• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أكاديمية طاعة الوالدين

أكاديمية طاعة الوالدين

  كما يوحي الاسم فإنّ الأكاديمية هي طريقة لتدريب الطفل العنيد على استبدال السلوك السيئ بتصرفات مقبولة جيدة، فعندما يرفض الطفل العنيد عمل شيء ما فإنك تعتقد أنّه يحتاج إلى التدريب على هذه المهارة، وهذا ما توفره الأكاديمية؛ فهي تساعد الطفل على تعلم سلوك طيب بممارسته والتدرب عليه مراراً وتكراراً، إنّه تشبه إلى حد كبير ما يفعله مدرس الحساب عندما يجعل الأطفال يكررون جدول الضرب حتى يحفظوه...

 

وتوجد أربع خطوات في الأكاديمية:

أوّلاً: توضح للطفل ما وقع فيه من سلوك سيئ، وبالتالي فهو محتاج إلى المساعدة لتغيير الطريقة التي يتصرف بها وليتدرب على الطريقة الصحيحة بصحبتك.

ثانياً: تختار وقتاً لممارسة هذا التدريب بشرط أن يكون وقتاً مناسباً لك وغير مناسب للطفل.

ثالثاً: تجعل الطفل يكرر ممارسة السلوك الجيد (البديل عن سلوكه السيئ) ويكرره.

رابعاً: عندما ينتهي التدريب ويحسن الطفل فعل ما تطلبه، عليك أن تقول له: إنّه أدى عملاً طيباً، وتخبره أنّه إذا ظهرت أية مشكلة غداً وعاد للسلوك السيئ نفسه؛ فهذا معناه أنّه يحتاج إلى المزيد من التدريب.

فعلى سبيل المثال: تطلب من طفلك أن يناولك كوب الماء، فيرفض أداء تلك المهمة، أو يعدك بأن يفعل لكنه يتناسى، أو يؤديها بصورة غير جيدة على الإطلاق فيحضر كوباً غير نظيف به قليل من الماء، وفي تلك الحالات تقول له بحزن: "إنّ ما فعلته يؤكد أنك تحتاج إلى أكاديمية إحضار الماء لبابا، إنك بحاجة إلى التدريب على هذا السلوك الطيب وسوف أساعدك، وسأخبرك بموعد تلك الأكاديمية"، حاول أن تقول تلك الكلمات بطريقة هادئة...

وبعد ذلك عليك أن تختار وقتاً للأكاديمية بشرط أن يكون وقتاً مناسباً لك وغير مناسب له، وقد يكون الوقت غير المناسب له وقت ذهابه للعب مع أصحابه... وعندما يحين الوقت المناسب قل لطفلك: "هيا يا حبيبي، لقد حان وقت التدريب على إحضار الماء، وكلما أتقنت عملك بسرعة وجودة، كلما أنهينا الأكاديمية مبكراً"... ثمّ اجلس على منضدة الطعام وقل لطفلك: لو سمحت أحضر لي الماء، وعليه هنا أن يذهب ويحضر الماء في كوب نظيف ومملوء، ثمّ تشكره ويعيد الماء حيث كان، ويعود للجلوس حيث كان، وينصح الخبراء بأن تعيد هذا الإجراء من ثلاث إلى سبع مرات، إنّ ما تريده هو أن يكرر الطفل السلوك الجيد بصورة متقنة ولا تتركه ينصرف حتى يتقن عمله، وفي النهاية عليك أن تشكره على ما فعل وتقول له: لقد أحسنت اليوم في مناولة أبيك كوب الماء فبارك الله فيك، لكن لو ظهر سلوكك السيئ مرة أخرى فهذا معناه أنك ستلتحق بأكاديمية التدريب على مناولة كوب الماء لبابا مرة أخرى...

وهناك مثال آخر: يميل الطفل إلى الانفجار غاضباً إذا كانت إجابتك بـ"لا" على أحد مطالبه وخاصة إذا طلب شراء شيء ما، ولكي تستخدم أكاديمية "طاعة الوالدين" بنجاح فسيكون الحوار بينكما كالتالي:

الطفل: أنا أريد شراء لعبة الكمبيوتر هذه.

أنت: ألم نتفق قبل حضورنا للتسوق على أنك ستشتري شيئاً واحداً بمبلغ محدد وقد فعلت؟

الطفل: فقط أريد تلك اللعبة.

أنت: لا.

الطفل: (محاولاً أن يدخل في جدال داخل المحل) ولكنك لا تشتري لي ما أريد، إنك لا تحبني أنا أكرهك.

أنت: (تصمت تماماً وتذهب بعيداً دون إجابة)، ثمّ بعد ذلك عندما تكونان هادئين تقول لطفلك: هل تعرف أنّ سلوكك في المحل قد لفت انتباهي لفكرة مهمة؟ إنّك تحتاج إلى التدريب على قبول كلمة "لا"، ولذلك بدلاً من الذهاب للعب كرة القدم في موعدك؛ فسوف تتأخر وتبقى هنا لكي تتدرب على سماع كلمة "لا"، أريد منك أن تطلب مني لعباً مختلفة لمدة خمس دقائق، وأنا سوف أقول "لا" لكلّ طلب، فلابدّ أن تتدرب على قبول هذا الرفض بطريقة ملائمة، لا تقلق بشأن هذا التدريب فسوف أكون سعيداً لأتدرب معك حتى تصبح بالفعل ممتازاً في التعامل مع كلمة "لا"، فأنا أحبك كثيراً...

 

تجربة عملية في الأكاديمية:

كان سامي – ذو العشر سنوات – نائماً كالملاك في سريره، لكن مع بزوغ الفجر يتحول إلى نموذج آخر، ففي كلّ صباح – بموقفه العنيد – يحوّل ما كان يجب أن يكون عملاً بسيطاً – كالاستعداد للمدرسة – إلى معركة شاقة، إنّه يقاتل أمه بشأن النهوض من الفراش، وما يجب أن يرتدي، ويجادلها بشأن ما تريده أن يأكل، ويضيع الوقت بفنون شتى، ومع التماس أُمّه ومدحها وصراخها فإنّه لم يغير الطريقة التي يتصرف بها، وبعدما ضاقت السبل بتلك الأُم استشارت خبيراً تربوياً، وبدوره أوصاها أن تبدأ الأكاديمية الأولى (التدريب الأوّل) على الاستعداد صباحاً، ووافقت الأُم وبدأت التجربة...

وذات ليلة بعد العشاء بدأت الأكاديمية: أنهى سامي تناول الطعام وبدأ يتجه نحو التلفزيون ليشاهد البرنامج المفضل لديه، ومنعته أُمه وأخبرته أنّ وقت (الأكاديمية) التدريب على الاستيقاظ صباحاً قد حان، وقد زمجر سامي قائلاً: لن أقوم بهذا العمل الغبي ويضيع مني مشاهدة البرنامج، وردت عليه أُمّه بهدوء: إما أن تتدرب وتلحق بما تبقى من برنامجك أو تدخل غرفتك لتنام، إنّ الأمر سيستغرق 30 دقيقة تقريباً، فدخل سامي لغرفته لينام، وبعد وقت طويل أدرك سامي أن أُمّه تعني ما تقول، وفي النهاية خرج من غرفته وقرر التجربة، وقد أخبرته أُمّه أن يمثل أنّه نائم وستضبط له المنبه، والذي سيرن بدوره بعد دقيقة، وعليه أن يستيقظ عند سماع صوت المنبه ويترك السرير ويتوضأ ويغسل أسنانه ويرتدي ملابسه بنفسه، لقد حاول سامي مقاومة أُمّه قليلاً ولكنه في النهاية فعل ذلك البرنامج مرة واحدة، ثمّ توجه نحو التلفزيون ليلحق ببرنامجه، لكن أُمّه منعته قائلة: لابدّ أن نمارس هذا التمرين ثلاث مرات على الأقل هذه الليلة، وبعد مشادات وحوارات أكمل سامي التدريب التالي، ولكن بفتور وبطء وتكاسل، فقالت أُمّه: لقد أضعت الوقت وتأخرت عن المدرسة، لذلك فهذا التدريب لن يحتسب...

وعلى الرغم من عذاب تلك الليلة؛ فإنّ سامي لم يتحسن في صباح اليوم التالي، وبعد التدريب في الليلة الثانية والثالثة بدأت الأُم تتساءل عما إذا كانت سترى أيّة نتيجة لما تفعله؟ ولكن في الصباح الرابع، ابتعدت عن الموقد وكادت تسقط الطبق على الأرض، فقد فاجأها سامي في المطبخ جاهزاً بملابسه للذهاب إلى المدرسة، إنها حتى لم تصعد السلالم لكي تضايقه حتى يستيقظ، وبينما كان سامي يتناول طعام الإفطار شهدت أُمّه نتائج عملها الشاق...

 

قواعد تطبيق الأكاديمية بنجاح:

- يمكننا أن نحذرك من أنّه سوف يكون هناك حزن وغضب عندما يدخل الطفل أوّل مرة إلى الأكاديمية، فقد يحتاج حينها إلى تكرار التدريب عشر مرات، وهذا سيكون صعباً عليك، وقد تضطر إلى أن تعض على لسانك لتمتنع عن قول أشياء سيئة، وتمسك بقبضة يدك حتى لا تضرب، لكننا نضمن لك – بمشيئة الله – أنّه باستمرار هذا البرنامج؛ فسوف يستوعب الطفل كلّ شيء في النهاية، لأنّه إذا كرر السلوك المناسب كثيراً فإنّه سيصاب بعدوى الأخلاق الحميدة، وسيدرك الطفل أنّ فعل الصواب ليس صعباً، بل له ثمرات جميلة، وعليك أن تضع في اعتبارك أنّ الأكاديمية لا تساعد طفلك اليوم وفقط ولكنها تعده للمستقبل أيضاً...

- تذكر أنّ التدريب الذي نتحدث عنه في الأكاديمية ليس عقاباً، فمدرب الفرقة الإنشادية لا يجعل الأعضاء يكررون نفس الحركات والأغاني لكي يعاقبهم، إنّه فقط يحاول مساعدتهم على التعلم، وهذا هو ما تحاول أنت عمله في الأكاديمية.

- يتوقع الآباء أنّ الأكاديمية تعمل بطريقة سحرية بعد أوّل يوم، ولكن عليك أن تفكر على النحو التالي: إنّ معظمنا لم يتعلم ركوب الدراجة بعد محاولة واحدة، والأطفال عادة لا يتخذون سلوكاً جيداً بعد تدخل واحد؛ فهم يحتاجون إلى الوقت والاهتمام والجهد، وهناك أطفال يحتاجون إلى التدريب حتى 15 مرة في 15 يوماً على سلوك معين حتى يستوعبوه، فلا تتوقف عندما ترى بعض التقدم، فقط توقف عندما تجد استجابة بنسبة عالية قد تصل إلى 75% من الالتزام بالسلوك الحسن.

- ابدأ الأكاديمية مع ابنك أو ابنتك بالتركيز على سلوك واحد فقط تريد تحسينه، وعندما تنتهي منه بنجاح انتقل لعلاج سلوك آخر، فاحذر من تضييع جهدك في مكافحة كلّ سلوكيات طفلك السيئة مرة واحدة، فعندها ستفشل كلّ أكاديميات الدنيا.

- هناك خطأ آخر يقع فيها بعض الآباء؛ إذ يظنون بأنّ الأكاديمية يجب أن تتبع سوء السلوك على الفور، وهذا خطأ كبير لأنّ الطفل – في معظم الحالات – عندما يخطئ يكون غضبان وحزيناً وأنت كذلك، وليس هذا بوقت العلاج المناسب؛ لأنّ الغضب قد يسبب شللاً في تفكيرك وتفكيره، فأفضل وقت لممارسة الأكاديمية (أو التدريب) هو عندما يكون الطفل أكثر هدوءاً وأنت أكثر تفكيراً واستعداداً، ولتتأكد أنّ لدى الأطفال ذاكرة يمكنها أن تستدعي ما حدث قبل أيّام... ويمكنك استخدام الأكاديمية عقب الخطأ في حالة واحدة: تكون هادئاً ويكون طفلك مستعدّاً للتعلم والتدريب...

- هناك مشكلة تحدث عندما يطبق الوالدان الأكاديمية في وقت مناسب للطفل، إنّ الهدف من أن تكون الأكاديمية في وقت غير مناسب للطفل (عندما يحين برنامجه المفضل أو يهم بالخروج للعب...) هو إثارة انتباهه واهتمامه، لكي تجعلها محنة بالنسبة له، لكي تحفزه على ممارسة السلوك الجيد والمهارة المطلوبة في المرة القادمة، ولقد اشتكت إحدى الأُمّهات من أنّ فكرة الأكاديمية غير ناجحة، وتبين أنها تجعل ابنها يتدرب على التحدث بصورة لطيفة، وهما في السيارة ذاهبان للملعب، فهو حينها كان يتفرج من النافذة وهو يردد ما تريده أُمّه، ولذلك لم تكن محنة بالنسبة له، لذلك فعليك أن تتأكد من تنفيذ الأكاديمية (التدريب) عندما يكون لدى الطفل شيء آخر ممتع ينوي عمله...

- إنّ الأكاديمية هي عواقب أو نتائج وليست عقاباً، فإذا تحسن سلوك طفلك بعد تدريب واحد في يوم واحد؛ فيمكنك التوقف وشكر طفلك على ما بذله من جهد، لأنّ الغرض ليس أن تجعل الطفل بالألم، بل تحاول مساعدته لاكتساب مهارة ما ويكون أكثر تحفيزاً نحو ممارسة هذه المهارة في المرة القادمة...

 

 الخبير تربوي عبد الله محمّد عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top