• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ما الذي نتعلمه من المِحَن؟

ما الذي نتعلمه من المِحَن؟

◄قد تُشكل فرصة لإعادة اكتشاف الذات

أزمة عاطفية، فقدان العمل، مرض خطير، وفاة عزيز.. كلها مِحَن يمكن أن تجعل المرء حساساً وهشّاً، لكنها في الوقت نفسه تشكل فرصة لإعادة اكتشاف الذات والنظر إليها نظرة مختلفة، هذا إن وَجَد المرء الدعم المطلوب.

كل يوم تسمع سَيْلاً من الأخبار السيئة التي تُغذي إحساسك بعدم الأمام وبالضَّعف. وفي مجتمع يُراهن على الاستهلاك أكثر ممّا يراهن على الروابط الاجتماعية، فإن أكثر ما يُخيف الإنسان اليوم، الفقر وفقدان الوظيفة، على الرغم من أن هناك محناً أخرى مؤثرة مثل هجران الحبيب، أو الإصابة بمرض خطير أو فقدان شخص عزيز.

ويوضح المحلل النفسي أوليفي دوفيل: "كل التجارب الوجودية الكبرى، مهما تكن طبيعتها، تؤدي بالمء إلى حالة من الكآبة الشديدة". لهذا، فعندما نواجه أيّاً من هذه الأزمات، نعود لنصبح من جديد ذلك الطفل الصغير الذي لا يملك أن يدافع عن نفسه، أو ذلك الرضيع الذي يعتمد تماماً لكي يعيش على الآخر، أي الأُم التي تلبّي احتياجاته وتُغذيه.

وفي مواجهة مثل هذه الأزمات، ربما تبدىء في مُساءَلة نفسك وتقول: "مَن الذي يُريدني الآن؟ ما الذي أساويه الآن بعد أن اضطررت إلى الانفصال عن الإنسان، الذي اعتقدت أنني سأقضي معه بقية حياتي؟".

 

يجب التخلي عن التحجُّج بالقَدَر:

منذ ظهورها على وجه الأرض، استعملت الكائنات الحية وسيلتين للدفاع عن أنفسها، إما القتال أو الفرار. ومع تطور الأزمة، استبدل الإنسان بهاتين الوسيلتين وسائل أخرى أكثر عقلانية، ما الذي عليَّ فعله لكي أتجاوز هذه الأزمة؟ أن أحللها أم أن أتجاهلها؟ هل أتهم الآخرين، القدر، المشيئة الإلهية؟ هل أطلب المساعدة؟ هل أنغلق على نفسي؟

وحسب المحلل النفسي أوليفيي دوفيل، فإنّه لمواجهة محنة تُهدّد وجودنا، فإنّ أول شيء ينبغي فعله هو التمييز بين الأمور. فالتسريح من العمل ليس هو انتهاء قصة حب كبير مثلاً. وعلى الرغم من أنّ الإنسان يمكن أن يشعر في الحالتين بالوحدة، أو جرح الانفصال أو مخاوف الفراق". ويضيف: "يجب أن نتوقف عن رمي كل شيء على عاتق القضاء والقدر ونستسلم للأمر، بل يجب أن نجبر نفسنا على إدراك الواقع، وهو أن هناك بالتأكيد أشخاصاً آخرين مَرّوا بالمحنة التي نمر بها. حتى وإن شعرنا بأننا فقدنا قيمتنا بسبب هذه المحنة (فقدان العمل، أو الأصابة بمرض خطير...)، لكن في الحقيقة، نحن نعيش مرحلة تحوّل من وضعية إلى وضعيّة أخرى جديدة. أي أنّ الأزمات الكبرى التي نمرّ بها لا تُقصينا من عالم العمل أو عالم المحبوبين أو الاصحّاء.. بل هي تجارب تُجبرنا على أن نُعيد النظر في أنفسنا من زاوية جديدة، وأن نقوم بتعريف أنفسنا على نحو مختلف.

قولي لنفسك: "هَجَرني حبيبي لكنني لست نفاية، بل إنني ببساطة عدت من جديد إنسانة حرة، أو فقدت عملي لكنني لم أصبح شخصاً عاجزاً عن الإنتاج، بل إنها وقفة لإعادة تقييم الأمور، أو أنا مصابة بالسرطان لكنني لن أستسلم للمرض وليس قدري أن أموت بهذا المرض، لكنني سألجأ إلى الطب وأطلب العلاج.

 

البوح لشخص موثوق:

التسريح من العمل أو الإصابة بمرض خطير أو وفاة شخص عزيز أو الانفصال عن حبيب، ليست كلها سوى مقاطعة لمسار. لهذا، يجب عدم السكوت عن الأمر، يجب التحدث عن هذه الأزمات مع شخص مُقرَّب أو صديق، وخاصة الصديق الذي يعرف أنك لن تنفّذ بالضرورة نصيحته". يقول المحلل النفسي أوليفيي دوفيل.

عَدَا عن الفضفضة للأصدقاء، هناك مَن يختار التعبير بالكتابة، وهو علاج مهم لمن يعانون القلق والحزن، لأنّ الكتابة خلق وإبداع، وهي رَدّ فعل قوي مناسب للأوقات التي نشعر فيها بأنّ الأحداث تُجبرنا على أن نكون سلبيّين. ولأنّ الكتابة ليست موهبة كل الناس وليست الطريقة الوحيدة للتعبير، فإنّه يمكن اللجوء إلى التعبير بالرسم أو حتى مراقبة السماء ليلاً وهي مُزيَّنة بالنجوم، أو المشي أو الجري أو السباحة، فكلها طُرق للتعبير عن اختلافها. لماذا لا يفكر الشخص الذي يصله خبر تسريحه من العمل في الذهاب لقضاء أسبوع في البادية بين أحضان الطبيعية؟ لماذا لا يعتبرها فرصة له لكي يتذكر أن من حقه الاستمتاع بحياته؟

تميل المرأة مثلاً عندما يهجرها الحبيب أو الزوج إلى الاستسلام للكآبة والحزن وإهمال نفسها، في حين أنّ العكس هو ما يجب أن يكون، وما يجب أن يحدث هو أن تهتم بمظهرها وجمالها، وتختبر جاذبيتها لكي تُعيد الثقة إلى نفسها وتحتفظ بحبها للحياة.

 

ردود فعل متباينة:

صحيح أن هناك استراتيجيات دفاعية كونيّة، يتّبعها كل الناس عند مواجهتهم الأزمات لكن، رَدّ الفعل أمام المحَن يتباين من شخص إلى آخر. عندما ينهار أحد الأعمدة الأساسية في حياتنا، سواءٌ أكان ذلك في المجال المهني أم الأسري أم العاطفي، أم حتى فقدان شخص عزيز، فإن ما يتوجب علينا هو أن نبذل مجهوداً داخلياً للتغلب على الحزن. أحياناً، يكون تجاهل حقيقة الفقدان لوقت مُعيّن مفيداً ومُفضّلاً، إذا كان هذا التعامي المؤقَّت عن الحقيقة، يقينا السقوط بين براثن الاكتئاب، وخاصة أنّه من الواضح حسب التجارب المختلفة التي نراها من حولنا، أننا لسنا متساوين أمام مصاعب الحياة. هناك أشخاص نعتبرهم ضعافاً، ولكنهم يفاجئوننا بصمودهم أمام كوارث جَمّة تواجههم. بينما أشخاص آخرون كنّا نعتبرهم أشدّاء رأيناهم ينهارون مثل الأطفال أمامنا، لأن حبيبة هجرتهم أو لأن الموت أخذ منهم شخصاً عزيزاً.

هل هناك سر يفسر لنا لماذا بعض الناس يتحملون المحن أكثر من الناس آخرين؟ يقول المحلل النفسي أوليفيي دوفيل، موضحاً ذلك: "نقابل أحياناً أشخاصاً مُهيِّئين أفضل من غيرهم من الجانب النَّرجسي، فهم يحبون أنفسهم ويثقون بقيمتهم وقُدراتهم، يحملون صورة جميلة عن ذواتهم" ويضيف: "من الخطأ أن نعتقد أن قوّتنا الجسدية وطاقتنا الداخلية تبقيان على حالهما طوال عمرنا. كلا، فكلما تقدم العمر بالواحد منّا، فقد شيئاً من قدرة احتماله وطاقته وقوّته".►

ارسال التعليق

Top