• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الاستقرار والتوازن في المنظومة البيئية

الاستقرار والتوازن في المنظومة البيئية
 تنتظم الحياة بأنماطها المتباينة من إنسان وحيوان ونبات وكائنات دقيقة في إطار ما يسمى بالمحيط الحيوي (Biosphere). يتكون المحيط الحيوي من الغلاف السطحي لليابسة، ومن الطبقات السطحية للمحيطات والبحار، ومن الغلاف الجوي. وقد اتخذ علماء البيئة "المنظومة البيئية" (Ecosystem) كوحدة تركيبية ووظيفية للمحيط الحيوي – فهي أيّة منطقة من اليابسة أو من البحار، وما يحيط بها من الغلاف الجوي، وما تحويه من مجموعات من أنواع الكائنات الحية. وتتفاعل تلك المجموعات مع بعضها البعض ومع المكونات غير الحية من مواد وعناصر في التربة والماء والهواء في عمليات تؤدي إلى تدفق الطاقة ودوران العناصر بينها، وتكون محصلتها إنتاجية أولية (نباتية) وإنتاجية ثانوية (حيوانية). تكّون أنواع الكائنات الحية في مجموعها المجتمع البيئي، ويمكن تمييزها من الناحية الوظيفية إلى مستويات غذائية مختلفة: أ- الكائنات المنتجة (Producers) وهي كائنات ذاتية التغذية – معظمها نباتات خضراء مثل الطحالب الخضراء في مستنقع، أو النجيليات في مرعى، أو الأشجار في غابة – وتبنى هذه الكائنات غذاءها من مواد غير عضوية بسيطة (تمتصها أو تثبتها من التربة أو الهواء أو من كليهما) بتثبيت الطاقة أثناء عملية البناء الضوئي. ب- الكائنات المستهلكة (Consumers)، وهي كائنات غير ذاتية التغذية تعتمد على كائنات أخرى في تغذيتها، وهذه إما أن تكون: 1- كائنات مستهلكة كبيرة وهي الحيوانات الفقارية وبعض الحيوانات اللافقارية – وبعضها يتغذى على النباتات، ويقال لها آكلان الأعضاب (العواشب) (Herbivores) والبعض الآخر يتغذى على بعض الحيوانات، ويقال لها آكلات اللحوم (اللواحم) (Carnivores)، ويطلق على الأولى أحياناً كائنات مستهلكة أولية وعلى الثانية كائنات مستهلكة ثانوية، وقد توجد كائنات مستهلكة ثالثة تتغذى على هذه الأخيرة، أو 2- كائنات مستهلكة ثانوية، وقد توجد كائنات مستهلكة دقيقة، وهذه إما حيوانات لا فقارية صغيرة تعيش في التربة وتتغذى على النثار (Litter) من البقايا غير الحية للنباتات والحيوانات ونواتج عمليات الأيض – ويقال لها آكلات النثار (Detritivores)، وإما كائنات دقيقة (البكتيريا والفطر) تستمد الطاقة اللازمة لها عن طريق تحليل البقايا الحيوانية والنباتية – ويقال لها كائنات محللة (Decomposers). وعملية التحلل في المنظومة البيئية تبدأ بمرحلة تفتيت البقايا إلى أجزاء دقيقة، وهي مرحلة تشارك فيها آكلات النثار، وتنتهي بمرحلة تحويل المركبات المعقدة إلى عناصر أولية ومركبات بسيطة تنطلق في الهواء أو التربة لتصبح في متناول النباتات. وقد يقتصر الكثير من أنواع الكائنات المستهلكة على دور أو آخر من هذه الأدوار في المنظومة البيئية، إلا أن بعضها قد يقوم بأكثر من دور في آن واحد، كان يكون عاشباً ولاحماً – وهذه يقال لها "القوارت" (Omnivores). وهكذا نرى أن كلا من مكونات المنظومة البيئية في هذه الصورة المكتملة يقوم بدور أو أكثر يمتد أثره إلى المكونات الأخرى في العمليتين الأساسيتين: تدفق الطاقة ودوران العناصر، وأنها جميعاً تشكل نظاماً متوازناً ومستقراً. ولكل من مكونات المنظومة البيئية دوره في هذا التوازن – فعلى سبيل المثال، عندما يزداد عدد نوع من من الكائنات لتغير في ظروف البيئة، قد يتبع ذلك أن ينشط نوع آخر في اتخاذها غذاءاً له، وبذلك يحد من زيادتها، فالعواشب قد يحد من زيادتها اللواحم الأولية قبل أن تستنزف الكائنات المنتجة (النباتات الخضراء)، واللواحم الثانوية قد تحد من زيادة اللواحم الأولية قبل أن تقضي على العواشب. والمنظومة البيئية الفطرية (التي لم تتكاثر كثيراُ بتدخل الإنسان) قد تنشأ وتنمو فيما يعرف بعملية التعاقب (Succession) بدءاً بفراغ بيئي (Ecological void) كالصخر الصلد) تتعاقب فيه مجموعات من الكائنات الحية حتى تصل إلى طور الذروة (Climax). في هذا الطور تكتسب المنظومة البيئية نوعاً من التوازن بين مكوناتها الحية وغير الحية – ويؤدي بها ذلك إلى حالة من الاستقرار (الثبات) النسبي (Stability)، وإلى مقدرة قصوى على إستيعاب إضافات من الطاقة والعناصر، وبالتالي إلى حد أقصى من الكتلة الحية، وإلى إكتساب أقصى مقدرة على مواجهة الظروف البيئية المتطرفة. وقد دأب الإنسان على تغيير تركيب وتنظيم المجتمعات البيئية الفطرية – أو تخليق مجتمعات أخرى غير عادية في تركيبها. فقد ينتخب الإنسان من هذه المجتمعات المكونات التي يرى أنها أكثر نفعاً له – ويستأنسها لتلائم احتياجاته فتصبح محاصيل ومنتزهات وماشية... إلخ. ولأنّ هذه المجموعات المستأنسة تكون عادة أقل تكيفاً من أصولها الفطرية لظروف البيئة، فإن الثمن الذي يدفعه الإنسان لمثل هذا الاستغلال للموارد الطبيعية يكون في محاولة صون إستقرار هذه المجموعات المستحدثة من الكائنات بكفاءة الإدارة وبمقاومة الآفات وبزيادة خصوبة التربية وبالتخلص من الحشائش... إلخ. وكذلك فإن زراعة محصول من نوع واحد كالقمح أو الذرة يبسط من تركيب المجتمع البيئي إلى حد بعيد. ومن ناحية أخرى فإن إضافة نوع جديد إلى المجتمع البيئي – كنوع من آكلات الآفات للحد من تكاثرها – يزيد من تعقيد تركيبه الغذائي (Trophic structure). والعلاقة بين التغيير في التركيب عند مستوى غذائي قد يؤثر بشكل معين عند ذلك المستوى وبشكل آخر – قد يكون عكسياً – عند مستوى آخر. وهذه الصورة التي أوردناها لتركيب المنظومة البيئية هي لا شك صورة غاية في التبسيط ولكنها توضح من خلال العمليتين الأساسيتين ما يسمى بالسلسلة الغذائية (Trophic chain) التي تعتبر بمثابة الهيكل الأساسي لما يحدث في أية منظومة بيئية فطرية أو زراعية. غير أنّ الواقع أكثر تعقيداً من ذلك بكثير، فإذا ما أخذنا في الاعتبار التنوع الكبير في المجموعات الحية وأدوارها المتعددة وعلاقاتها ببعضها البعض، نجد أنّ السلسلة الغذائية تصبح شبكة كخيوط النسيج يطلق عليها "النسيج الغذائي" (Trophic web).   - مجموعات الأنواع وإستقرار المجتمع البيئي:  

الاستقرار صفة أصيلة في المجتمع البيئي، ويتوقف هذا الاستقرار على عدد من صفات مجموعات الأنواع (Species populations) المكونة له. من هذه الصفات حجم الأفراد، ولتفسير ذلك يمكن القول بأنّ الإبقاء على الحالة الداخلية للكائن الحي التي تختلف عن البيئة الخارجية يتطلب جهداً وطاقة، فالحفاظ مثلاً على درجة حرارة أنسجة الكائن الحي عند درجة معينة تختلف عن درجة حرارة الجو يتطلب إنفاق جزء من طاقته في ضبط فسيولوجيته وتركيبه الظاهري. هذا التنظيم الداخلي يتيسر بخفض التبادل بين البيئة الداخلية للكائن الحي والبيئة المحيطة به. والكائنات كبيرة الحجم تكون أكثر حاجة إلى ضبط فسيولوجيتها وإلى إنفاق قدر أكبر من الطاقة. أي أن تكلفة الصيانة تكون أعلى كلما كبر حجم الكائن الحي. ويترتب على ذلك ان انتاجيته بالنسبة لحجمه (أو وزنه) في وحدة الزمن تكون أقل. وكثير من الكائنات حباها الله تعالى بالقدرة على إختزان المواد والعناصر الغذائية والماء إذا ما واجهت ظروفاً بيئية تكاد تتحملها (بحيث يمكن أن يؤدي أي تغير طفيف في تلك الظروف إلى تعرضها للابادة). فبعض نباتات المناطق الجافة – على سبيل المثال – تختزن احتياطياً من الماء أثناء الفصل المطير يعينها على تحمل الجفاف في الفصول الأخرى. وهناك كائنات أخرى مؤهلة لتجنب الظروف البيئية القاسية بالكمون – كإسبات بعض الحيوانات، وكنفض الأوراق والأجزاء الخضرية في النباتات المستديمة، وكإنهاء دورة الحياة في فترة وجيزة وتجنب الفصول غير الملائمة في صورة بذور في النباتات الحولية. والأفراد كبيرة الحجم ذات مساحة سطحية صغيرة بالنسبة لحجمها، وبذلك تكون محتوياتها أقل تأثراً بظروف البيئة المحيطة بها إذا ما قورنت بالأفراد الأصغر حجماً. وعلى ذلك فإنّ الأفراد صغيرة الحجم وكذلك الأفراد غير المكتملة النمو تكون أكثر استجابة لظروف البيئة من الأفراد كبيرة الحجم وكذلك الأفراد غير المكتملة النمو تكون أكثر استجابة لظروف البيئة من الأفراد كبيرة الحجم والأفراد مكتملة النمو. وبالتالي فإنّ المجموعات ذات الأفراد كبيرة الحجم تتغير عادة تغيراً طفيفاً في أعدادها وتكون إستجابة أفرادها للتغير في ظروف البيئة بطيئة، وبذلك تكون أكثر إستقراراً إذا ما قورنت بالمجموعات ذات الأفراد صغيرة الحجم.

وقد يتحكم في إستقرار مجموعات الأنواع الفطرية كذلك كثافة الأفراد (Density) (العدد في وحدة المساحة) بحيث يرتفع معدل موتها وتقل قدرتها على التكاثر كلما إزدادت كثافتها، وينخفض معدل موتها وتزداد قدرتها على التكاثر كلما قلت كثافتها. على أنّه يلزم التنويه بأن سلوك تلك المجموعات مرتبط بالعديد من العمليات البيولوجية وبالسلوك الجماعي المعقد للمجموعات التي تعيش معها. وتنمو أعداد مجموعات الأنواع (أي تزداد في كثافة أفرادها مع الوقت) في أنماط مميزة، وهناك نمطين أساسيين، يتخذ منحنى النمط الأول شكل حرف (J)، ويتخذ منحنى النمط الثاني شكل حرف (S). وفي النمط الأول تزداد الكثافة بصورة أسية (سريعة) ثمّ تقف فجأة عندما تحد عوامل البيئة من الزيادة في الكثافة. ويمكن تمثيل هذا النمط بالنموذج الرياضي (حيث تؤول إلى قيمة محددة)، وفي النمط الثاني تزيد كثافة الأفراد ببطء في البداية ثمّ بسرعة أكثر، ثمّ ببطء مرة أخرى عندما تحد عوامل البيئة من الزيادة في كثافة الأفراد، حتى تصل الكثافة إلى مستوى متوازن تستقر عنده، ويمكن تمثيل هذا النمط بالنموذج الرياضي، والمستوى العلوي الذي لا تحدث بعده زيادة محسوسة في الكثافة يعبر عنه بالثابت "ك"، وهو الخط المقارب العلوي (Upper asymptote) للمنحنى – ويطلق عليه "قدرة الاستيعاب" (Carrying capacity)، أي أقصى قدر من الكثافة يمكن أن تسمح به ظروف المنظومة البيئية. أما في منحنى النمط الأول فقد لا يكون هناك مستوى للتوازن – ولكن قيمة "ن" المحدودة هي التي تمثل الحد الأقصى الذي تمليه العوامل خاصة في المنظومات البيئية قليلة التنوع (Low diversity)، أو في تلك التي تتعرض لعوامل طبيعية (غير بيولوجية) شديدة القسوة، أو في تلك التي تتعرض لاضطرابات خارجية غير منتظمة يصعب التنبؤ بها، في مثل تلك المنظومات تتحكم العوامل الطبيعية كالمناخ والتيارات المائية وكيميائية التربة والتلوث في كثافة الأفراد. وعلى العكس من ذلك في المنظومات البيئية عالية التنواع أو في تلك التي لا تتعرض لعوامل طبيعية قاسية تكون العوامل البيولوجية هي المتحكمة في كثافة الأفراد. وعلى ذلك فسواء كانت العوامل البيئية ملائمة أو غير ملائمة لمجموعات الأنواع فإن هذه العوامل إما أن تكون (1) غير معتمدة على كثافة الأفراد (عوامل طبيعية) أو (2) معتمدة على كثافة الأفراد (عوامل بيولوجية). وتأثير المجموعة الأولى من هذه العوامل يكون عادة مباشراً في أنّه يزدا كلما اقترب الحد الأعلى للكثافة، وهذه العوامل لها دور أساسي في منع الانفجار العددي للمجموعة (Population explosion)، وهي بذلك المسئولة على إكتساب حالة الاستقرار. يترتب على ذلك عدة استنتاجات في حالة البيئات القاسية، كما في المناطق الجافة – أو حيثما كان المجتمع البيئي مكوناً من الكائنات الصغيرة التي تتميز بدورة حياة قصيرة ومعدلات عالية من البناء رغم صغر المحصول القائم من الكتلة الحية (كالحشرات أو الهوائم)، هذه الاستنتاجات هي: (1) أهمية الفترة التي يرتفع فيها معدل الزيادة في عدد الأفراد. (2) أهمية العوامل الطبيعية (التي لا يتوقف تأثيرها على كثافة الأفراد مثل العوامل المناخية) في تحديد الفترة الزمنية الملائمة للنمو في عدد أفراد المجموعة. (3) العوامل الذاتية (البيولوجية) ذات أهمية ثانوية. (4) عدم إستقرار كثافة أيّة مجموعة من مجموعات الأفراد حتى لو بدت المنظومة بأكملها مستقرة. ويؤكد ويتكر (Whittaker) على وجوب الاهتمام بسلوك المجموعات عند الحدود الدنيا لكثافة أفرادها – والتي تمثل قدرتها على البقاء – بدلاً من التركيز، كما هو شائع، على حدودها القصوى. كما يؤكد على أن تفسير قدرة بعض المجموعات على البقاء تحت ظطروف بيئية غير ملائمة، يتطلب فروضاً تختلف عن تلك التي تسوقها المنحنيات الأسية واللوغارتيمية الشائعة التي تمثل أنماط الزيادة في أعداد الأفراد مع الزمن، إذ يجب الأخذ بالاعتبار التغير في معدل موت الأفراد – ليس فقط مع التغير في كثافتها – بل كذلك مع التغير غير الملائم في ظروف البيئة، كما يجب الأخذ بالاعتبار التكيفات التي تحد من الفقد المتزايد للأفراد مع تلك الظروف، فكثير من المجتمعات غير المستقرة لا تندثر لأن هناك من العوامل ما يفرض حدوداً دنيا للتغير في أعداد أفرادها، لأنّه كلما أصبحت الظروف البيئية غير ملائمة نقصت المجموعة حتى لا يبقى منها إلا الأفراد الأكثر تكيفاً وتلك التي تحتل مواقع أكثر ملائمة، أو كمت الأفراد في أشكال أكثر مقاومة لتلك الظروف (مثل الحويصلات والأعضاء النباتية المعمرة كالريزومات والأبصال والبذور). ويبين الشكل (2) نمطين لاستجابة المجموعة للظروف البيئية غير الملائمة. (أ) مجموعة تجريبية ذات تركيب وراش غير متباين، تحت تأثير التغير غير الملائم في عامل بيئي (كدرجة الحرارة أو الجفاف إلى أبعد من حدود التحمل الفسيولوجية "م"، حيث يتناقص عدد الأفراد بسرعة نحو الفناء، (ب) مجموعة يتم التناقص في أعداد أفرادها تدريجياً – بعض أفرادها يكون أكثر عرضة للتأثر بالعامل البيئي من البعض الآخر نتيجة للاختلاف في التركيب الوراثي أو الاختلاف بي بيئاتها الموضعية أو لكليهما، وهذه التباينات الوراثية والبيئية قد تسمح لمجموعة الأفراد بالبقاء رغم تغيرات الظروف البيئية مع الوقت – تلك التغيرات التي يمكن أن تؤدي إلى فناء المجموعة إذا ما كان هناك تجانس في التركيب الوراثي وفي البيئات الموضعية، (جـ) زيادة في تلطيف أثر العامل البيئي حيث يتحول جزء من المجموعة "ب" إلى طور كمون لا يتأثر كثيراً بعدم ملائمة الظروف البيئية. كما يبين الشكل "3" معدلات الموت في مجموعة تعتمد في تغيرها على كثافة الأفراد. يمثل المنحنى (أ) التغير في المجموعة الثانية حيث يكون المعدل ثابتاً عند أي مستوى من الكثافة ويمثل المنحنى (ب) التغير في المجموعة الألى عندما تكون الزيادة في معدل الموت مع التغير في الكثافة منتظمة (علامة خط مستقيم)، ويمثل المنحنى (جـ) المحدب المجموعة الأولى عندما تحد الكثافة من زيادة المجموعة عند عدد محدود من الأفراد، ويمثل المنحنى (د) المقعر المجموعة الأولى عندما تسمح الكثافة بزيادة المجموعة إلى عدد كبير من الأفراد.   - التنوع وإستقرار المجتمع البيئي:  

لماذا يكون عدد الأنواع في مجتمع بيئي أكبر منه في مجتمع آخر؟ بعض المجتمعات، كما في الغابات الاستوائية المطيرة – تتكون من عدة آلاف من الأنواع، بينما تتكون مجتمعات أخرى – كما في المناطق الجافة والمناطقة القطبية – من عدد أقل بكثير. كما قد يتباين عدد الأنواع كثيراً حتى في نطاق محلي، وقد تختلف المجتمعات التي تتساوى في عدد الأنواع من حيث الأهمية النسبية لكل منها (بإعتبار الوفرة أو الكتلة الحية القائمة)، فمثلاً قد يتكون المجتمع من عدد قليل من الأنواع الشائعة وعدد كبير من الأنواع النادرة، وقد لا يحوى المجتمع أي أنواع شائعة ولكن يتكون من عدد كبير من الأنواع متوسطة الشيوعة. لهذا يلزم الأخذ بالاعتبار كل من عدد الأنواع وأهميتها النسبية في تقدير "التنوع" (Species diversity) في المجتمع البيئي، فتزداد قيمته بزيادة كل من عدد الأنواع وبزيادة تكافؤها في الأهمية. ويهمنا هنا أن نتناول العلاقة بين "التنوع" واستقرار المجتمع البيئي.

يختلف التنواع من مجتمع بيئي إلى آخر، وتتميز المجتمعات الأكثر تنوعاً بإحدى الصفات التالية أو جميعها: (1) أن مجال الموارد المتاحة لها كبير، وبالتالي فإن بيئتها تكون متسعة، (2) أن كلا من الأنواع المكونة للمجتمع يستغل قدراً محدوداً من الموارد المتاحة، أي يكون ذو بيئة محدةدة، (3) أن تتداخل متطلبات الأنواع من الموارد تداخلاً كبيراً، مما يعني أن عدداً كبيراً منها يمكنه أن يستغل تلك الموارد، وبالتالي فإن بيئاتها تتداخل. ويمكن أن يعزى التنواع في المجتمع إلى اختلاف المساحات التي تستغلها مجموعات الأنواع سواء على البعد الأفقي أو على البعد الرأسي. أما تباين الأنواع مع الوقت يومياً أو موسمياً – فيساعد على وجود عدد أكبر من الأنواع في نفس الموطن البيئي وبالتالي يؤدي إلى زيادة التنوع. وهناك عامل آخر يؤدي إلى زيادة التنوع، وهو الاختلاف بين الأنواع في أنماط التغذية. فبالإضافة إلى أنّ الأنواع تختلف فيما بينها في المستويات الغذائية (كالعواشب والقوارت واللواحم) هناك اختلافات دقيقة على جانب من الأهمية بين الأنواع ذات المستوى الغذائي الواحد. وعلى سبيل المثال، فالمفترسات التي تنتمي إلى أنواع مختلفة والتي تعيش في نفس الموطن البيئي قد تميل إلى التغذية على فرائس مختلفة الأحجام والأشكال، وكذلك فإنّ الاختلاف في المحتوى الكيميائي للنباتات يهيئ اختيارات عديدة من غذاء العواشب. ويلخص بيانكا (Pianka)أهم النظريات التي اقترحت لتفسير الاختلافات في التنوع بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد فيما يلي: 1- مدة التطور: تفترض هذه النظرية أنّ التنواع يزيد بزيادة عمر المجتمع، وعلى ذلك يمكن القول بأنّ المجتمعات بالمناطق الاستوائية أغنى في أنواعها من المجتمعات بالمناطق البعيدة عن خط الاستواء لأنّ الأخيرة لم يمضي عليها الوقت الكافي منذ العصر الجليدي الأخير لتتكيف مع الظروف البيئية ولتستكمل قدرتها على تكوين أنواع جديدة لملى الفراغات البيئية، وذلك بعكس المجتمعات الاستوائية الناضجة التي مضى عليها وقت طويل دون أن تتعرض لاضطرابات بيئية ذات بال. 2- مدة النشاط البيئي: وهي المدة التي أتيحت للأنواع لتقدي نشاطاتها المختلفة في عملية التعاقب لشغل الفراغات البيئية، كالمدة اللازمة لانتثار نوع ما للوصول إلى فراغ بيئي. 3- ثبات عوامل البيئة (خاصة عوامل المناخ): أي عدم تغيرها كثيراً من فصل إلى آخر. 4- إمكانية التنبؤ (Predictability) بعوامل البيئة (خاصة عوامل المناخ): رغم التغيرات في العوامل المناخية مع الوقت، إلا أن ظواهرها في بعض المواطن البيئية قد تتكرر في فترات زمنية (يومياً أو موسمياً أو سنوياً) بنمط معين، بحيث يمكن التنبؤ بها، في مثل تلك المواطن، قد تكتسب الأنواع تكيفاً يتيح لها القدرة على المعيشة تحت ظروف المناخ في فترة زمينة محددة، وبذلك يمكن لتلك الأنواع أن تتبادل الموطن البيئي في فترات زمنية متعاقبة، وهذا هو البعد الزمني للتنواع. ومن أمثلة تلك الأنواع بعض الهوائم النباتية التي تكيفت لظروف بيئية يتكرر حدوثها بانتظام كل عام، وكذلك نباتات صحراء أريزونا التي تكيفت لفصلين مطيرين أثناء الستة – أحدهما في الشتاء والآخر في الصيف، بحيث تتميز أنواع النباتات الحولية مجموعتين، مجموعة لاتنبت بذورها إلا في درجات الحرارة المنخفضة، ومجموعة لاتنبت بذورها إلا في درجات الحرارة العالية. 5- التباين مع المساحة: بعض المواطن البيئية تتباين ظروفها البيئية المحلية بحيث تتميز إلى عدد كبير من البيئات الدقيقة. تلك المواطن تستوعب عدداً من الأنواع أكبر من تلك التي تستوعبها المواطن التي لا تتباين ظروفها البيئية المحلية بدرجة محسوسة. 6- الانتاجية: تتيح المواطن البيئية ذات الموارد الغذائي الغنية بدائل أكثر لغذاء الأنواع، ويؤدي ذلك إلى درجة أعلى من التخصص في أنماط التغذية، وعليه فإن كلا من الأنواع يستغل قدراً محدداً من المجال الغذائي الكبير، وبالتالي فإن تلك المواطن يمكن أن تستوعب عدداً أكبر من الأنواع. 7- ثبات الانتاج الأولى (النباتي): كلما كانت المواطن البيئية ذات انتاج نباتي ثابت ومضمون كلما اتسع المجال لتعايش عدد كبير من الأنواع، وبخاصة تلك التي يمكنها أن تعادل التغيرات في العوامل البيئية الطبيعية (كالمناخ) بالتكيف أو بالقدرة على التخزين. 8- التنافس: تزداد حدة التنافس في المجتمعات الغنية بالأنواع. في تلك المجتمعات تصل أحجام الأفراد عادة إلى حدها الأقصى، ويكون لكل نوع دائرة محدودة من أفضليات الغذاء والمكان، بذلك تكون الفرصة مهيئة لتعدد الأنواع. ذلك على عكس المجتمعات قليلة التنوع (كما في المناطق الجافة) حيث لا تصل أحجام الأفراد عادة إلى حدها الأقصى ولا يكون الموطن البيئي متشبعاً بالأفراد، ويكون التنافس بينها طفيفاً، وفي تلك المجتمعات يكون تأثير العوامل الطبيعية (غير البيولوجية) أكبر من تأثير العلاقات المتبادلة بين الأنواع والأفراد، ويكون الانتخاب لصالح الأنواع القادرة على التكاثر السريع. تلك الأنواع تكون ذات مدى واسع للتحمل، وذات مجال واسع للوجود البيئي. 9- التخلخل: يشير التخلخل إلى الفقد المستمر للأفراد في المجتمعات التي تتسم بقلة الكثافة، حيث لا يمكن أن يعزى ذلك الفقد إلى التنافس الذي يحدث نتيجة لزيادة الكثافة، فهذه النظرية إذا هي في الواقع بديل عن نظرية التنافس حيث يكون المجتمع غير مشبع بالأفراد. فقد تلعب اليوانات المفترسة على سبيل المثال دوراً هاماً في خلخلة الفرائس بإزالة بعض أفرادها اختيارياً أو عشوائياً، وبذلك تقلل من حدة التنافس بين تلك الأفراد وبين أنواعها المختلفة، أي أن تلك الحيوانات المفترسة تكون سبباً في إمكان التعايش بين الأنواع والأفراد التي يمكن أن تفقد عن طريق التنافس إذا لم تقم تلك الحيوانات بذلك الدور. ومن الواضح أن جميع هذه العمليات لا تتم بمعزل عن بعضها البعض، بل إن أغلبها يتم في وقت واحد ويؤدي إلى تحديد التنوع في المجتمع وبالطبع فإنّ الأهمية النسبية لكل عملية تختلف من مجتمع إلى الآخر. ويمكن إضافة ان استقرار المجتمع البيئي قد يزداد مع تعدد الحلقات الغذائية بين الأنواع ومع التوزيع المتكافىء للطاقة بين تلك الحلقات أثنا تدفقها في السلاسل الغذائي فالمجتمع ذو الحلقات الغذائية المتعددة يهيئ فرصاً أكبر للتوازن بين مجموعات الأنواع وداخل كل منها. إذا ما زادت مجموعة منها في العدد بشكل حاد فإنّ الكائنات المستهلكة (العواشب واللواحم والقوارت) تغير من نمط تغذيتها بالاقبال الاختياري على نوع تلك المجموعة مما يحد من التزايد في اعدادها. وقد ساد اعتقاد بين كثير من علماء البيئة بأنّه كلما كان المجتمع أكثر تعقيداً (من حيث زيادة التنوع والعلاقات المتبادلة بين الأنواع) كلما كان النظام البيئي أكثر استقراراً. قد يكون ذلك صحيحاً، إلا أنّه لا يجب النظر إلى استقرار المجتمع البيئي كمحصلة رياضية للتنوع، إذ أنّ العكس هو الصحيح فالنماذج الرياضية التي تحاكي المنظومات البيئية تتكون من عدد من المعادلات التفاضلية تعبر عن التفاعل بين الأنواع التي تكوّن المجتمع البيئي، وبذلك فلكي تكون المنظومة البيئية مستقرة، كلما تعددت الأنواع كلما كان المدى المتاح لمعاملات التفاعل بين تلك الأنواع ضيقاً. بهذا يمكن القول بأ،ّه إذا كان التنوع واستقرار المجتمع البيئي كما يبدو مرتبطان إيجابياً (زيادة في احدهما تصابحها زيادة في الآخر)، فإنّ معاملات التفاعل بين الأنواع لابدّ وأن تميل إلى أن تقع في حدود ضيقة لازمة للحفاظ على استقرار المجتمع البيئي.   - توازن المنظومة البيئية: تتصف المنظومة البيئية بالقدرة على الحفاظ على بقائها وتنظيم عملياتها، تماماً كما هو الحال في الكائن الحي ومجموعات الأنواع المكونة لها. ويشير "أودم" (Odum) إلى أنّ السبرانية (Cybernetics) (علم الضبط) التي تتضمن بناء نماذج لنظم التحكم، فله تطبيق هام في علم البيئة – خصوصاً بعدما أصبح الإنسان قادراً على التأثير على البيئة واحلال عمليات من صنعه بدلاً من العمليات الطبيعية. ويستخدم لفظ "هوميوستاسيس" أو "نزعة الاتزان" (Homeostasis) للتعبير عن ميل المنظومات البيولوجية إلى مقاومة التغير وإلى الابقاء على توازنها. يتكون نموذج نظام التحكم في أبسط صورة كما يصفه "أودم" من صندوقين، يمثل أ؛دهما جهازاً حسياً (Sensor) ويمثل الآخر جسماً مستجيباً (Effector)، ومن كرة تمثل الكمية المضبوطة (Controlled quantity)، ويتصل الثلاثة بدوائر تمثل الدخل والمردود (الشكل "4") ويعتمد التحكم في النظام على التغذية الاسترجاعية (Feedback) إذا تم استرجاع المردود أو جزء منه إلى الدخل. وعندما يكون هذا الاسترجاع إلى الدخل إيجابياً تربو الكمية المضبوطة، ومثل هذا الاسترجاع الإيجابي ضروري لنمو وبقاء الكائنات الحية. إلا أنّه لكي يتم التحكم – كمنع الزيادة السرطانية في مجموعات الأنواع على سبيل المثال – لابدّ وأن يكون هناك استرجاع سلبي. وعمليات التغذية الاسترجاعية هذه في المنظومات البيولوجية (الكائن الحي والمجموعة والمنظومة البيئية) هي عمليات "الهوميوستاسيس" أو عمليات التوازن. ويتم التوازن في الكائن الحي بالتحكم في عملياته الفسيولوجية. ويتم الاتزان في بعض مجموعات الأنواع بتأثير عوامل تتصل بكثافة أفرادها للتحكم في زيادة أعدادها أو نقصها، ويتم في البعض الآخر بتأثير عوامل لا صلة لها بكثافة الأفراد – أي عوامل غير بيولوجية – مثل عوامل المناخ والتربة كما أوردنا سابقاً. وعلى مستوى المنظومة البيئية فإن عمليات التحكم التي تؤدي إلى توازنها تشمل العمليات التي تنظم اختزان وإطلاق العناصر الغذائي والانتاج وتحلل المواد العضوية، تلك العمليات التي تؤدي إلى دوران المواد وتدفق الطاقة والتي تولد توازناً يتم التحكم فيه داخلياً دون ضوابط خارجية. وهنا يجب أن ننوه بأنّ المنظومة البيئية أقل قابلية للتغير من أي من مكوناتها. كذلك، تؤدي زيادة الاسترجاع الإيجابي بعدها إلى الموت. ويلاحظ أنّ الحد الذي يمثل مستوى التوازن يكون على صورة متدرجة، فإذا ما تعرضت المنظومة إلى شدة من الظروف البيئية، فإنّها رغم التحكم في تأثيرها قد لا يمكنها أن تعود بعد زوال الشدة إلى نفس مستواها السابق، وفي مثل تلك الحالة فإن أي تغير طفيف في ظروف البيئة بعد ذلك قد يكون له آثار بعيدة، كما يجب أن ننوه بأنّ القدرة على التحكم الذي يؤدي إلى توازن حقيقي وجيد لا تكتسبها المنظومة البيئية إلا بعد سلسلة من التنظيم الداخلي أثناء تكوينها في عملية التعاقب البيئي. وعلى ذلك فإنّ المنظومات البيئية الحديثة التي تمثل الأطوار الأولى في التعاقب البيئي، وكذلك معظم المنظومات الزراعية، تكون عرضة للتذبذب بعنف، وتكون أقل مقاومة للاضطرابات البيئية أو تلك التي يحدثها الإنسان، إذا ما قورنت بالمنظومات البيئية الفطرية الناضجة. ويمكن تناول استقرار وتوازن المنظومة البيئية كذلك في ضوء قانون الديناميكية الحرارية الثاني. ينص هذا القانون على أن أيّة عملية تتضمن تحولاً للطاقة لا تتم تلقائياً إلا بتحلل للطاقة من صورة مركزة إلى صورة مشتتة. وعلى ذلك فإن بعض الطاقة في الكائنات الحية لابدّ وأن يتشتت إلى طاقة حرارية غير متاحة، فإنّ التحول التلقائي للطاقة (في صورة الضوء على سبيل المثال) إلى طاقة كامنة (على صورة البروتوبلازم) لا يكون كاملاً مائة بالمائة. والمنظومة البيئية، والكائنات الحية التي تنتظم فيها لها خاصية أساسية، ألا وهي القدرة على اكتساب قدر عال من التنظيم الداخلي والحفاظ عليه، وإحباط الاضطرابات التي قد تحدث فيها بتأثيرات خارجية، وهي في ذلك تصرف جزءاً من الطاقة المتاحة للبناء (كالضوء أو الغذاء) إلى طاقة مشتتة غير متاحة (كالحرارة). والتنظيم الداخلي في الكائن الحي والمنظومة البيئية يكون في صورة بناء كتلة حية معقدة التركيب يتم الحفاظ عليها بإ،فاق جزء من الطاقة في عملية التنفس لإحباط الاضطرابات أوّلاً بأول. وعليه فإنّ النسبة بين التنفس إلى مجموعة الكتلة الحية في مجتمع المنظومة البيئية يمكن أن تعطى مدلولا عن نسبة الطاقة المنفقة في الحفاظ على اتزانها إلى الطاقة المستخدمة في البناء. وعلى مستوى الكائن الحي، كلما كانت كتلته الحية ضخمة كلما كان المنصرف في صيانته كبير، وكلما قل القدر من الطاقة المتاح للبناء. وبالتالي فإن انتاجية الكائن الكبير (في وحدة الوزن) تكون أقل. وفي المنظومات البيئية التي تتحكم فيها أساساً عوامل غير بيولوجية يكون التنواع ضئيلاً على عكس المنظومات البيئية التي تتحكم فيها أساساً عوامل بيولوجية، فإنّ التنواع فيها يكون كبيراً. وبوجه عام فإنّ التنواع يزداد مع نقص نسبة طاقة الاتزان إلى طاقة البناء. وهذه النسبة مرتبطة بالاستقرار في المنظومة البيئية، إلا أنّه ليس من المؤكد إلى أي مدى يكون الارتباط بينهما ارتباطاً سببياً.

في النهاية، يبرز سؤال ذو أهمية عملية: كيف يمكن تقدير مدى الاستقرار وتقييم صلابة أو هشاشية المنظومة البيئية؟ هل يمكن تحديد القياسات والحسابات اللازم اجرائها لمثل هذا التقييم؟ قد يكون ذلك ممكناً في المنظومات التجريبية التي تحتوي على عدد محدود من الأنواع وعوامل يمكن التحكم فيها. وقد أشار هولنج (Holing) إلى إمكان التعبير، بالاستعانة بنماذج المحاكاة الرياضية، من مرونة مثل تلك المنظومات في العودة إلى حالتها الفطرية بعد التعرض للاضطرابات البيئية أو تلك التي يحدثها الإنسان، والمدى الذي يمكن لمجموعات الأنواع أن تتغير في حدوده دون أن ينتج عن ذلك فقدان للتوازن يؤدي إلى التدهور أو التدمير. إلا أنّ الأمريكيون في غاية الصعوبة في المنظومات البيئية الفطرية التي تتسم عادة بقدر كبير من التنوع وعدم ثبات العوامل وتعدد العلاقات المتبادلة بين الأنواع وبين كل منها والوسط البيئي.

* أستاذ علم البيئة – كلية العلوم – جامعة الاسكندرية / مصر.

 المصدر: مجلة التربية/ العدد 95

ويمكن أيضاً قراءة موضوع مفاهيم أساسية في القانون العام لحماية البيئة/ ج1 على الرابط التالي:-

http://www.balagh.com/mosoa/pages/tex.php?tid=1124

ارسال التعليق

Top