• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لباس التقوى

لباس التقوى

◄قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف/ 26).

التقوى قوةٌ روحيةٌ تتحوَّل بالمجاهدة إلى مَلَكَة، نعيشُ معها الأُنْسَ بطاعةِ الله تعالى، وتحمينا من الانزلاقِ إلى المحرَّمات والمعاصي.

تُجري الآية الكريمة مقارنة بين نوعين من اللباس، اللباس الظاهري وهو الثياب، واللباس الباطني وهو التقوى، فتؤكد أهمية اللباس الباطني، وأنّه خير من اللباس الظاهري من حيث الآثار والنتائج.

قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا)، اللباس الظاهري عند الله تعالى، فالثوب الذي تلبسه مصنوعٌ من القطن أو الصوف أو نسيج آخر، والقطن من الزرع، والصوف من الخروف، فالزرع من خلق الله تعالى، والخروف حيوانٌ خلقه الله تعالى، وكلُّ مقدمات اللباس مخلوقةٌ من الله تعالى، لذلك قال تعالى: (أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا)، أي خلقنا جميع المقدمات التي تُهيِّئ لكم هذا اللباس، الذي يستر عوراتكم وسوآتكم، وتحتاجونه ليقيكم الحرّ والبرد، ولتتلاقوا بزينتكم بين الناس، فالله تعالى أنزل اللباس بكلِّ مقدماته، وهو الذي أطعمكم وسقاكم، وكما نقل تعالى عن النبي إبراهيم (ع) قوله: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء/ 79-80)، فهو الذي أوجد كلَّ مقدمات الطعام، وكلَّ مقدمات الشراب، وكذلك عندما يخيط الخياط الثوب، فلولا أنّ الله تعالى خلق الإنسان الذي تعلَّم الخياطة، واستخدم المواد الأولية التي خلقها الله تعالى، لما تمّ إنجاز الثوب للباس، فهو الذي أنزل اللباس.

(لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ)، سوآتكم جميع سوأة، والسوأة هي العورة، التي يسوء الإنسان أن تنكشف أمام الآخرين، فهو لا يرغب بظهورها وانكشافها، فهي عورة.

(وَرِيشًا)، ورد في الروايات أنّ الريش يعني المال، والغنى، والجمال، وما يرتبط بقيمة اللباس وشكله، فاللباس هو شكل الثوب، والريش هي الإضافات الأخرى التي تُزيِّن وتُجمِّل اللباس، وفي المجموع فاللباس الذي يُواري سوآتكم مع الريش هو اللباس الظاهري الذي يستر البدن، وهو من خلق الله تعالى.

(وَلِبَاسُ التَّقْوَى)، لباسٌ آخر من خلق الله تعالى، لأنّ الله عزّ وجلّ هو الذي وضع لنا التشريعات التي توصل إلى التقوى، وهو الذي أوجد فينا القابلية لنتفاعل مع أوامره ونواهيه، وهو الذي رسم لنا طريق الهداية التي توصل إلى التقوى. التقوى من اتقى، واتقى أي اجتنب وعاش الحذر وتجنّب هذا الأمر، فالإنسان المتقي هو الذي يتجنَّب المعاصي والمنكرات، التي تعتبر عورةً معنوية، وسوآت معنوية، لأنها رذائل، فعندما يكون الإنسان تقياً يتجنب الرذائل، فكأنّه لَبِسَ التقوى فمنعت ارتكابه الرذائل، فتجنَّب حدوث العورات المعنوية.

(وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)، لأنّ الامتناع عن الرذائل المعنوية أخطر وأصعب وأهم، فعندما يمتنع الإنسان عن المنكرات والمحرمات والشهوات والمفاسد فقد حمى نفسه، والحماية المعنوية أعظم من الحماية المادية، ولذا لباس التقوى خيرٌ وأهم من لباس الظاهر.

بعد هذه المقدمات، لعلّ بني آدم يتذكرون بأنّ الله تعالى هو الخالق، وأنّهم مسؤولون في يوم القيامة عن اللباسين المعنوي والمادي، على أنّ اللباس المعنوي أهم من اللباس المادي، والمفروض عدم الاكتفاء بالحماية الظاهرية للجسد، وإنما بحقائق الأمور وبواطنها التي توصلنا إلى التقوى.

فسَّر الإمام الباقر (ع) هذه الآية الكريمة بقوله: "فأما اللباسُ فالثياب الذي يلبسون، وأمّا الرياش فالمتاع والمال، وأمّا لباسٌ التقوى فالعفاف، لأنّ العفيف لا تبدو له عورة وإنْ كان عارياً من اللباس، والفاجر بادي العورة وإنْ كان كاسياً من اللباس"، فالتقوى تحمي الإنسان من العورات والرذائل المعنوية، وهي اللباس الحقيقي، ولا يعني ذلك الدعوة إلى عدم الاهتمام باللباس الظاهري، فالمقارنة لإبراز الأهمية، إذ ما ينفع الإنسان المتمسك بالرذائل ارتداؤه لأفضل ثيابه وأجملها، إذا برزَ سلوكُهُ مُحاطاً بالرذائل والمعاصي؟

اختصر الإمام عليّ (ع) تعريف التقوى بقوله: (التقوى أن يتقي المرء كلّ ما يؤثمه)، بحيث يكون اجتناب المعاصي والآيام، صغيرة كانت أم كبيرة، طريقاً تُراكم رصيداً من تزكية النفس وطهارة الأعمال، فيصل الإنسان إلى درجة من درجات التقوى، تتحول بعد ذلك إلى مَلَكَةٍ تُمكِّنه من رفض أي منكر مهما كان إغراؤه ومكاسبُه الآنية.

يعطي الإمام الصادق (ع) تفسيراً رائعاً عن التقوى: "التقوى أن لا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يراك حيث نهاك". أمرك الله تعالى بالصلاة فهو يراك تصلي، وأمرك بالصوم فيراك تصوم، وأمرك بالخُمس فيراك تخمِّس، فهو لا يفقدك في مواطن الطاعة، بحيث تكون حاضراً فيها. وأن لا يراك حيث نهاك، نهاك عن شرب الخمر، ونهاك عن السرقة، ونهاك عن القمار، وعن الانحرافات المختلفة، فلا يراك في مواطن المعصية، فإذا كان يراك حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك فأنت تقيٌّ، لأنك تلتزم بطاعة الله تعالى.

أرسل أمير المؤمنين عليّ (ع) لواليه عثمان بن حنيف رسالة، ذكر فيها مجموعة من النصائح، منها: "وإنّما هي نَفسِي أرُوّضُها بالتقوى"، أعمل دائماً على نفسي، وأستخدم الرياضة الروحية لترويضها وتوجيهها إلى المسار الصحيح، فالنفس فتّانة وطامحة ومنجذبة بالملذلات والمنكرات، وإنما يكون ترويضها بالتقوى كي تحذر من عذاب الله تعالى، وتلتفت إلى رقابته تعالى، فتنضبط ثمّ تستقيم، فتجتنب المعاصي والمنكرات المختلفة.

انتهت المعركة في صفين وكانت لصالح أمير المؤمنين عليّ (ع) وجيشه، وعندما كان بظاهر الكوفة وقف أمام قبور مخالفيه يخاطبهم، وهم يسمعون ولكن لا يتحركون، قال (ع): "أما لو أُذِنَ لَهُمْ في الكلامِ، لأخبَرُوكُمْ أنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى".

يحدثنا الله تعالى عن الحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 197). الحج وكلُّ العبادات، التي أمرنا الله تعالى بها تساعد الإنسان على أن يتزوَّد ليحمي نفسه، فيتمكن بالتقوى من اجتناب المعاصي.

 

1-    الأعمال التي تؤدي إلى التقوى:

طبيعةُ الإسلام طبيعةٌ يسيرة، فهو دين اليسر، ولكن على الإنسان أن يخطو الخطوات الصحيحة التي توصله إلى التقوى، ومنها:

أوّلاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). الصيام يوصلكم إلى التقوى، إذا ما أديتموه بشكل صحيح، فقد ينتهي البعض في صيامهم إلى الجوع والعطش، ففي الحديث الشريف: "كم من صائمٍ ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش"، فالجوع والعطش مقدمة لترويض والنفس ليصبح الإنسان قادراً على الوصول إلى درجة التقوى، لذلك قال تعالى: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إذا عرفتم كيف تصومون، فتصوموا قربة إلى الله تعالى، مع الدعاء والتعقيبات وقراءة القرآن والنوافل، والتوكل على الله تعالى، للاستفادة من الأجواء الروحية التي تُساعد على تهذيب النفس لامتلاكها ومنعها من ارتكاب المحرمات والمنكرات.

ثانياً: يقول تعالى: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8)، فالعدلُ طريقٌ للتقوى. إذا أنصفتَ الناس من نفسك، وعدَلتَ بين أولادك، وأعطيتَ كلَّ ذي حقٍّ حقّه، وإذا حكَمتَ في الأمور محل الخلاف بما أمكنك بالعدل، فأنت عادل، والإنسان العادل يسير عملياً في طريق التقوى.

ثالثاً: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (البقرة/ 237)، فإذا وقع خلافٌ مع آخرين، داخل البيت أو خارجه، وكان الحقُّ إلى جانبك، فسامحتَ، واخترتَ طريق العفو، فهي خطوة تقرِّبُ من التقوى.

رابعاً: يقول تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج/ 32)، تعظيمُ الشعائر كشعيرة الحج، وتعظيمُ ولادة النبيّ (ص)، وذكرى عاشوراء والإمام الحسين (ع)، وولادات الأئمة – عليهم السلام – ..، يؤدي إلى إحياء الدين، وكذلك تعظيم شعيرة إقامة الجماعة، وإحياء المساجد.. إلخ. فالاهتمام بهذه الشعائر وإعطاؤها حقها وقدسيتها ودورها جزءٌ من التقوى.

خامساً: يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "رأس التقوى ترك الشهوة"، فإذا أردت أن تصل إلى الرأس أي إلى المرتبة الأعلى، فاترك شهوتك بخياراتها المحرَّمة، فالحلال متاحٌ لك. ولا تندفع وراء جاذبية الشهوة الحرام مهما كان الإغراء والجذب، لتتمكن من سلوك طريق التقوى.

سادساً: الجهاد بابٌ من أبواب التقوى، يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "أما بَعدُ فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة، فَتَحه الله لخاصّةِ أوليائه، وهو لباسُ التقوى، ودِرْعُ الله الحَصينَةُ، وجُنَّتُه الوثيقَةُ"، فالجهادُ لباسُ التقوى، فالذين يجاهدون ويقاتلون في سبيل الله هم في الموقع العظيم من التقوى، يلبسونها ويعيشونها، وقد باعوا أنفسهم لله تعالى، وآثروا أن يقدِّموها قربةً إلى الله تعالى، فضحُّوا بها وتركوا ملذات الدنيا. التقوى توصل إلى الاستقامة، وإلى الجهاد، والدفاع عن بيضة الإسلام، وإلى المقام العظيم الذي يؤدي إلى رفع راية الدين، ونصرة المظلوم...

لو فتشنا عن رابط بين الأمور الستة التي مرَّت: الصوم، والعدل، والعفو، وتعظيم الشعائر، وترك الشهوة، والتقوى، والجهاد، لوجدناها معبِّرةً عن الأوامر الإلهية التي ترفع مكانة الإنسان، وفي الحديث الشريف قوله (ص): "جُماع التقوى في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ) (النحل/ 90). وقال: اتَّقِ الله فإنّه جُماع الخير".

وقد لخَّص رسول الله (ص) كلّ هذا المسار بقوله (ص): "اعمَلْ بفرائِضِ الله تَكْنْ أتقى الناسِ"، فقد فرض الله تعالى الصلاة، والصوم، والحج عند الاستطاعة، والانتهاء عن المحرمات، أي أن تلتزم بالأوامر والنواهي، فإذا سلكتَ هذه الطريق كنتَ من أتقى الناس إن شاء الله تعالى. فالأمور ليست معقّدة، ولكن عليك أن تسلك هذه الطريق التي أمر الله تعالى بها، للوصول إلى الهدف المنشود وهو التقوى.

يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "التقوى ثمرة الدين، وإمارة اليقين"، فالتقوى ليست أمراً زائداً نسعى له، وليست أمراً موجوداً في مكان آخر نتجه نحوه! بل التقوى حالةٌ نفسية ومعنوية وإيمانية يعيشها الإنسان، تصبحُ مَلَكَةً في حياة المؤمن الذي يلتزم بفرائض الله تعالى فيصبح تقياً، فلا يصدر عنه أي سلوك إلّا بما يُرضي الله تعالى، من دون تكلُّف أو عناء، فقد لبسَ لباسَ التقوى، ولباسُ التقوى ذلك خير.

انّ طيَّ أي طريق في المعارف الإلهية، لا يمكن إلّا بالبدء بظاهر الشريعة، وما لم يتأدَّب الإنسان بآداب الشريعة الحقّة، لا يحصل له شيءٌ من حقيقة الأخلاق الحسنة، كما لا يمكن أن يتجلّى في قلبه نور المعرفة وتنكشف العلوم الباطنية وأسرار الشريعة. وبعد انكشاف الحقيقة، وظهور أنوار المعارف في قلبه، سيستمر أيضاً في تأدُبه بالآداب الشرعية الظاهرية". ما هو ظاهر الشريعة؟ هو الفرائض والمحرمات، كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والخُمس، والأوامر والنواهي، فلا حاجة لطقوس وخطوات سوى ما أمر الله تعالى به، فقم بما أمرك به، ترى النور يُرشد عقلك وروحك، ويوصلك إلى التقوى.

 

2-    الأعمالُ التي تُفسِدُ التقوى:

تتمحور الأعمال التي تُفسد التقوى حول الشهوة، يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "لا يُفسد التقوى إلّا غلبة الشهوة". تذهب لذة الشهوة سريعاً وتبقى آثارها تلاحق الإنسان وتُدمره في بعض الأحيان، وهي المسار المعاكس للتقوى. يوجهنا رب العالمين للمعالجة: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت/ 36). كيف نستعيذ بالله تعالى؟ عُرضت عليك شهوة محرَّمة، مثلاً النظر إلى مشهد محرَّم، أو مصاحبة صديق إلى مكان محرم، أو عرضت عليك امرأة نفسها بالحرام، أو أي سبيل يوصل إلى الحرام بالنظر، أو السير، أو السمع... استعذ بالله تعالى في هذه اللحظة التي يُعرض فيها الحرام، والجأ إليه، ليعينك على الرفض والصبر، وقل: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم، وغُضَّ بصرك عن الحرام، واستمر بالاستعاذة ما دمت في حالة المواجهة، فإذا ما نجحت، فقد مرّت اللحظة، وستشعر بالقوة العظيمة التي لديك، وبالسعادة تغمرك بعد مواجهتك للحرام الذي عُرض عليك، فقد وقفت مستعيناً بالله تعالى ومتقرباً إليه، ونجحت في تحدي الشيطان ووسوساته.

نحن نمتلك القدرة التي تزداد عندما نستعين بالله تعالى، ونستعيذ به من الشيطان الرجيم. فالشيطان لا يمسك الإنسان بيده، ولا يسيطر عليه، إنما يتودد إليه ويُغريه ويُزيِّن له، فيجذب الكافرين المنغمسين بالشهوات والانحرافات، ويجرهم من كفرٍ إلى كفر، ومن انحرافٍ إلى انحراف، بينما يتلقى الصدمات والصَّد من المؤمنين. اعلم أيها المؤمن أنك بحاجة إلى الموقف الأوَّلي الجريء، بأن تصبر، وتستعذ بالله، وتبتعد عن الحرام، ثمّ تقوى عليه تدريجياً، فييأس الشيطان منك.

 

3-    نتائجُ التَّقوى:

من نتائج التقوى في الدنيا، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ) (الأرض/ 96)، فلو اتقى الناس لأنزل الله تعالى عليهم الرزق والبركات من السماء والأرض.

وعلى مستوى الأفراد والجماعات يقول تعالى: (.. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق/ 2-3)، فإذا كنت في مأزق فالله تعالى يفتح الطريق أمامك، (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 5)، هذا وعد الله تعالى، فاصبر واتقِ.

ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال/ 29). وتؤدي التقوى إلى قدرة التفريق بين الحق والباطل، فتعرفون الحق من الباطل، فتسلكون طريق الحق وتبتعدون عن طريق الباطل. ويُفكِّر الله عنكم سيئاتكم التي ارتكبتموها سابقاً، ويغفر لكم كلَّ الذنوب التي ارتكبتموها، ثمّ يُعطيكم إضافة على ذلك فضلاً عظيماً في يوم القيامة، فتربح نتيجة التقوى أربعة أمور دفعة واحدة: الأوّل: قدرة التفريق بين الحق والباطل. والثاني: أن يُكفِّر عنك السيئات. والثالث: أن يغفر لك. والرابع: أن يعطيك من فضله العظيم، أرأيت إن أعطى الله تعالى فضلاً للإنسان من دون حسابٍ وهو الغني، هل يتوقف هذا الفضل عند حدٍّ معين؟ هنيئاً لمن أفاض الله تعالى عليه من فضله، وأرضاه في يوم القيامة. بالإضافة إلى الجنات للمتقين، (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأبْرَارِ) (آل عمران/ 198)، فالتقوى ربحٌ في الدنيا، وربحٌ في الآخرة.

 

4-    المتَّقون:

يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): للمتقي ثلاث علامات:

إخلاص العمل. أن يخلص لله تعالى، فصلاتُه لله، وصدقتُه لله، وتربيتُه قربة إلى الله تعالى، وأخلاقه قربة لله تعالى، وكلُّ شيء يقوم به يريد به وجه الله تعالى وليس من أجل أحد، والله يعلم النوايا، "إنما الأعمالُ بالنيات، ولكلِّ امرئٍ ما نوى".

وقصر الأمل. أمَلُكَ في هذه الدنيا قصير، فلا تَقُلْ بأنّ لديك عمراً طويلاً تعيشه! من يضمن لك ذلك؟ يمكن أن تعيش سنوات إضافة، ويمكن أن تموت غداً، فلا يعرف أحدٌ أجَلَه، لذا عليك أن تتصرف وكأنّ عمرك قصير ولا وقت لديك، فالمتقي لا يؤجل عمله، بل يباشر أعماله وفرائضه قبل الفوت.

واغتنام المهل. المهل: جمع مهلة، والمهلة في الفرصة، فاغتنم الفرص، لأنّ الله تعالى يُمهل ولا يُهمل، فإذا ارتكبتَ معصيةً خافيةً عن الناس، لم يعاقبك الله تعالى عليها، فهي مسجلةٌ في صحيفة أعمالك، وقد فتح الله لك باب التوبة، فإن تُبتَ محا لك هذه السيئة، وأبقاها خافية عن الناس، فتكون قد استفدت من المهلة قبل الحساب، ما يعزِّز التقوى في حياتك. يقول أمير المؤمنين عليّ (ع): "للمتقي ثلاث علامات: إخلاص العمل، وقصر الأمل، واغتنام المهل".►

 

المصدر: كتاب مفاتيح السعادة

تعليقات

  • amine

    نعم

ارسال التعليق

Top