• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شباب فلسطين: غضب ينذر بانفجار

د. إبراهيم أبراش

شباب فلسطين: غضب ينذر بانفجار

منذ تبلور الحركة السياسية الفلسطينية وتَشكُل الخلايا الفدائية الأولى كان الشباب عمودها الفقري، كما كانوا سباقين عندما أسسوا رابطة طلبة  فلسطين عام 1959، ووصولاً إلى انطلاقة الثورة الفلسطينية في منتصف ستينيات القرن الماضي وخوضها نضالات على عدّة مستويات عسكرياً وسياسياً بفكر وممارسة شبابية تطوّرت من خلال الاحتكاك مع الحياة السياسية للبلدان التي تواجدوا فيها.

هذه النُّخب الشابة التي أنتجت وطوّرت وأدارت القضية والنظام السياسي عسكرياً وسياسياً فإنّها اليوم وبالرغم من تخطيها سن الشباب ما زالت تتمسك بمواقعها ولا تترك مجالاً كافياً لجيل الشباب  في هذه المرحلة لخوض تجربة مماثلة لما خاضوه هم سابقاً.

كما أنّ الأحزاب الفلسطينية اليوم تتّخذ من الشباب قاعدة جماهيرية فاعلة في الأنشطة الميدانية الخاصّة بالحزب أو المواجهة مع المحتل ولكنّها تغفل فاعلية الشباب في القيادة واتّخاذ القرار وهذا واضح في عدم تبوء الشباب مراكز متقدّمة في هيكلية الأحزاب بل إنّ بعض رؤساء الأحزاب هم نفسهم منذ التأسيس وبعض حالات التغيير المحدودة كانت بسبب المرض أو الوفاة.

يبدو أنّ هناك حالة من انعدام الثقة بين الأحزاب والشباب خاصّة ممّن لا ينتمون بشكل رسمي لها، كما أنّ كلّ حزب، سواء كان حزب سلطة أو حزب معارضة، يتعامل مع أنصاره أو منتسبيه من الشباب ويتجاهل الآخرين في تقديم المساعدات والمعونات المادّية والعينية، وهذا يفسّر قناعة الشباب بتفشي حالة من الفساد والتربح  عند النُّخب السياسية، والكثير من الشباب ينظر إلى الأحزاب كنُخب عاجزة وفاشلة لم يعدّ لديها ما تقدّمه.

لا يشكّك الشباب بوطنية الأحزاب ولا بما قدّمت من تضحيات ولكنّهم يرون أنّ الأحزاب وصلت لطريق مسدود وقدّمت ما تستطيع ولم يعد بإمكانها تقديم المزيد بسبب بنيتها التنظيمية وارتباطاتها الأيديولوجية والسياسية واختزال الرابطة الوطنية بالانتماء الحزبي، والانتماء الحزبي بقيادة الحزب..  وقيادة الأحزاب تُجير كلّ شيء لمصالحها الشخصية.

ومن جهة أُخرى فإنّ الشباب يُحمّلون الأحزاب المسؤولية عن التقصير بالاهتمام بالثقافة والهوية الوطنية ونقلها وتعزيزها عند الجيل الجديد من خلال قنوات التنشئة الاجتماعية والسياسية المتعدّدة، وبدلاً من ذلك تقوم الأحزاب بشحن عناصرها منذ الصغر بمعتقداتها ومبادئها، وهي مبادئ لا تعير كثيراً من الاهتمام للثقافة والهوية الوطنية وأحياناً تثير الكراهية والأحقاد والتعصب.

لقد قصرت الأحزاب الوطنية في استيعاب الشباب في هيئاتها القيادية ولم تمنحهم دوراً في القيادة والتوجيه خلال عقود من سيطرة قيادات شاخت وأفلست وفشلت في التعامل مع قضايا الشباب ومع مجمل القضية الوطنية. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إنّ فشل الأحزاب في إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام وفي التوصل إلى قيادة وحدة وإستراتيجية وطنية انعكس على الهوية الوطنية التي باتت مهدّدة بالانقسام أيضاً كما انعكست على الشباب الذين باتوا منقسمين ما بين أيديولوجيات هذه الأحزاب.

بالرغم من ذلك فإنّ الشعب في الوطن والشتات يراهن على خروج الشباب للشارع في حراك عنوانه إنهاء الانقسام ويُسمِعوا العالم صوتهم وهم أغلبية الشعب المتضررة من الاحتلال  من الانقسام.

نعم من حقّ الشباب بل واجب عليهم أن يقودوا المرحلة أو على الأقل أن يكونوا من صناع القرار بعد سنوات من المراهنة على أحزاب وحركات أدت بقضيتنا الوطنية للتهلكة واستعملت الشباب كوقود لنار شهواتها السياسية ومطامعها ومصالحها وأجندتها الخارجية.

من حقّ الشباب التمرد على حالة العبودية التي تمارسها عليهم الأحزاب والحركات السياسية بكلّ توجهاتها، هذه الأخيرة التي حرضتهم لمواجهة الاحتلال ومواجهة خطر الموت والاعتقال، أو دفعتهم للاشتباك مع إخوانهم من شباب الفصائل الأُخرى من أجل أن يتوقع من حرضهم على ذلك كوزراء ونواب تشريعي وقيادات سياسية وأصحاب نفوذ وجاه.

لم يقدّم شبابنا حياتهم خلال انتفاضة 87 وانتفاضة الأقصى وخلال ثلاث موجات من العدوان المدمر على قطاع غزة وخلال انتفاضة الدهس والطعن وخلال مسيرات العودة حيث استشهد من الشباب الآلاف ودخل السجون آلاف، وجُرح وقطعت أوصال آلاف أُخرى إلخ، لم يقوموا بذلك من أجل أن يستقر الأمر على نُخبتين وسلطتين وحكومتين عاجزتين وفاشلتين بل من أجل الوطن والشعب، والشعب يعني الشباب في حاضرهم ومستقبلهم، ومن هذا المنطلق يجب أن يحصد الشباب بمقدار تضحياتهم.

من حقّ الشباب ولو مرّة واحدة أن يكونوا أصحاب قرار ويجرّبوا إمكانياتهم وأفكارهم وليس مجرد مشاريع شهادة مدفوعة الثمن تخدم مصالح نُخب وأحزاب، من حقّ الشباب أن يتمردوا على حالة الإذلال التي يتعرّضون لها يومياً من خلال وقوفهم في الطوابير للحصول على كوبونة أو استجداء هذا المسؤول أو ذاك للحصول على وظيفة أو مساعدة أو منحة دراسية، من حقّ الشباب وواجب عليهم أن يخرجوا في ثورة ويعبّروا عن مواقفهم من تلقاء أنفُسهم دون توجيه ووصاية من الأحزاب ودون انتظار مقابل مادّي لخروجهم، وخصوصاً أنّ غالبية الأحزاب باتت عالة على الوطن وعاجزة عن إبداع أي جديد للخروج من الأزمة إلّا تكرار نفس الخطاب الممجوج والخشبي الذي لم يعد يُقنع أحداً.

نقول للشباب أنتم أملنا في الحفاظ على الثقافة والهوية الوطنية، وأنتم مستقبلنا، فلا تترددوا في حمل الراية وتَحَمّل المسؤولية، عندما تتحرّكون في الضفة والقدس وغزة وفي جميع مناطق الشتات معناه أنّكم تستنهضون الهوية الوطنية وتؤسّسون لعهد جديد لحركة التحرر الوطني. على شباب فلسطين أن لا يترددوا وألا ترهبهم الأحزاب أو تغريهم وعليهم أن لا يخافوا من سلطة  أو حكومة ولا من استدعاء يأتيهم من أجهزة أمن. إنجاز المشروع الوطني وإنهاء الانقسام لن يتحققا إلّا بثورة الشباب. 

ارسال التعليق

Top