• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

آثار الحب في الله

عمار كاظم

آثار الحب في الله

الحبّ في الله تتولد عنه الكثير من حالات الفداء والإيثار العالية التي يؤدي انتشارها في حياة الجماعة المسلمة إلى أن تعيش حياة هانئة سعيدة، وتأريخنا الإسلامي زاخر بأمثلة فريدة لهذه الحالات، ولعلّ التجربة الأولى للمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار هي من أروع تلك الصور وأبرزها وضوحاً، وفي حاضرنا نشاهد الكثير من حالات الفداء والإيثار التي هي من آثار الحب في الله في حياة الجماعة المسلمة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).

الحبّ في الله يؤدي إلى وحدة الموقف والقرار، لأنّ الطبيعة والحالة الواحدة للمشاعر والعواطف ينتج عنها عندما يضاف إليها وحدة الفكر، الموقف الموحد والقرار الواحد. فالحبّ في الله هو فرع عن حبّ الله، فإذا أردنا أن نوجد حالة الحبّ في الله وننميها في الحياة الاجتماعية ينبغي أن نسعى لإيجاد حالة حبّ الله في هذه الحياة ونستمر في تنميتها ليكون الحبّ في الله قد ولد كنتيجة طبيعية لحبّ الله، فيحتل موقع القاعدة التي تتولّد عنها كلّ تلك المشاعر والعواطف والأحاسيس الإسلامية التي تجسّد حالة الحبّ في الله في الحياة. قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مناجاة المحبين: «إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولاً، يا مُنى قلوب المشتاقين، ويا غاية آمال المحبين أسألك حبّك وحبّ مَن يحبّك وحبّ كلّ عمل يوصلني إلى قربك وأن تجعلك أحبّ إليّ مما سواك، وأن تجعل حبِّي أيّاك قائداً إلى رضوانك وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك». وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «قال الله عزّوجلّ لداود: أحببني وحبّبني إلى خلقي. قال: يا رب! نعم، أنا أحبك، فكيف أحبّبك إلى خلقك؟ قال: اذكر أياديّ عندهم، فإنّك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني».

أوحى الله تعالى إلى نبيِّه موسى (عليه السلام): «أحببني وحبِّبني إلى خلقي. فقال موسى: يا ربِّ! إنّكَ لتعلم أنّه ليس أحد أحبّ إليَّ منكَ، فكيفَ لي بقلوبِ العباد؟ فأوحى الله تعالى إليه: ذَكِّرهُم نَعمَتي وآلائي، فإنّهم لا يذكرون مني إلا الخير».

إنّ الحبّ حالة متبادلة بين العبد وربّه سبحانه، فالعبد عندما يحب الله ويقبل إليه ويسير في هداه سوف يحبه الله ويصحح سيره ويطهره من كلّ ما هو عالق به من أرجاس الانحراف عن هدى الله. قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31). إنّ هذا الإحساس الصادق النظيف إنّما هو أساس العلاقة المتينة بين الإنسان المؤمن وخالقه العظيم.. إنّ الله سبحانه وتعالى هو أهلٌ للحب المطلق، لأنّه سبحانه يتميز بكلِّ صفات الكمال المطلق.. وهو على كلِّ حال يبادلُ الحبَ حباً.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54).

ارسال التعليق

Top