• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

آخر الاكتشافات العلمية.. الجينات الوراثية سبب الطلاق

تحقيق: إشراقة النور

آخر الاكتشافات العلمية.. الجينات الوراثية سبب الطلاق
دراسة أميركية تكشف دورها وتأثيرها في السلوكيات إلى أيّ مدى يمكن أن تؤثر الجينات في استقرار الزواج؟ هل صحيح أنّ عدْوَى الطلاق تنتقل عبر الجينات الوراثية إلى الأبناء، تماماً مثل لون الشعر وطول القامة؟ ولماذا تكثر حالات الطلاق في أسرة دون أخرى؟ في دراسة ميدانية قام بها عالم الجينات الأميركي فيكتور جوكين، من "جامعة مينيسوتا"، وأجرى فيها تجاربه على 3500 زوج وزوجة حياتهم مهددة بالطلاق، توصّل جوكين إلى أنّ الرغبة الدائمة في الطلاق، عند الرجل أو المرأة، وراثية وأن 50 في المئة من العوامل التي تؤدي إلى الطلاق تتعلق بالكروموزومات، الأمر الذي جعله يطرح السؤال حول ما إذا كان أبطال حالات الطلاق المتكرر ضحايا للجينات؟ تُجيب الدراسة بالإشارة إلى "أنّ أنماط السلوكيات التي تدمر حياة أي زوجين خلال سنوات متعددة، هي سلوكيات وراثية مثل لون الشعر والعينين والبشرة". وتكشف "أنّ الطلاق يحدث ليس بسبب طفولة تعيسة عانت انفصال الوالدين، بل لأنّ الوالدين نَقَلا عن طريق الوراثة الجينات المسؤولة عن الطلاق إلى أطفالهما. بالتالي، فإنّ الطلاق يصبح سهلاً وممكناً". وأمام تأكيدات عالم الجينات الأميركي فيكتور جوكين، مكتشف جينات الطلاق، علّق عالم النفس البريطاني البروفيسور يوليم بقوله: "إذا كان هناك دور للجينات في حدوث الطلاق، فإن هذا يعني الاستسلام التام والاعتراف بعدم القدرة على مواجهة المشاكل الزوجية". يضيف: "إنّ من الضروري التعرّف إلى جينات مشاهير الأزواج، الذين يتساقطون واحداً بعد الآخر في دائرة الطلاق، ومحاولة التأكد مما إذا كان جميعهم انفصلوا لأسباب وراثية، وإن تكرار حالات الطلاق في أسر المشاهير تطلّب قيام مجموعة من الأخصائيين في إنجلترا بإجراء أبحاث لإيجاد نوع من التفاهم العائلي بين الآباء ثمّ بين الآباء والأبناء، ليؤكدوا بدورهم أنّ الرجل هو المسؤول عن توريث جينات الطلاق". لكن ماذا يقول الناس عن نتائج هذه الدراسة، هل يتفقون معها؟ أم يختلفون؟ وكيف لهم أن يفسّروا ظاهرة الطلاق المتكرر في أسر مُعيّنة، أو لدى أفراد بعينهم؟ تم مناقشت الموضوع مع مجموعة من الرجال والنساء.   - نتائج منطقية:

 بالنسبة إلى لانا عيسى (مندوبة عقارات، عازبة) فإنّها تجد "أنّ نتائج هذه الدراسة قد تكون صحيحة ومنطقية، إذ لا يمكن أن ننكر تطور علم الوراثة، وما حققه من قفزات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، انعكست خيراً على العالم كله"، لافتةً إلى أنّه "بسببه تم إيجاد الكثير من التفاسير لبعض الأمراض وسُبل معالجتها. وقد تنجح هذه الدراسة في لفت الانتباه إلى خلل متوارث يؤدي إلى الطلاق، ويمكن إيجاد الحلول له".

المهم في رأي لانا "أن يلتفت الأبناء إلى معالجة الأسباب المؤدّية إلى الطلاق، والاستفادة من تجارب ذويهم، لإصلاح ما قد يؤدي بالحياة الزوجية إلى نهايتها، حتى لو كان السبب خللاً جينياً، ومحاولة العلاج وتعديل السلوك، لا أن يستسلموا ويتحجّجوا بأن الأسباب وراثية، ولا يستطيعون السيطرة عليها".   - سبب جيني: أما سليم حسين (مهندس، متزوج منذ 4 أعوام)، فيُشير إلى أنّه "قد لا يكون هناك "جين" وراثي معيّن اسمه "جين" الطلاق، لكني أؤمن بوجود جينات أثبت العلم أننا قد نرث من خلالها مجموعة من السمات والصفات النفسية والسلوكية، التي تتحكم في ردود أفعالنا تجاه المشكلات المختلفة، ومن بينها المشكلات الزوجية". يضيف: "بشكل غير مباشر، يمكن أن نقول إنّ المرء يكون محكوماً ببعض العوامل والسمات النفسية المتوارثة، مثل العصبية وسرعة الانفعال وشدّة الغضب، وجميعها يمكن أن تؤثر في استقرار الأسر. وهكذا نكون قد وجدنا تفسيراً للكيفيّة التي تدفع بها الجينات أصحابها إلى اتخاذ قرار الطلاق".   - الجينات هي المسؤولة: "بغَض النظر عن ما إذا كانت النتائج التي توصّلت إليها الدراسة صحيحة أم لا، نجد أن خيار الطلاق حاضر عند بعض الأشخاص أكثر من غيرهم، بهذه الكلمات، تظهر فاطمة القاضي (مدرسة، متزوجة منذ 9 أعوام)" مَيْلها إلى تصديق نتائج الدراسة، مشيرة إلى "أنّ الواقع يقول، إنّ الحَلْف بالطلاق، والتهديد به، يَظْهَر بقوّة في الفكر والسلوك اليومي لدى أفراد أسر معيّنة وبشكل واضح، الأمر الذي قد يفتح باب التفسير، لأن تكون الجينات هي المسؤولة عن هذا الأمر".   - قسمة ونصيب: في المقابل، ثمّة مَن لا يُؤيد ما جاءت به هذه الدراسة، حيث إنّ تجرِبَتَي بالطلاق، جعلتا عمرو الليثي (موظف، يبلغ من العمر 46 عاماً)، يؤكد "أنّ نجاح الزواج لا يعتمد على خصائص أو عوامل وراثية"، حيث إنّه ينتمي إلى عائلة كبيرة متماسكة تقل فيها نسب الطلاق بصورة كبيرة، مُؤكداً أنّ "القسمة والنصيب" وحدهما السبب وراء فشل التجربتين اللتين عاشهما. يقول عمرو: "لو كانت الدراسة صحيحة، فسيعني ذلك أنّ كل إنسان انتهت حياة أبَوَيه بالطلاق، لابدّ أن يستعد لهذه الخطورة، وهو أمر في حد ذاته مُزعج ومُهدِّد لاستقرار الحياة الزوجية، وقد يؤدي ببعض الناس إلى الامتناع عن الزواج، خوفاً من وراثة مصير آبائهم المطلقين".   - أسرة مفككة:

 كذلك، لا يعتقد محمد جميل (موظف، عازب)، أنّ الجينات الوراثية لها دور في تكرار ظاهرة الطلاق في أسرة واحدة، لكنه يلفت إلى "أننا قد نجد أحياناً، أنّ نَشأة الابن في عائلة مفككة نفسياً وأسرياً، تُفقده قيَم التماسُك الأسري. بالتالي عند زواجه، فإنّه يكون قد كسر الحاجزة النفسي الطبيعي أمام الطلاق، ما يجعله يستهتر بتداعياته".

  - ليس مرضاً وراثياً: "الطلاق ليس مرضاً وراثياً"، يقول صادق علي (موظف، متزوّج حديثاً).. يُواصل: "لكن عندما يُكرّر أحد الأبناء ما حدث لأبويه، فهذا يشير إلى أن بعض الصفات المكتَسبة بسبب التربية، هي التي أدّت بالابن إلى المصير نفسه، كما أن مَيْله نحو ذلك السلوك قد لا تكون له صلة بجيناته الوراثية، بقدر ما يمكن أن نَعزوه إلى طريقة خاطئة في التربية، تُكرّس فكرة سهولة التغيير وإيجاد البديل".   - تعوُّد: أمّا شميم عبدالرحمن (موظف، متزوج منذ 8 أعوام)، فيرى "أنّ هناك أسباباً جينيّة وراثية، قد تجعل بعض الأزواج يميلون إلى الطلاق". لكنه يشير إلى "أنّ من المنطقي أيضاً، أنه في حالة عيش إنسان تجربة طلاق والديه، وتكررت الحالة لدى أعمامه مثلاً، فإنّه يزداد الاحتمال أن يتعود الشخص على هذه الفكرة ويستسهلها، ويتلفظ بكلمة الطلاق أثناء أتفَه شجار بينه وبين زوجته، أو خلال أي خلافات بسيطة".   - تقليد وليس وراثة: من ناحيته، يُرجّح سراج كاسي (موظف، متزوج منذ 12 عاماً)، أنّ العوامل الوراثية وحدها ليست كافية لميل بعض الناس إلى الطلاق"، لافتاً إلى "أنّ هناك أيضاً البيئة الاجتماعية التي نشأوا فيها. فإذا كثرت حالات الطلاق في أسرة معيّنة، فهذا يوجّه رسالة واضحة إلى الأبناء بأن هذه المسألة ممكنة وطبيعية، ما يدفع كثيرين منهم إلى التقليد والتعاطي مع الطلاق بشكل سهل، في حال واجهتهم أي عَقَبات أمام استمرار حياتهم الزوجية".   - عذر: "الإيمان الكامل بصحة الدراسة التي تَعْزُو الطلاق إلى أسباب جينية، قد يكون بمثابة عُذر قد يتّخذه البعض لعدم الاجتهاد، لإصلاح حياتهم الزوجية" بحسب ما ترى دانا الدجاني (موظفة، عازبة). ولكن، دانا تكشف أيضاً عن "أنّ هناك عوامل أساسية أخرى"، تراها أقرب إلى تفسير ظاهرة الطلاق المتكرر في الأسرة ذاتها، تقوم بدورها في هذه الحالات، "مثل عدم وجود القُدوة وغياب الخبرات المتوارثة، ومهارات احتواء المشاكل".   - نتائج إيجابية: إلى ذلك، يبدو أنّ الدراسة التي ربطت الطلاق بأسباب جينيّة "ليست صحيحة تماماً"، من وجهة نظر سهام إبراهيم (موظفة، متزوجة منذ 14 عاماً). وفي تفسيرها الخاص للموضوع، تُعرب سهام عن اعتقادها أن "مَن شهد حدوث الطلاق بين والديه في الماضي، وجد فيه نهاية خلافات ومشاجرات مستمرة كانت تدور بينهما، وبعد ذلك عاش حياة هادئة بلا شجار بسبب انفصال الأبوين. مثل هذا الشخص قد يجد أنّ الطلاق يُحقق نتائج إيجابية، فيؤمن بقيمته، ولا يجد مانعاً من تجربته مستقبلاً إذا استدعى الأمر ، حيث لا يكون هناك خسائر كبيرة من وجهة نظره".   - سمات وصفات: هل الطلاق سلوك مُتَوارَث، وهل هناك ما يربطه بالجينات؟ أم لعلّه ميْل نفسي يتحكم في السمات الشخصية للأفراد؟ حملنا هذه الأسئلة ومعها نتائج الدراسة، إلى أستاذ علم النفس في "جامعة الإمارات"، الدكتور حمزة دودين، الذي علّق بدوره على الموضوع قائلاً: "بدايةً، أنا لا أميل كثيراً إلى تأييد هذه الدراسة تماماً، إذ إننا لو سلّمنا بها، فإننا نكون قد أفقَدنَا الجانب التربوي دوره وقيمته. ولكن، من المؤكَّد أنّ الطلاق يعتمد على سمات نفسية عديدة، تؤثر بشدة في الصفات الشخصية، وتُسهم في إحداث الطلاق،وهذه الصفات يمكن أن تُورّث". ويرى الدكتور دودين "أنّ ارتفاع نسبة الطلاق في أسر معيّنة يعود إلى فكرة تطبيع الظاهرة، حيث يسهل على الفرد اتخاذ القرار، لأنّه ضمن شيوع هذا السلوك، لا يشعر بالغرابة أو يحس بأنّه سلوك متطرف وغريب عن أفراد أسرته". ويقول: "وعلى العكس من ذلك، يصعب الطلاق في بعض الأسر، لأنّه سلوك نادر عندهم، وقد يُلام ويُحاسَب ويُسأل صاحبه، على الرغم من وجود مشكلة زوجية بينه وبين زوجته".   - عوامل الطلاق: من جانبه، يؤكد المستشار الاجتماعي عبيد بن سليمان الجعيدي، "أنّ المشاكل المؤدّية إلى الطلاق، مَرَدّها إلى عوامل عديدة من ضمنها: سرعة الغضب والانغلاق العاطفي ومستوى الذكاء. وهي في الأساس، عوامل جينيّة أو فطريّة، لكنها قابلة للتحسّن متى مارس الإنسان المهارات المطلوبة لتحسينها". يضيف: "إذن، لا توجد هناك جينات تُسبب الطلاق، ولكنها تسبب العوامل المؤدية إلى الطلاق، كما أنّ هناك أسباباً كثيرة أخرى تؤدّي إلى الطلاق، منها سوء التواصل بين الزوجين، انشغال أحدهما عن الآخر والتدخل في شؤون الشريك. وهذه الأسباب تحدث بسبب صفات شخصية منها: اللامُبالاة، الانطوائية، الغيرة والأنانية، ولكن الصفة الرئيسة والسبب المباشر للطلاق هو الغضب". ويُبيّن الجعيدي "أنّ الغضب هو صفة فطرية في الأساس"، كاشفاً عن "أنّ 98 في المئة من الناس، يستطيعون أن يتحكموا في غضبهم ولا يَنتابهم الغضب، بينما 2 في المئة من الناس يستطيعون أن يتحكموا فقط في شدة الغضب". يتابع: "إذن، لا يَقولنّ أحد: "والله أنا عائلتي كلها غَضُوبَة بالفطرة"، وإلا لماذا قال رسول الله (ص) لذلك الصحابي، كما جاء في الصحيح: "لا تَغضب"؟". ويعود الجعيدي ليُؤكد براءة الجينات من التسبّب في الطلاق، حيث يشير إلى "أنّ أكثر مَن يقع في الطلاق هم العاطفيون (Feelers) وهي صفة فطرية". يستطرد: "للعلم، فإنّ ثلثي النساء عاطفيات، 65 في المئة منهنّ، مقابل أقل من نصف الرجال 45 في المئة". ويرى الجعيدي "أنّ من أسباب الطلاق، الانشغال بالذات عن الطرف الآخر، وهذه صفة فطرية يُسمّى صاحبها المنغلق (Introvert)، ونسبة هؤلاء هي 25 في المئة، (1 من كل 4)". ويُشير إلى "أنّ هناك سبباً آخر، هو الانشغال بالتفاصيل (Sensor)، وهي صفة فطرية بحتة، ونسبة مَن تَظهر فيهم هذه الصفة هي 68 في المئة، منهم 32 في المئة، (1 من كل 3) ينشغلون بتفاصيل الآخرين، والبقيّة ينشغلون بتفاصيل أنفسهم". وفي اعتقاد الجعيدي "أنّ هناك جوانب أخرى من المشاكل الأسرية المؤدّية إلى الطلاق، منها الفشل في إدارة الخلاف، والوقوع المتكرر في المشاكل والأخطاء، وقد يكون ذلك بسبب نقص في الذكاء والفهم". يقول: "الذكاء كما أقرّهُ العلم، وراثي ومتعدّد الأنواع، وأكثر الأنواع المتعلقة بالطلاق هو الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence)". يضيف: "صحيح أنّه وراثي، ولكن يمكن اكتسابه من خلال فهم مشاعر النفس وإدارتها، وفهم مشاعر الناس وقيادتهم". وحتى يُجيد الإنسان فهم مشاعر الناس، ينصح الجعيدي باتّباع الخطوات التالية: "اقرأ عواطف الشخص الصادرة عبر الوجه والصوت ولغة الجسم. ثمّ حلّل تلك العواطف: ما سببها يا تُرى؟ وهل هي صادقة؟ وبعد ذلك حوّل العواطف السلبية إلى إيجابية، وعزّز العواطف الإيجابية، ولا تَنْسَ أن تُظهر تعاطفك معه بشكل واضح وصريح". يختم بالإشارة، إلى أنّه "حتى تُجيد ذلك، تمكّن من مهارات التفاوض وإدارة الخلاف، عبر دورات تدريبية متخصصة".

ارسال التعليق

Top