• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعوة إلى الله في كل مجالات الحياة

عمار كاظم

الدعوة إلى الله في كل مجالات الحياة

في هذه الفقرة من دعاء الإمام زين العابدين (ع)، توضح أن يطلب الإنسان من ربّه بأن يوفّقه ليكون من الدعاة إلى طاعة الله سبحانه وتعالى، بحيث لا يكتفي الإنسان المسلم بأن يكون ملتزماً بإسلامه في نفسه، كما يقول بعض الناس: عليَّ أن أصلِّي وأصوم وأعمل الواجبات وأترك المحرّمات، وليس لي شغل بالآخرين، لأنِّي لا أُحاسَب في قبور الآخرين ولا الآخرون يُحاسبون في قبري، إذاً فأنا مسؤول عن نفسي ولست مسؤولاً عن غيري. وبعض الناس يستشهدون بالآية الكريمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة/ 105). ويفسّرونها بأنّهم ليسوا مسؤولين عن غيرهم إنما هم مسؤولون عن أنفسهم، وهذا خطأ! عليك أن تقوم بمسؤولياتك، ومن مسؤولياتك هي الدعوة إلى الله. فبعض الناس يعتقد أنّ مسؤولياته فقط هي أن يصلِّي ويصوم؛ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104)، الله سبحانه وتعالى جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبين تماماً، كما أنّ الصلاة والصوم من الواجبات.

نعم، إنّ عليك بنفسك، ولكن ما هي مسؤولياتك في نفسك؟ كما أنّ مسؤولياتك أن تصلِّي وتصوم، فإنّ من مسؤولياتك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.. أن تأمر أهلك بالمعروف (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه/ 132)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم/ 6)، فأنت الآن مسؤول عن نفسك وعن أهلك وعن الناس من حولك أيضاً، فإذا قصّرت في ذلك فقد قصّرت في مسؤوليتك أنت، فهذه تختلف عن (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) (المائدة/ 105)، لأنّك عندما تترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتترك الدعوة إلى طاعة الله وتكون سلبياً في هذا المجال فقد قصّرت في حقّ نفسك، مثلما تترك الصلاة أو الصوم.

وعندما تطلب من الله أن يجعلك من الدعاة إلى طاعته: "وتَجعلُنا فيها من الدُّعاةِ إلى طاعَتِكَ" فمعنى ذلك أنّك ترغب في ذلك، والله سبحانه وتعالى يقول لك: أنا هديتك في هذا الاتجاه فعليك أن تتحرّك، لا أن تجلس في البيت وتقول: اللّهمّ اجعلني من الدعاة إلى طاعتك.

ومن هنا، إذا كنت ترى أُناساً من أقربائك أو أهلك عاصين لله بعيدين عن طاعته منحرفين عن نهج الله سبحانه وتعالى، فإنّ من واجبك أن تدعوهم إلى طاعة الله، ولا تقل لنفسك لستُ مسؤولاً، فالله لم يجعل الإسلام مسؤولية أشخاص بعينهم، إنما جعله مسؤولية الناس كلّهم.

فالإسلام ليس فيه كهنوت، كما في بعض الأديان، الإسلام مسؤولية المسلمين جميعاً بعلمائهم ومثقّفيهم وطلّابهم وتجّارهم وجنودهم.. كلّ إنسان حسب إمكاناته، فإذا رأيت إنساناً يسلك سلوكاً غير قويم، فعليك أن تعمل على دعوته إلى طاعة الله سبحانه وتعالى بالأسلوب الذي تملكه.

استعملوا الأساليب التي تستطيعون من خلالها أن تُغيِّروا أفكار الأشخاص الذين تبيعونهم أو تشترون منهم أو تنشئون علاقات معهم.. استخدموا هذه الأساليب لهداية الناس إلى دين الله سبحانه وتعالى.. استخدموا علاقاتكم وصداقاتكم في الدعوة إلى الله.

علينا أن نعتبر أنّ الصداقة تمثّل المفتاح الذي نفتح به عقول الناس على الله وعلى الإسلام، لنستفيد من صداقاتنا في سبيل أن نهدي أصدقاءنا، كما يستفيد أعداء الله من صداقاتهم في سبيل إضلال عباد الله.

وهذه طبعاً ليست من دون مقابل، فلو أنّ شخصاً جاء وقال لك: إذا هديت إنساناً للإسلام فلك مئة ألف دولار، وإذا هديت إنساناً للصلاة والصوم فلك عشرة آلاف دولار، وإذا جعلت إنساناً يترك شرب الخمر ولعب القمار فلك عشرة آلاف دولار، ألا يثير هذا اهتمامك؟ لا شك في أنّك ستترك عملك وتنصرف لهداية الناس. لكنك لا تثق بالحديث الذي قاله رسول الله (ص) لعليٍّ (ع) عندما أرسله إلى اليمن: "يا عليّ لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشّمس" (ولا يختصّ الحديث بهداية الرجال إنّما هو يشمل النساء أيضاً).

ولكننا نكتشف في داخل نفوسنا عدم الثقة بوعد الله، أو عدم التصديق بالجنة وبالآخرة، لأنّه إذا وعدنا عبد من عباد الله بأيِّ شيءٍ من أمور الدنيا فإنّنا نتحمّس ونبادر وتملأنا الثقة، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ) (آل عمران/ 133)، فالله يتحدّث عن الجنة وعن رحمته وعن الرزق والنعم، ولا أحد يعمل بما قال، فلماذا؟

لأنّنا لا نعطي الآخرة أهميّة، ولا نعطي الله أهميةً في نفوسنا.

ومن هنا علينا أن نربِّي إيماننا حتى يكون الله أحبّ إلينا من أنفسنا، وحتى يكون ديننا أحبّ من أيّ شيء آخر، لكي نستطيع أن نكون قوّةً في الأرض.

عندما نقرأ هذا الدعاء لابدّ أن نفكِّر في أن نكون دعاة إلى طاعة الله، في الصغير من الأمور وفي الكبير منها، دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ودعوة المسلمين إلى الالتزام بالإسلام.

فنحن إذا كانت اهتماماتنا، من الصباح إلى الليل، هي كيف نربح مؤمناً أو مسلماً لطاعة الله، أو كيف نربح إنساناً لطريق الله، عندما يكون عندنا هذا الاهتمام فسوف نستطيع أن نملأ الدنيا إسلاماً.

لنأخذ مثلاً على ذلك: أندونيسيا، أكبر البلدان في عدد المسلمين مع أنّها لم يدخلها الفتح الإسلامي، فهذه الدولة التي فيها مائة وخمسون مليون مسلم، كيف جاءها الإسلام؟

جاءها عن طريق التجّار المسلمين الذين كانوا يروِّجون الإسلام بما يحملونه من أفكار وأحكام إسلامية. بينما المعروف عندنا أنّ التجار يقولون: الدِّين ليس شغلنا!

الدِّين يمثِّل وجود الشخص وصفته، فمثلاً تريد أن تربح زبائن لبضاعتك كذلك اربح زبائن لدينك واربح زبائن لالتزامك. ثمّ أنّ علينا أن نتحمّل ما يقول الناس بحقِّنا، وما نتعرّض له من أذى منهم.. فالمريض قد يشتم طبيبه عندما يحس بوجع العلاج، ولكنه سيشكره حين يشفى.

قد لا تملك مالاً لتتصدّق، أو ليس عندك جاه حتى تبذل جاهك، ولكن لديك لسانك، فاستعمله للدعوة إلى الله، وحتى ابتسامك، فأنت تستطيع أن تربح الناس إلى طاعة الله من خلال سلوكك "كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم" ليَروا منك الصدق والخير والورع، فابتسامة جميلة ووجهٌ منفتح وصداقات قد تستفيد منها لتقريب الناس، فعندما يحبّك شخص يُحبُّ فكرك ويحبّ خطّك، وهذه لها الثواب الكبير عند الله سبحانه وتعالى، خصوصاً في الظروف الصعبة التي يتحرّك فيها الكفر من كلّ جانب من أجل أن يُبعد المسلمين عن الإسلام، فنلاحظ الآن الإذاعات والتلفزيونات والمجلّات وكلّ الوسائل تريد أن تُضلَّ الناس، فهناك هجوم على الإسلام، والهجومات تداهمنا في بيوتنا، لذلك فإنّنا نحتاج إلى تحصين بيوتنا وأنفسنا، وذلك بأن نتحوّل جميعاً دعاةً إلى طاعة الله سبحانه تعالى.

ارسال التعليق

Top