• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في بيتنا مريض نفسي.. ما العمل؟

سعيد شلش (تحقيق)

في بيتنا مريض نفسي.. ما العمل؟

لا مانع من اللجوء إلى الطبيب وبلا خجل

يقول أحدهم: "أنا تعبان نفسياً"، فيرد عليه آخر "وأنا أيضاً". وفي موضع ثانٍ نسمع أحدهم يقول للآخر: "يبدو أن لديك مشكلة نفسية، أنصحك بعرض نفسك على الطبيب". ليست هذه سوى بعض من عبارات باتت تتردد على مسامعنا كثيراً مع تزايد الضغوط النفسية والحياتية التي نتعرض لها. مع هذا، تجدنا ننكر أننا نعاني مشكلات نفسية حتى تتحول المشكلة إلى مرض نفسي.
- مؤشرات تستوجب طلب المساعدة:
1- تغيُّر واضح في الشخصية.
2- عجز عن مواجهة المشاكل والقيام بالأنشطة اليومية.
3- أفكار غريبة مثل هذيان العظمة والإحساس بالإضطهاد.
4- قلق شديد.
5- كآبة وبلادة لفترات طويلة.
6- تغير في نظام الأكل والنوم.
7- التفكير والتحدث عن الإنتحار أو إيذاء النفس.
8- تقلبات مزاجية سريعة.
9- نوبات غضب وعدوانية مبالغ فيها
المرض النفسي، مثل المرض العضوي تماماً، حيث إن كلاً منهما يستلزم مراجعة الطبيب. ومع هذا، فإن أغلبية من يعانون أمراضاً أو مشكلات نفسية، لا يذهبون إلى عيادات الأطباء والأخصائيين إلا في ما ندر، وهو ما تؤكده كلمات المشاركين في هذا التحقيق من أطباء وأخصائيين نفسيين. فكيف نكتشف أن في بيتنا مَن يعاني مرضاً نفسياً؟ هل فكر أحدنا في يوم من الأيام في أن يعرض نفسه على طبيب نفسي؟ أو شعر بأن لديه مشكلة نفسية؟ وكيف ننظر إلى من نعرف أنّه مصاب بمرض نفسي؟ هل نتعامل معه أم نبتعد عنه أم نتأفف منه؟ أسئلة طُرِحت على عدد من الأشخاص، وكانت المواقف والآراء والحقائق الآتية:
- نتيجة:
كان عصام السعد (مهندس) أوّل من التقيناه خلال جولتنا لإنجاز هذا التحقيق، وعندما سألناه عن رأيه في الموضوع، أجاب: "لم أفكر حقيقة في الذهاب إلى طبيب نفسي لأنني لم أمر بمشكلة تستدعي ذلك، وأعتقد أنّ المشكلة النفسية قد تنشأ نتيجة موقف مؤثر أو مؤلم، وأنصح بالذهاب إلى الطبيب النفسي في حالة الإحساس بوجود مشكلة نفسية". ويشير عصام إلى أنّ "هذا ما حدث مع صديق لي كان يعاني الـ"شيزوفرينيا" (ازدواج الشخصية)، إذ إنّه كان يتخيل نفسه أحياناً عظيماً جدّاً، فطلبنا منه أن يعرض نفسه على طبيب نفسي، وقد قام بذلك بالفعل، وتماثل للشقاء في غضون ستة شهور".
- أزمة عاطفية:
بدورها، تروي زينب الشايب (محللة برامج) تجربتها الشخصية مع المرض النفسي فتقول: "تعرضت لأزمة عاطفية، وكانت أوّل تجربة لي، دخلت على أثرها في حالة غريبة من التطرف في المأكل والنوم ونحوهما، إذ كنت لا أتناول سوى وجبة واحدة في اليوم وأنام نحوا 12 ساعة يومياً. وبينما لم أكن أتحدث مع أحد تقريباً كنت أكتب رسالة مطولة يومياً لصديقتي الوحيدة التي تسكن في مدينة أخرى". تضيف: "مع الوقت، وبانغماسي في العمل ولجوئي إلى الصلاة والصيام، تجاوزت هذه الحالة التي لم تكن سوى إكتئاب حاد، وحمدت الله لأنني لم ألجأ إلى العلاج النفسي".
- جعلوني مريضاً:
ويبدو أن لدى مها منير (محاسبة)، تجربة مشابهة تتحدث عنها، وتقول: "منذ سنوات عدة استسلمت أختي لوهم الوساوس القهرية، وأثّر ذلك في ابنها الأكبر، فبدأ يقوم بسلوكيات كان ممكناً اعتبارها عادية بحكم أنّه مراهق وكان يمكن إحتواؤها. لكن، نتيجة لأنّ الأُم نفسها كانت تعاني خللاً نفسياً، فقد سارعتْ إلى التعامل مع الأمر على إعتبار أن ابنها مريض نفسياً ولا سبيل لعلاجه، حتى تحول بالفعل إلى مريض نفسي مستمتع بمرضه مثلما تفعل أُمّه".
- أسوأ تجربة:
أمّا سهام الجمل (مديرة حسابات)، فتقول: "تعرضت لأزمة نفسية بسبب مشكلة معيّنة مررت بها في حياتي، ولجأت إلى العلاج فنصحني الطبيب بدخول المصحة فوافقت، حيث قضيت ثلاثة أيام كانت أسوأ أيام حياتي، علماً بأني ندمت كثيراً على التجربة لأنّها زادت من حدة مشكلتي وسببت لي كثيراً من المشاكل الجسدية نتيجة لما تعرضت له من جلسات علاج كهربائية وأدوية". تضيف: "لا أنصح أبداً باللجوء إلى العلاج النفسي من هذا النوع".
- لا عيب:
من ناحيته، يرى محمد باسودان (مضيف جوي) أنّه "ليس من العيب أن يقصد الإنسان طبيباً نفسياً إذا شعر بأن لديه مشكلة وبأنّه في حاجة إلى مساعدة متخصصة، فهو مثلما يذهب إلى طبيب الصحة أو القلب عندما يعاني مشكلة عضوية، عليه أن يذهب إلى طبيب نفسي عندما يشعر بأن لديه مشكلة نفسية". لكنه يشير إلى أنّ "المشكلة تتجلى في أنّه قد يكون الإنسان مصاباً بمرض نفسي من دون أن يدرك ذلك، وهذا يحدث في كثير من الأحيان، وفي هذه الحالة يتعين على المحيطين به أن ينصحوه بعرض نفسه على طبيب نفسي".
- هناك فرق:
فارق كبير يراه أسامة محمود (موظف) "بين من لديه مشكلة نفسية ومن يعاني مرضاً نفسياً"، لافتاً إلى أنّه "من الممكن أن يمر الإنسان بمشكلة نفسية ويتأثر بها لفترة من الوقت ولا يستطيع أن يسيطر على إنفعالاته، فكل شيء خارج عن إرادته". ولكنه يعود ليشير إلى أنّ "هذه الحالة تزول بمجرد أن تنتهي المشكلة. أمّا المرض النفسي، فلا يستطيع أن يسيطر على نفسه ولا إنفعالاته، ويميل إلى العزلة وتبدو عليه علامات الإكتئاب.
- كلنا مرضى نفسيون:
بدوره، يشجع لؤي النجار (محاسب في أحد البنوك) "أي شخص على أن يعرض نفسه على طبيب نفسي، في حال كانت لديه مشكلة نفسية قبل أن تتفاقم حالته وتتحول إلى مرض". ويلفت إلى أنّه "مع زيادة ضغوط الحياة، تنشأ المشكلات النفسية". ويقول: "علينا أن نعترف بأننا كلنا مرضى نفسيون". يضيف: "أقول هذا على الرغم من أنني لم أفكر يوماً في عرض نفسي على طبيب نفسي لأني لم أمر بهذه الحالة".
- لا مانع:
ويتفق علي مكي (مترجم) مع ما ذكره لؤي، مضيفاً: "لا مانع من أن يعرض الإنسان نفسه على الطبيب لو كانت لديه أعراض مرض نفسي. فالمرض النفسي له علاج مثل المرض العضوي، ولا شك في أنّ المبادرة إلى طلب هذا العلاج مبكراً أفضل بكثير من الإنتظار حتى يتفاقم المرض".
من جهتها، تؤيد قمر خليل (موظفة مبيعات) الرأيين السابقين، وتقول: "ليس من العيب أبداً أن أعرض نفسي على طبيب نفسي إذا شعرت بأن لدي مشكلة، فلا ضير في هذا". تضيف: "على الرغم من أن نظرة البعض إلى المريض النفسي نظرة سلبية في كثير من الأحوال، إلا أنني أنصح بأن يتعامل الإنسان مع مشكلته بالأسلوب الصحيح بغض النظر عن نظرة الآخرين تجاه كل من يذهب إلى عيادة الطبيب النفسي".
- خارج المنطق:
في المقابل، كيف يرى الطبيب أو الأخصائي النفسي حجم المشكلة؟ وكيف تكتشف الأسرة إصابة أحد أفرادها بمرض نفسي؟
تقول الطبيبة النفسية الدكتورة سامية أبل: إنّه "من خلال الحوار والملاحظة، نستطيع أن نرصد كلام الشخص ونتحقق مما إذا كان منطقياً وعقلانياً أو خارج المنطق والعقل". وتشير إلى أنّه "من ناحية الملاحظة كسلوك عام، تجد أن من لديه مرضاً نفسياً، يضحك من دون سبب، أو يحرك رأسه كأنّه يتحدث مع شخص آخر، أو يحرك شفتيه بلا معنى، ويكون رد فعله على بعض المواقف أكثر من الفعل ذاته. وهذا يدل على أنّه يعاني خللاً نفسياً أو أن عليه ضغوطاً نفسية". تضيف: "في حالة الضغط النفسي البسيط، يمكن تجاوز الحالة بتجاوز الموقف الذي أدى إلى حدوث المشكلة حتى لا يتحول إلى مرض نفسي. ولكن، عندما يعجز عن السيطرة على الحالة وتتأثر حياته وحياة أسرته وعمله ووضعه الإجتماعي، فهو يكون في حاجة إلى مساعدة طبية لأنّه مريض نفسي". وتوضح الدكتورة سامية أن "كل الناس الطبيعيين يمرون بضغوط نفسية تتمثل في حالات الإكتئاب والقلق الزائد على اللزوم والوسوسة من أمور معيّنة، وهذه قد تكون ضغوطاً طبيعية إذا مر بها الإنسان وتجاوزها من دون أن تؤثر في حياته. أمّا إذا أثرت في حياته، سواء من ناحية العمل أم الأسرة، ففي هذه الحالة يحتاج إلى العرض على طبيب نفسي".
- النفسي والعضوي:
وترى د. أبل "أنّ النفس تمرض مثل الجسد تماماً، وتظهر عليها أعراض المرض، وفي بعض الأحيان تكون الأمراض العضوية أو الجسدية نتيجة مرض نفسي مخبأ، ولكنها تظهر في صورة أعراض جسدية، خاصة في المجتمعات الشرقية، لأنّ الناس لا يقدرون على التعبير عن مشاعرهم بشكل جيِّد، فنجد الشخص يقول (أشعر بألم) ولكنه لا يقول (أنا تعبان نفسياً)، بخلاف الغرب، لأنّ الناس هناك يعبرون عن مشاعرهم بصراحة". تتابع: "تكمن المشكلة في أنّ الوعي لدينا غائب، وأنا أعرف حالات هنا في مجتمعنا تعاني أشد المعاناة، ولا ترغب الأسرة في عرض ابنها على الطبيب النفسي أو الذهاب به إلى القسم النفسي في المستشفى، لأنّه بالنسبة إليهم قسم المجانين، فهم يخافون من هذه الفكرة، ومن نظرة الناس، وهذا هو دور الإعلام لتوضيح الصورة للمجتمع".
وتقسّم الدكتورة سامية الأمراض النفسية إلى قسمين، هما: الذهانية والوجدانية. وتوضح أنّه "في الحالة الذهانية، يكون الشخص فاقداً البصيرة، ولا يعرف أنّه مريض، ولكن الناس يلاحظون ذلك عليه. أمّا الوجدانية أو (العصابية) فإنّ الشخص يشعر فيها بأن لديه مشكلة، وهذه المشكلة إما شديدة جدّاً أو متوسطة أو بسيطة".
- إنذار للإنتباه:
من ناحيتها، تضع الأخصائية في مجال علم النفس الإكلينيكي آمنة المطوع حدّاً فاصلاً بين السمات الشخصية والمرض النفسي، ومتى يمكن القول إنّ هذه سمة شخصية لدى الفرد، أو أنّ هذا الشخص مريض نفسي، موضحة أن "كل فرد يتميّز بسمات معيّنة، ولكن أي زيادة أو وجود إنحراف سلوكي ما لدى الفرد، يعدُّ بمثابة إنذار للإنتباه والإحتراز لوجود مشكلة معيّنة تستوجب تدخل الأخصائيين النفسانيين". تضيف المطوع: "هنالك مؤشرات يمكننا من خلالها الإستدلال على الإنحراف السلوكي وإتجاهه إلى المرض النفسي، حيث إنّ المصاب بالمرض النفسي، أو النفسي العصبي، وهو شخص قل أن يتميز سلوكه الإجتماعي وشخصيته بالشذوذ، إلا أن سلوكه هذا الذي يبدو طبيعياً، هو مختلف في الحقيقة عن الميول الداخلية أو الإتجاهات النفسية الخفية عن أعين الناس". تتابع: "الواقع أنّ المريض النفسي يقاد من قِبَل قوى غامضة ومتسلطة لا سلطان له عليها، وتلك هي الحالة في العقدة النفسية مثلاً، أو في حالة الخوف المرضي اللاطبيعي من الكلاب أو الظلام، أو من الماء أو من النار أو من الأماكن الفسيحة أو الأماكن الضيقة أو العالية".
توضح آمنة المطوع أن ما يميز المريض النفسي عن الآخرين "هو عدم تلاؤمه مع بيئته. فهو يعجز عن أن يتلاءم مع حقله الإجتماعي، أي مع واقعه ومحيطه وعمله وما شابه، فهذا الصراع الإنفعالي بينه وبين واقعه هو سبب المرض النفسي، وهنا تبرز متاعب المريض وآلامه وعدم تلاؤمه وصراعاته مع مجتمعه، ونتيجة لذلك نرى المريض يفتش عن حل للتلاؤم والتكيف، فنجد ذلك في محاولات توفيقية كأن يهرب مثلاً إلى النوم، أو كالنكوص إلى الطفولة، أو الإنهزام، أو إلى حلول سلبية، بخلاف السمات الشخصية لديه".
- مشكلة نفسية:
تلفت المطوع إلى وجود فرق شاسع بين المرض النفسي والمشكلة النفسية وتقول: "يخطئ الناس في الخلط بين الاثنين، والسبب في ذلك يرجع إلى ضعف الثقافة النفسية لدى أفراد المجتمع، إضافة إلى قلة البرامج التوعوية التي تُعني بالتثقيف النفسي والإجتماعي، وغياب الحوار عن المشاعر والأحاسيس والأمور الشخصية بين أفراد الأسرة، إذ إنّ المرض النفسي يكون سمة لازمة ودائمة، أي أنّ المريض النفسي والمصاب بإضطرابات نفسية، غالباً ما تظهر عليه أعراض المرض فوق السن 18 للإناث والذكور على حد سواء، إلا في بعض من أنواع الإضطرابات التي تكون خاصة بجنس محدد دون الآخر". تضيف: "إنّ "المريض النفسي يكون في حاجة إلى علاج دوائي وسلوكي محدد حسب نوع الإضطراب الذي تم تشخيصه من قِبَل الطبيب النفسي. في حين أنّ الذي يعاني مشكلة نفسية، فإنّه قد يقدر على تجاوز هذه المشكلة إما بمفرده أو بمساعدة أفراد آخرين"، وإن كانت تنصح باللجوء إلى الأخصائي أو المستشار النفسي لطلب المشورة والمساعدة. وتوضح المطوع الفرق بين السمة الشخصية والمشكلات النفسية، وتقول: "الفرق واضح بينهما، حيث إنّ المشكلة النفسية تحدث عند مرور الشخص بأي معضلة في حياته، ويصبح غير قادر على التحكم في مشاعره وإنفعالاته، فيصاب ببعض الأعراض النفسية أو المشكلات، مثل القلق والتوتر والخوف ونحوها". تضيف: "أمّا السمة الشخصية، فهي صفة ملازمة للشخص وتُعتبر طابع هوية للفرد يميزه عن الأفراد الآخرين، فنحن نقول على سبيل المثال عن أحد الأشخاص إنّه "عصبي"، نظراً لتكرار عصبيته حتى باتت تعد صفة ملازمة له، أو نقول إنّ هذا الشخص "خجول"، وذلك لوجود سمات الخجل ظاهرة عليه، خاصة عند مقابلة الأفراد الآخرين". وتتابع موضحةً: "في الواقع، لا يوجد معيار محدد نحكم به على سمات الآخرين، ولكن الأصح أن نقول إنّ هذا الشخص يتسم بسمات العصبية مثلاً أو بالخجل، حتى لا نقع في دائرة الحكم على الآخرين، أو ندخل في دائرة تبويب السمات أو الأمراض النفسية. ولكن يمكن أعتبار سمات معيّنة، مثل الخجل والعصبية بمثابة مشكلة في حال كانت هذه السلوكيات تشكل عائقاً أمام الفرد للتواصل مع الآخرين، فهي تُعتبر هنا مشكلة نفسية ولابدّ من إيجاد حل لها، إضافة إلى أن وجود سمة العصبية الزائدة والخجل المبالغ فيه وغير المبرر مؤشر إلى وجود إضطراب نفسي ما".
- صعوبة الجزم:
وتؤكِّد المطوع أنّه "يصعب الجزم بأنّه يمكن تشخيص حالة الإنسان، بإعتباره مصاباً بمرض نفسي من مجرد الرؤية وملاحظة مظهره الخارجي. لذلك، لا يوجد معيار للحكم عليه سوى ملاحظة سلوكياته والأعراض التي تنتابه، إضافة إلى وجود تشخيص طبي مسبق أو تاريخ مرضي يفيد بإصابته بمرض نفسي معيّن". وتشير إلى أنّ "المرض النفسي هو مرض كأي مرض آخر، ولكنه يختلف بوجود أعراض معيّنة وسمات لازمة محددة تظهر على الشخص من عمر 18 سنة وتلازمه طوال فترة حياته ولذلك، يحتاج المريض النفسي إلى المتابعة الطبية، وإستمرار تناول الأدوية المصوفة له من قِبَل الطبيب النفسي، وإنقطاعه عنها يؤثر في وظائف المخ، وبالتالي في المشاعر والسلوك وفيزيولوجية ووظائف الجسد". تضيف: "يجدر بي القول إنّ هناك أمراضاً نفسية لها أثر سلوكي وفيزيوروجي محدد، ونسميها أمراض الـ"سيكوسوماتيك" أو (إضطرابات النفس جسمية)، والتي نعني بها وجود علل أو أمراض جسدية، لا يوجد لها تفسير طبي ويكون الجانب النفسي هو المسؤول عن حدوثها، مثل حدوث الشلل المفاجئ من دون وجود سبب جسدي لحدوثه، وآلام في المفاصل وصداع، وخاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون مشكلات عاطفية".
- سلوك غير سوي:
من جهتها، لا تجد موجهة علم النفس عائشة محمد الظاهري أن "هناك صعوبة لدى الأسرة في كشف سلوك غير سوي لدى أحد أفرادها. فالسلوك غير السوي هو الذي لا يتناسب مع السلوكيات المعتادة التي تعود عليها الناس، والشخص الذي نعتبر أنّه يعاني مرضاً نفسياً هو الذي يتصرف بطريقة لا يتصرف بها الإنسان العادي، كأن يبكي أو يتعصب بشكل مفاجئ. ومن سمات المريض النفسي، القلق الدائم والتفكير الزائد والهلوسات". ورداً على سؤال حول وعي المجتمع بخطورة الأمراض النفسية تقول الظاهري: "إنّ مستوى الوعي بالأمراض النفسية في المجتمع بدأ يزداد، وبدأ الناس يشعرون بأهمية الذهاب إلى الطبيب والأخصائي النفسي".تضيف: "لكن، تبقى المشكلة في حال كان الشخص لا يعي أنّه يعاني مرضاً نفسياً، وهذه الحالة تحدث دائماً مع المريض العصابي، والمريض بداء العظمة وتفكك الشخصية، إذ يكون في النهار شخصية وفي الليل شخصية أخرى، كما أنّه يعاني إضطراباً في التفكير". وتشير الظاهري إلى أن "أهم شيء في علاج المرض النفسي، يتجلّى في ضرورة أن يعي الشخص مشكلته، فالعلاج سيكون أسهل إذا جاء الشخص من تلقاء نفسه يشكو أن لديه مشكلة نفسية، بخلاف الأمر عندما تجبره الأسرة على مراجعة طبيب نفسي". وتحذر عائشة الظاهري من أنّ "الخطر الأكبر يكمن في عدم التفريق بين المشكلة والمرض النفسي. فالمشكلة قد تكون مؤقتة وناتجة عن أسباب نفسية أو إجتماعية وتنتهي بإنتهاء السبب. على سبيل المثال إذا خسر شخص في تجارته مثلاً، تحدث لديه مشكلة نفسية ويعاني القلق والإضطراب. ولكن، إذا كان الشخص يتمتع بصحة نفسية جيِّدة، فإنّ هذه المشكلة النفسية تزول بمجرد إنتهاء المسببات". وتشير إلى أنّ "هذا يعني أنّ الصحة النفسية الجيِّدة، هي التي تحسم تعامل الشخص مع المواقف، والحيلولة دون تحولها إلى مرض نفسي. أمّا إذا كانت الصحة النفسية غير جيِّدة، عندها تتحول المشكلة إلى مرض نفسي يحاصر الشخص ويؤثر فيه وفي المحيطين به".
- طلب المساعدة:
وفي السياق نفسه، تدعو الأخصائية النفسية سهير عوض الله إلى "ضرورة أن يهتم الإنسان العربي بعرض نفسه على الأخصائي أو الطبيب النفسي، والذي يسمى في الغرب المستشار النفسي، ليستشيره بشان أي مشكلة نفسية يمر بها ويستمع لنصيحته، لأنه قد يكون لا يعاني مرضاً نفسياً، ولكن فقط يحتاج إلى مشورة علمية متخصصة تساعده على إيجاد الحل، خصوصاً أنّ الإنسان الذي يعيش المشكلة ربّما تختلط عليه الأمور ولا يستطيع تشخيصها بالطريقة السليمة، ولكن الأخصائي بما لديه من رؤية أوسع وأشمل يستطيع أن يقود المريض إلى الحل السليم". تضيف: "قد تأتي إلينا إمرأة ما وتشكو من أنها غير طبيعية، أو تأتي أم أخرى لتشكو من أن ابنها أو ابنتها غير طبيعية، وهنا يكمن دوري كأخصائية، وهو يتجلى في أن أميز بين المشكلة والمرض النفسي، فكل مرض نفسي له أعراض، سواء أكان إضطراب الشخصية أم الـ"شيزوفرينيا"، وكل منهما لديه أعراض محددة لا يعرفها إلا أصحاب التخصص، وأنا كمتخصصة أستطيع أن أحدد ذلك". وتقول: "في حالات أخرى، قد يكون الشخص عصبياً ولا يستطيع أن يسيطر على نفسه، وهذه الحالة تحتاج إلى إرشاد سلوكي وليس إلى علاج نفسي، أي أنّه لا يحتاج إلى دواء ولكنه يحتاج إلى خطوات يحددها الأخصائي النفسي. كما أن هناك حالات أخرى قد تعاني الوسواس القهري الذي لا يعد مرضاً نفسياً، بل هو مرض سلوكي أو عصبي. فالأمراض النفسية هي التي تحتاج إلى طبيب نفسي، ولكن الأمراض العصبية هي التي تحتاج إلى علاج سلوكي".
- زواج المريض النفسي:
"من النظرة العامة إلى الإنسان نستطيع أن نعرف ما إذا كان يعاني خللاً نفسياً أم لا" تقول الأخصائية النفسية فاطمة راشد، التي تؤكد أنّ "الشخص الذي يعاني خللاً نفسياً يتضح ذلك من خلال تصرفاته وطريقة كلامه غير المترابط، فعندما يكون مع مجموعة من الأصدقاء، يتحدث وكأنّه يعيش في وادٍ والجميع في وادٍ آخر. وهذه الحالة تستدعي عرضه على الأخصائي والطبيب النفسي، لأنّه الوحيد القادر على تشخيص الحالة وتحديد ما إذا كان يعاني مشكلة نفسية أم مرضاً نفسياً". وتقول: "علينا ألا ننسى أنّ للوراثة دورها في هذا الموضوع، وهذا يذكرنا بأهمية السؤال عن الشاب عندما يتقدم للزواج بفتاة. فمعرفة التاريخ النفسي للعائلة لا يقل أهمية عن معرفة تاريخها الطبي".
نسألها: إذا كان الزواج هدفاً مشروعاً لكل شاب وفتاة، فإنّ السؤال الذي يتكرر دائماً على ألسنة أهالي المرضى النفسيين هو: هل يتزوج المريض النفسي أم لا؟ وماذا بشان إحتمالات إنتقال المرض إلى أبنائه بالوراثة؟ تجيب راشد قائلة: "بعض المرضى النفسيين من الممكن أن يتزوجوا. ولكن أصحاب الأمراض المزمنة، كالفصام على سبيل المثال، من الصعب عليهم تحمل مسؤوليات أنفسهم. فما بالنا بتحمل مسؤوليات الزواج وتكوين أسرة؟"، لافتة إلى أنّ "الفصام هو أعلى درجات المرض النفسي، وهناك نوع آخر يعاني "ثنائي القطبية" وهو نوع من أعراض الإكتئاب أو الهوس، وهذا يستطيع الزواج والعمل".

ارسال التعليق

Top