• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدِّين والوطن ملك للجميع لا يجوز احتكارهما

د. إبراهيم أبراش

الدِّين والوطن ملك للجميع لا يجوز احتكارهما

بينما دول العالم المتحضرة تحارب وتناضل من أجل الحرّية والديمقراطية والتطوّر الحضاري ودفاعاً عن مصالحها القومية نجد أنّ الصراعات والحروب الأهلية في الدول العربية والإسلامية ترجع لأسباب دينية أو طائفية وعرقية وتعبّر عن أزمة دولة تشكّلت خارج سياق التطوّر الطبيعي للمجتمعات والكيانات السياسية، وأزمة هويّة وطنية تنازعها هويّات أُخرى، كما تخفي صراعاً على السلطة. ولأنّ أي من المكونات أو القوى الداخلية غير قادرة على حسم الصراع لصالحها فإنّها تلجأ لأطراف إقليمية أو خارجية تشاطرها في أيديولوجيتها الدينية أو العرقية، أو طامعة في توظيف الصراع لتحقيق مصالحها ومطامعها الجغرافية أو الاقتصادية أو السياسية، فتحدث فوضى يحتار فيها حتى العاقل.

هذا هو حال الصراعات المحتدمة في سوريا وليبيا واليمن والعراق ونسبياً في فلسطين، ولا صحّة للمزاعم التي تطرحها قوى المعارضة أو مَن يساندها بأنّ ما يجري يندرج في سياق ثورة الشعوب من أجل الديمقراطية وضد أنظمة فاسدة ودكتاتورية إلخ، وكيف تكون داعش والقاعدة والنصرة جماعات تجاهد من أجل الديمقراطية؟ وكيف يكون التدخل التركي والإيراني والروسي والسعودي والإماراتي والأمريكي والإسرائيلي إلخ دفاعاً عن شعب يناضل من أجل الديمقراطية والحرّية وحماية حقوق الإنسان؟ هذا لا يعني أنّ الأنظمة القائمة أو التي كانت قائمة ديمقراطية وتحترم الحرّيات ومبرأة من الفساد.

جذور المشكلة في عالمنا العربي وكما أشرنا أعلاه أنّه لم يتم الحسم بداية في العلاقة بين الدِّين والدولة وتُرك أمر الدِّين - الإسلام -  عائماً ليوظّفه كلّ مَن هبّ ودب من أنظمة وجماعات بما يخدم مصالحه ومشاريعه السياسية بينما الدِّين (ملكية عامّة) ولم يُفوض ربّ العالمين أحداً ليحل محله أو يكون وسيطاً بينه وبين البشر أو ليحكم باسم الدِّين نيابة عن الله. وهكذا تمت مصادرة الدِّين أو احتكاره من طرف بعض الجماعات الأصولية والجهلاء تارة ومن طرف أنظمة سياسية تارة أُخرى.

نفس الأمر جرى مع الوطن والوطنية. فالوطن ملكية مشتركة للجميع والوطنية هويّة جامعة للجميع ولا يجوز لشخص أو حزب أن يختزل الوطن بذاته أو يؤدلج الوطنية بما يتوافق مع مصالح شخصية أو حزبية أو مصلحة السلطة القائمة.

جريمة الذين خصخصوا أو احتكروا وأدلجوا وصادروا الوطنية والقومية لا تقل عن جريمة الذين خصخصوا أو احتكروا وأدلجوا وصادروا الإسلام، فباسم الدِّين والوطنية جرت وما زالت تجري الكارثة الكبرى وهي عملية تدمير الوطن وتشويه الدِّين ونشر الفوضى.

كلّ قارئ لتاريخ جماعات الإسلام السياسي سواء من حيث التأسيس أو الدور والوظيفة السياسية أو من حيث السلوك خلال ما يُسمّى (الربيع العربي) سيجد أنّ كثيراً منها كانت مجرّد أداة تخريب في يد القوى الاستعمارية، لمواجهة الأنظمة والقوى التقدمية والتحررية منذ بداية الاستقلال إلى ما يجري اليوم مع فوضى ما يُسمّى الربيع العربي، كما كانت نتيجة ممارساتها تشويهاً للدِّين الإسلامي وخراباً ودماراً على الأُمّتين العربية والإسلامية، ولم تخرج جماعة الإخوان المسلمين عن هذا السياق. هذا المشروع الملتبس والمفتوح على كلّ التفسيرات والتأويلات المؤدِّية لتعدّد في الممارسات تبدأ بالانقلابات والإرهاب والارتزاق وتنتهي عند التحالف مع الغرب والأمريكان وكلّها تمارس باسم الإسلام والإسلام منها براء.

أمّا كيفية الخروج من هذه الحالة، الأمر ممكن وإن كان صعباً ويحتاج لوقت، ونقطة البدء ليس فقط بمواجهة الجماعات الإسلاموية عسكرياً أو الدخول في جدل فكري معهم، فهذه جزئية ولكن لا تكفي، المطلوب بناء منظومة فكرية ثقافية سياسية قانونية تمتد من الأُسرة والمنظومة التعليمية والإعلام ومسارب الثقافة الشعبية إلى المنظومة القانونية والسلطة السياسية، لتواجه منظومة كهنوت الإسلاموية السياسية من المفتين والمجتهدين وشيوخ المنابر والفضائيات المأجورين، مع التأكيد بأنّ المشكلة لا تكمن في الإسلام كدين بل بمن يصادرونه ليوظفوه لغير مراده وأهدافه السامية، وخصوصاً أنّ مَن يواجه الإسلاموية السياسية مسلمون أيضاً ولكن بفهم ورؤية عقلانية وأخلاقية للإسلام.

حتى نواجه حالة الانحطاط والتخلّف والإسلاموية السياسية المشبوهة علينا أن نخلق البديل الذي يُقنع المواطن أنّ مصلحته وخلاصه في الدُّنيا والآخرة يكمن في احترام قوانين الدولة والممارسة الديمقراطية التي تؤمن له حرّية ممارسة شعائره الدِّينية بحرّية، كما هو الحال في الغرب الديمقراطي، حيث هجر المسلمون بلاد الإسلام وذهبوا للدول التي يُسمّونها (الاستعمارية والإمبريالية والكافرة) حيث وجدوا هناك من الحرّيات الدِّينية لممارسة شعائرهم وعباداتهم الإسلامية ما لم يجدوه في بلاد المسلمين، ومن الممارسات ما هو أقرب لما يدعو له الإسلام. والبديل يكمن أيضاً في ظهور نخب ثقافية وفكرية وسياسية تشكّل النموذج والقدوة لتحل محل نخب الإسلاموية السياسية، وللأسف فإنّ النخب التقدمية والديمقراطية والحداثية التي برزت قبل عقود ضعفت كثيراً أو أُصيب بعض مكوناتها بالإحباط، والنخب الجديدة متعثرة ومنقسمة على ذاتها وتحتاج لحاضنة.

ارسال التعليق

Top