• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حاجة الطفل إلى الرياضة

حاجة الطفل إلى الرياضة

لا يشك أحد في قيمة وأهميّة الرياضة للجسم، فالمختصّون في مجال الطب، ما فتئوا يدعون إلى ممارستها، سواء بالنسبة إلى الصغار أو الكبار، فهي جزء من الوصفة العلاجية التي يقدّمها الأطباء لمرضاهم. ومع التحولات التي تعرفها المجتمعات الحديثة، بات تذكير الأطفال بأهميّة اللعب من أساسيات بناء جيل المستقبل، ليكون مُعافى من كلّ عيوب بدنية وذهنية.

اللعب نشاط حركي إنساني غرضه ماثل للجميع وبيِّن، له قيمة في حدِّ ذاته، يأخذ شكلاً ومضموناً مختلفين باختلاف عمر الفرد. واللعب يعمل على تحقيق فوائد وأغراض تختلف من مرحلة عمرية إلى أُخرى. ويتجلّى اللعب حين نمارس أنواعاً مختلفة من الرياضة، سواء كانت فردية أو جماعية.

كلمة رياضة مشتقة من أصل لاتيني، وهي تدلّ على معنى اللعب، أو التسلية.

أمّا في اللغة العربية، فإنّها مشتقة من أصل «راض» بمعنى رض المهر رياضاً ورياضة، أي طوَّعه وكيَّفه. ومن هذين المنطلقين، نلمس اختلافاً بين النظرة العربية العلمية والنفعية، أي الجادة والهادفة للرياضة، وبين النظرة الغربية، التي كتب لها النجاح في عصرنا، والتي ترى أنّ الرياضة هي اللعب.

واللعب، كما نعرف، فاعلية إنسانية واسعة ذات جذور راسخة في الطبيعة البشرية، حتى حسب بعض المفكرين أن في وسعهم أن يميزوا ضمن هذه الطبيعة، مثلما يميّز الاقتصاديون الإنسان الاقتصادي، والاجتماعيون الإنسان الاجتماعي. ويعد اللعب شكلاً من الأشكال الرياضية في الحياة، وعنصراً أساسياً في معرفة الإنسان لنفسه وللآخرين، ويمارسه الصغار في سن مبكرة.

- أهميّة الرياضة:

إنّ اللعب يجد أهميّته في تطوّر نفسية الطفل، ونضج جسده، واكتمال تنشئته الاجتماعية، وذلك خلال مراحل نموه الحركي كافة.

ويحتاج الطفل في جميع مراحل نموه إلى الحركة والنشاط البدني، ذلك أنّ اللعب عند الأطفال هو السبيل الوحيد لحرّيتهم وسرورهم. إنّه المعمل الوحيد، الذي يجري فيه الطفل تجاربه، وهكذا، فالنشاط البدني جزء أساسي من حياة الطفل، واللعب يزيد خبرات الطفل، ويدرّبه على السلوك السوي، كما يوفّر اللعب الفرص العظيمة لإظهار مواهب الأطفال الشخصية والأخلاقية والاجتماعية. واللعب هو، الذي ينمي الجسم، ويؤثِّر في نشاط العقل وفي تهذيب السلوك.

إنّ الطفل الذي يلعب يتمتّع بجسم صحيح وسليم، ويكون اجتماعياً لأنّ اللعب في حدِّ ذاته ليس سوى مظهر من مظاهر ميل الطفل إلى الاجتماع والاختلاط مع الغير، وحين يلعب مع أقرانه، يتعلّم النظام والطاعة، وينفذ قواعد اللعبة، وينتبه إلى رأي الناس في تصرّفاته، وهو يفكِّر فيما يقولونه عنه من مدح وذم، وهذا من أُسّس السلوك الاجتماعي.

وكلّما لعب الطفل، يكون إدراكه أكبر، لأنّ القيام بالأنشطة يعني القيام بتوافقات حركية، وهذه تدرّب الجهاز الذهني، وتدرّب الذاكرة.

- النمو الجسدي:

في سنوات العمر الأولى، يأخذ اللعب طابعاً غريزياً، وعفوياً، وفطرياً، وفردياً، ويستطيع الطفل من خلال اللعب، أن يكشف عن ذاته، وأن يُنمِّي عضلاته، وأن يُحقِّق المتعة والسرور له ولمن يحيط به.

ويبدأ اللعب الأقرب إلى الرياضة في المرحلة الابتدائية (9 – 12 عاماً)، حيث تتحسّن في هذه المرحلة قوى الجسد العضلية والعصبية، وتنمو العضلات، ويتمكّن الطفل من أداء الحركات بشكل أفضل وبصورة أدق.

ومع هذا، يحتفظ الطفل في أعماقه بجزء من صفات الطفل الصغير، غير أنّه يتمتّع بصحّة جيِّدة ونشاط زائد، ويتوافر على قدرة على التركيز والانتباه، ويميل إلى التعاون ومصاحبة الغير، ويهتم بالفريق، وينصاع لأوامر الجماعة، ويحبّ إظهار قوّته ومقارنتها بقوّة الآخرين، ويحبّ الاعتماد على النفس، وتنمو لديه الرغبة في الاستقلال. كما تظهر الفروق الفردية بين الأفراد في الجنس الواحد بصورة واضحة في الجسم، وتظهر كذلك المقدرات والميول والرغبات.

المرحلة التالية، هي مرحلة المراهقة (12 – 15)، وهي مرحلة دقيقة تختص بنمو فيسيولوجي بدني جنسي سريع، يقوم النشاط الرياضي بدور مهم فيه، ويجب أن تطول مرحلة التمرين البدني بسبب زيادة قوّة القلب والرئتين في أواخر هذه المرحلة. ويحتاج البنون إلى نشاطات تتميز بالقوّة والجلد. أمّا البنات، فيحتجن إلى تمرينات التوازن والخفة والرشاقة والحركات الإيقاعية.

- مرحلة الفظاظة:

أمّا مرحلة البدع، فهي تمتد من (15 – 18)، تلك المرحلة التي تُسمّى مرحلة الفظاظة، بما يلازمها من خشونة وغلظة.

في هذه المرحلة يزداد شعور الفرد بذاته، ويكاد يتم نموه البدني والعظلي، إذ إنّ الجسم يصل إلى تمام طوله؛ ولكنّه يبدأ ينمو عرضاً.

وتتميز هذه المرحلة بحبّ إظهار القوّة العضلية، وشدّة الجهد وطول المثابرة، وقوّة التحمل، والمهارة الزائدة عند البنين. أمّا الفتيات، فتكون القوّة العضلية لديهنّ أقل، وتتميز نشاطاتهنّ بطابع الحساسية والانسجام.

وإذا كانت أهميّة الرياضة بالنسبة إلى الطفل، من ضرورات حياته، فإنّه كلّما غابت التربية الرياضية، وغابت الثقافة الرياضية في ظل الانتشار الواسع للتكنولوجيا الحديثة، وتعامل الطفل في سن مبكرة جدّاً مع الوسائط الجديدة، وما ولّده من عزوف لدى الطفل بعدم ممارسته للرياضة، بفعل انغماسه في العالم الافتراضي، بات معه أمر تعاطي الطفل اللعب، يتقلص وينكمش، ويطرح أكثر من استفهام حول مصير أطفالنا في نموهم السليم والخالي من الأمراض، فكلّما ابتعدنا عن المقولة المعروفة «العقل السليم في الجسم السليم» وزادت حدّة هذه الأسئلة، وكثر الخوف على جيل المستقبل من ضعف للحركة، إن لم نقل تفضيله للجمود الحركي بالنظر إلى تعاطيه المفرط للعب بالأجهزة الإلكترونية.

وعلى العموم، فالرياضة يؤكّد فيها الطفل ذاته، ويرسخ فيها الراشد خصال سجيته، ويتدرب على القيام بما ينهض به، متوخياً التمرين على مزيد من التحلي بالقوّة، أو بالمهارة، أو بالسرعة، أو بالمقاومة. وبواسطة هذه الرياضة، يصبح الجسد أكثر صحّة، وأعظم مرونة، والحواس أكثر دقّة وإرهافاً.

 

* أنيس الحسيسن (كاتب من المغرب)

ارسال التعليق

Top