• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أثر الإيمان في النفوس

أحمد نصيب

أثر الإيمان في النفوس
  ◄قال النبيّ (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين".

الإيمان هو هذه العقيدة الفطرية الراسخة في نفس كلّ إنسان، وهو الذي أشار إليه الرسول (ص) في حديثه الآخر حيث يقول: "كلّ مولود يولد على الفطرة". هذا الإيمان متى رسخ في النفس، ونشأ عليه الإنسان وغذاه بالعمل الصالح، ونماه بالبر والإحسان، أكسب صاحبه سعادة في الدنيا، ونجاة في الآخرة، وأصبح هذا المؤمن عوضاً صالحاً في المجتمع، ولبنة طيبة طاهرة في بنائه.

هذا المؤمن يعلم بطبيعة الحال أنّ المجتمع الصالح لا يقوم إلا على الحب والإخاء والتعاون، كما يعلم أنّ من مقوّمات المجتمع الطيّب التناصح والهداية، والإرشاد.

والمؤمن دائماً يسير على هدى ربه، وتعاليم نبيّه وإرشادات دينه، فإذا أيقن أنّ الحب هو الأساس في سعادة الإنسان، تساءل لمن يكون هذا الحب، ومن الذي يستحق أن يُمْنح هذا الإخلاص؟

وتجيء أحاديث الرسول الكريم التي قدمتها شارحة موضحة هادية، فأوّل من يجب على المؤمن أن يوليه محبته وإخلاصه هو الله عزّ وجلّ، إذا أنّه تعالى هو المنعم المتفضِّل المعطي الواهب المنّان، وكلّ نعمة يتقلب بها الإنسان، ويرفل في رياضها، ويهنأ في جنباتها، إنما هي من الله جلّ جلاله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النل/ 53). تجاه هذا الإحسان منه عزّ وجلّ، وأمام هذه النعم الكثيرة المتوالية التي لا تتناهى ولا تُحصى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا) (النحل/ 18)، تجاه هذا كلّه كان من واجب الإنسان أن يحب الله عزّ وجلّ، وكلما قوي إيمان العبد، إزداد حبه لربّه، وتفانيه في طاعته وطلب مرضاته (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) (البقرة/ 165).

إنّ هذا الحديث يكشف لنا عن تعلُّق المؤمن بالمُثُل العليا، فليس أمامه إلا الله ورسوله يحبهما، ويتفانى في سبيلهما، لأنّ حب الرسول (ص)، هو الطريق إلى الحصول على حبّ الله، والوصول إلى رضاه (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (آل عمران/ 31).

إنّ الإنسان لابدّ له من علاقات في هذه الحياة الدنيا، مع زوجته وأولاده، وجيرانه وزملائه وأقرانه وغيرهم ممن تجمعه بهم ضرورات الحياة، وعادات المجتمع، وقد يجد لهؤلاء في قلبه من الحب والميل الشيء الكثير أو القليل، ولكن هذا لا يغض من إيمانه، ولا ينقص من عقيدته لأنّ حبّه لهم إنما هو من أجل الله، حيث كوَّن سبحانه وتعالى المجتمع بهذا الشكل، ورتّبه على هذا النظام، وأمر عباده أن يعيشوا بحب وإخاء، وسلام، وأن يتعاونوا في هذه الحياة على البرّ والتقوى، ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان فإذا أحب المسلم أخاه وصديقه ورفيقه وجاره، امتثالاً لأمر ربّه رجع الحب في حقيقته لله عزّ وجلّ...

لذلك لم ينهَ الإسلام أتباعه عن الميل إلى متاع الحياة ومباهجها، ولم يحرّم عليهم تناولها والتمتع بها، لأنّه دين يتماشى مع الفطرة البشرية، والرغبات الإنسانية ضمن حدود معيّنة، إنما حذَّر الإسلام من أن تشغل متع الحياة الإنسان عن عبادة ربه، وأداء فرائضه، والقيام بواجباته، وتوعّد بشدة أن تحتل مكان الصدارة في نفسه وقلبه، وأن تكون هي غايته من هذه الحياة، لها يسعى، ومن أجلها يعيش. قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة/ 24).

وقد جعل الحديث المتقدم حب الإنسان للإنسان من علامات الإيمان الحقّ، حيث قال الرسول الكريم: "وأن يحب المرء لا يحبه إلّا لله"، لأنك متى صدقت في حبّك لله، أحببت الخلق كلّهم، لأنّهم مخلوقون له، ومن صنعه البديع المحكم، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، ومن أهم النفع لهم أن تعاملهم بحسن الخلق وسعة الصدر.

جاء رجل إلى النبيّ (ص) مرّة من بين يديه وسأله: ما الدين يا رسول الله؟ فأجاب الرسول بقوله: الدين حسن الخلق، فأتاه الرجل من قبل يمينه وسأله: ما الدين يا رسول الله؟ فأجابه بقوله: الدين حُسن الخُلق، ثمّ أتاه من قبل شماله، وسأله: ما الدين يا رسول الله؟ فأجابه بقوله: الدين حُسن الخُلق، ثمّ أتاه من ورائه وسأله: ما الدين يا رسول الله؟ فالتفت إليه الرسول وقال له: أما تفقه؟ هو ألّا تغضب.

وقد حرص الإسلام على أن يعيش الناس على وجه هذه الأرض بأمن واطمئنان وسلام، ولن يكون هذا إلا إذا أحبّ الإنسان أخاه، وإلى هذا يشير قول الرسول الكريم فيما رواه أنس (رض): "لا يؤمن أحدم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه". فقد ارتقى الحديث الكريم بالإنسان إلى أعلى درجات الكمال والإخاء فهو لم يكتف بأن يحب الإنسان أخاه وكفى، بل جعل حقيقة هذا الحب أن تفرح في وصول الخير إليه، وحصول السعادة له، كما تسر بذلك لنفسك، وهذا كلّه علامة الإيمان الصادق أن يرى الفرد نفسه عضواً في المجتمع، ولن يصلح المجتمع إلا إذا كانت أسرته كلّها ترفل بالنعيم والهدوء والاستقرار.►

 

المصدر: كتاب من وحي المنبر

ارسال التعليق

Top