظهر أحد الشباب (24 عاماً)، مؤكداً أنّه لم يغادر غرفته منذ أكثر من سنوات، "فأي ضجيج، مهما كان بسيطاً، يتضخم أضعافاً في مسمعيّ، ويصبح وكأنّه ضرب مطرقي". يضيف: "لا أطيق حتى صوت الماء ملامساً القدح حين أسكبه للشرب". وتوضح أمّه، التي ترعاه منذ تعرضه "للحادث" الصوتي، أن حياتها هي أيضاً، مع زوجها وباقي أفراد الأسرة، انقلبت رأساً على عقب، "إذ توجب الكف عن دعوة أي من الأقارب والأصدقاء، وتغليف جدران البيت وأرضيته بعازلات صوتية، توخي عدم إحداث أي ضوضاء، مهما كانت طفيفة، على الرغم من استخدام هذا الشاب سدادات آذان". لكن، ما سبب ذلك كله؟ حضر الشباب سهرة مع أصدقائه، وجلس طويلاً قريباً من مكبرات الصوت، من دون أن يأبه بشدته المفرطة. فأحس لاحقاً أولاً بنوع من الصمم، ثمّ بطنين داخلي مؤلم شبه متواصل، وأخيراً بحس سمعي مفرط، يجعل أي صوت، مهما كان بسيطاً، يبدو وكأنّه انفجار قنبلة.   - سابقة قانونية: حالة الشاب أعلاه ليست نادرة. فعلى سبيل المثال، تؤكد "جمعية مكافحة الصدمات السمعية" الفرنسية أن عدد المصابين إصابات خطيرة، في فرنسا وحدها، يبلغ نحو 150 ألفاً، أكثرهم طبعاً مراهقون وشباب. وقبل سنوات، تحديداً عام 1997، اشتهرت حالة أحدهم، ويدعى فريدريك (في سن الـ30 وقتها)، نظراً إلى أنها تحولت إلى محاكمة، أسهب الإعلام في الحديث عنها. إذ، للمرة الأولى في البلاد، حصل على تعويضات مالية جراء إصابته بـ"صدمة صوتية"، ما شكل سابقة قانونية. فقبل 4 سنوات من ذلك، عام 1993، كان فريدريك اختير عضواً في كورس لحفل أحيته فرقة "يو2" الشهيرة، بالغة الشعبية بين شباب تلك الفترة، في ملعب مدينة ستراسبورغ (شرقي فرنسا). لكن، مثلما يحصل كثيراً في مثل تلك الحفلات، تتجاوز شدة الصوت الحد الأقصى المرخص به قانونياً، وهو 105 ديسيبل، لكي تطاول الـ120 ديسيبل في العلب الليلية والحفلات في الهواء الطلق، فتبلغ حتى 140 ديسيبل قرب مكبرات الصوت. وتلك درجات صوتية وخيمة العواقب، ويمكن أن تصيب أي أذن حساسة إصابة دائمة. يقول فريدريك: "لأشهر طويلة بعد الحفل، صرت أسمع أصواتاً داخلية، وطنيناً مزعجاً منبعثاً من الاذنين نفسيهما، ما شكل عذاباً مبرحاً متواصلاً". يضيف: "أصبح صوت تقليب صفحة في جريدة، أو كتاب، يجعلني أبكي من الألم". هكذا، رفع الشاب دعوى ضد منظمي حفل الـ"روك آند رول" المشؤوم. وبعد 4 سنوات من المداولات والتلكؤ، حصل على حكم لمصلحته، بتعويض مالي من 200 ألف فرنك، وقتها. أمّا "جمعية حماية السمع" الفرنسية، فتؤكد أنّ الشباب الفرنسيين ممن تبلغ معدلات أعمارهم 30 عاماً اليوم، بات سمعهم يساوي، من حيث النوعية، سَمع من كانوا في سن الـ50 من الجيل السابق. وتشير إحصاءات الجمعية إلى أن علامات إصابة الأذنين وتردي السمع، سواء نحو الصمم الجزئي أم الكلي أم على العكس الحساسية السمعية المفرطة، تظهر لدى 6 في المئة من المراهقين والشباب بين سني 15 و19 عاماً، و9 في المئة بين سني 20 و24 عاماً. والسبب، طبعاً، العادات السمعية السيئة، والإنصات إلى موسيقى صاخبة طوال ساعات كثيرة. فبحسب إحصاءات وزارتي الصحة والتربية، ثمة 87 في المئة من الصبية والشباب، بين سني 15 و24 عاماً، يستخدمون جهازاً يركب على الاذنين لسماع الموسيقى بشكل مستمر، أحياناً حتى أثناء حصص الدراسة (مثلاً، ما كان يسمى "ووكمان"، الذي شاع حتى سنوات خلت قبل أن تحل محله اختراعات جديدة، منها ما يدعى "آي بود"، وما إلى ذلك). ومن بينهم، يؤكد 20 في المئة أنهم يصغون إلى الموسيقى 5 ساعات يومياً فما فوق، ويضعون درجة الصوت على أقصى حد ممكن.   - 80 ديسيبل في المكاتب: وحتى مع الموظفين الاعتياديين، غير المعتادين على حضور حفلات صاخبة، يتبين أنّ الضجيج يشكل رابع أسباب الأمراض المهنية، بحسب إحصاءات وزارة العمل، وأنّه يخص ثلثي العاملين جميعاً. وفي هذا الشأن، يؤكد الدكتور ألان لونديرو، أخصائي الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى جورج بومبيدو، في باريس، المكلف بشؤون "الطب المهني"، أنّ الضجيج موجود حتى في أماكن غير متوقعة. "ففي ما يخص الصناعات الثقيلة، وحرف كالحدادة والنجارة، الأمر مفهوم، لكن ما بالكم والضجيج الموجود في المكاتب؟ وذلك بسبب عمل المكيفات والمراوح والكمبيوترات، وغيرها"، مثلما يعلق يضيف: "التعرض لتلك الترددات الواطئة، لكن بشكل متواصل 8 ساعات في اليوم، أو أكثر، له أيضاً مفعول تدميري للأذنين". ويذكر في هذا الصدد أنّ التشريعات الأوروبية، بعد الانتباه لتلك المشكلة، تمّ تعديلها مؤخراً، بحيث خفضت الحد الصوتي الأقصى المسموح في المكاتب من 85 ديسيبل إلى 80 ديسيبل. وفي رأيه حتى 80 ديسيبل خطرة في حال تلقي الأذنين لها 8 ساعات، أو أكثر بشكل متواصل. إلى ذلك، حتى في حال عدم تعرض الأذنين لـ"صدمة صوتية" خطيرة مشخصة بشكل واضح، يؤدي تعريضهما لضجيج عالٍ إلى اضطرابات أخرى، تخص القلب والدورة الدموية. فمثلاً، عمد فريق من قسم "الدراسات الفيزيائية التطبيقية"، التابع لـ"المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي"، بإشراف البروفيسور ألان موزيه، إلى إجراء تجارب على شباب خاضوا تجربة حضور حفلات موسيقية صاخبة. فتبين أنهم "لا يعودون يذكرون الضجيج الثابت، المتبقي في ذاكرتهم الصوتية، كأحد عوامل اضطراب نومهم، وذلك بعد مضي 3 إلى 5 ليالٍ. لكن، على الرغم من ذلك، بحسب البيانات القلبية التخطيطية التي وضعت لهم خلال 15 ليلة متواصلة، استمرت تلك الصدمات الصوتية في خلخلة أنظمتهم القلبية والشريانية حتى الليلة الأخيرة، أي الـ15، من دون أن يدركوا وضعهم". وكانت دراسة أخرى، أجراها المركز نفسه، وعلى مدى 5 سنوات، لدى الساكنين في الضواحي المتاخمة لمطار رواسي (المعروفة بشدة الضجيج بسبب حركة الطائرات)، أثبتت أنّ التعرض للأصوات العالية والضجيج يفضي إلى اضطرابات وتيرة القلب وتقلص الأوعية الدموية، حتى في حال "تعوّد الساكنين على تلك الأصوات، بحيث لا يعودون ينتبهون إليها.   - العسكريون أيضاً: كما أجرى الباحثون الفرنسيون دراسات خاصة، سعياً للإجابة عن التساؤل: كيف يمكن التكهن بأنّ الاضطراب السمعي الناجم عن "صدمة صوتية" سيكون دائماً أم مؤقتاً؟ فمثلاً، قام فريق من قسم "دراسات الأعصاب والحسية السمعية"، من المركز المذكور نفسه في مدينة ليون، بالاشتراك مع مستشفى "ديجونيت" العسكري، بدراسة لتلك الغاية. إذ أخضِع لاختبارات وفحوصات خاصة عسكريون شباب، تعرضوا لأصوات فرقعة بالغة الشدة جراء حوادث (مثلاً، انفجار مخزن ذخيرة، أو إطلاقات مدوية أثناء التدريب، وما إلى ذلك). تقول الباحثة آني مولان، التي أشرفت على الدراسة: "إنّ هذه بينت أن تسجيل ردود فعل الأذنين خلال الـ24 ساعة التي تلي الحادث الصوتي، أياً كان مصدره، هي التي تتيح معرفة شدة الإصابة الحقيقية، وإن كان متوقعاً أن تستديم أم لا، وذلك أكثر من فحوص السمع التقليدية، التي لا تؤمن أجوبة مضبوطة عن ذلك التساؤل".

في الخلاصة، نقول: إنّ الضجيج والأصوات العالية مشكلة لا ينبغي الاستهانة بها، وإن على الآباء حض أولادهم على الانتباه إلى خطر تعريض آذانهم لها، ما قد يفضي، لا قدّر الله، إلى حالات مشابهة لما يعيشه كل من الشابين، المشار إليهما.

تعليقات

  • الودعاني

    بسبب الأصوات العاليه أصابني طنين بالأذن فحذاري من الأصوات العاليه.

ارسال التعليق

Top