• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إقامة العلاقات الاجتماعية

إقامة العلاقات الاجتماعية

إقامة العلاقات الاجتماعية ترتكز على المبادئ الأساسية التالية:

أوّلاً: إنّ العلاقات الاجتماعية متطورة، ومتغيرة باستمرار. فثمة علاقات اجتماعية تولد وتنمو، بينما هناك علاقات اجتماعية أخرى تأخذ في الذبول والأفول والتلاشي. وفي علاقات المرء بالآخرين فإنّه يقيم علاقات اجتماعية جديدة، وفي نفس الوقت يسقط علاقات اجتماعية قديمة من حسابه.

ثانياً: هناك بصفة أساسية علاقات إيجابية تتسم بالحب، وعلاقات أخرى سلبية تتسم بالكراهية. وبعض العلاقات الاجتماعية الإيجابية تستحيل إلى علاقات سلبية، كما أن بعض العلاقات السلبية تستحيل إلى علاقات إيجابية.

ثالثاً: تنشأ بعض العلاقات الاجتماعية مع تواجد المصالح والمنافع، بينما تنشأ علاقات اجتماعية أخرى يضحي فيها طرف من أجل طرف آخر كالعلاقات الاجتماعية التي تقوم بين الوالدين وأولادهم. وهناك علاقات اجتماعية تقوم على أساس الصداقة غير المغرضة، وتكون تلك الصداقة عاملة على التجاوب وليس عاملة على اجتلاب مصالح مادية.

وبعد أن ألقينا بعض الضوء على العلاقات الاجتماعية، علينا أن نقوم بتقديم بعض التدريبات الخاصة بالعلاقات الاجتماعية.

 

أوّلاً- تدريبات خاصة بإقامة علاقات اجتماعية جديدة:

قم بدراسة الحي الذي تسكن فيه أو القرية الجديدة التي نقلت إليها واجمع قائمة بالمؤسسات الاجتماعية التي تستطيع أن تلتحق بها وتصير عضواً فيها. ها قد وقع اختيارك على واحد منها لكي يكون مجالاً لنشاطك الاجتماعي ولتقيم علاقاتك الاجتماعية به. قم بعمل قائمتين إحداهما تضم الأعضاء الأساسيين والأخرى للأعضاء غير الأساسيين. ضع نصب عينيك أنك ستسدي خدمة ما أياً  كانت لكل عضو بهذه المؤسسة الاجتماعية الجديدة التي التحقت بها. لا تنظر إلى أن يطلب منك العضو إسداء الخدمة إليه. فلتكن لديك روح المبادرة فتتجه أنت إلى العضو لتقديم الخدمة إليه. قد تكون الخدمة التي تقدمها إليه خدمة نفسية كأن تقوم بتعزيته في وفاة قريب له، كما أنها قد تكون خدمة مادية كأن تعيره شيئاً يكون في حاجة إليه، أو قد تكون خدمة معنوية كأن تخلصه من ورطة أو موقف حرج وقع فيه. وزع خدماتك بغير أن تركزها على عضو بالذات. سوف تجد بعد وقت قصير أنك قد صرت نجم تلك المؤسسة. وقد أقمت مجموعة عظيمة من العلاقات الاجتماعية الجديدة بها.

التدريب الثاني: أما التدريب الثاني الخاص بإقامة علاقات اجتماعية جديدة فهو التدريب الخاص بقضاء المصالح المتشابكة. فأنت بمقدورك أن تصير محوراً لقضاء مصالح الآخرين المشروعة، ولولا تحريكك لها لظلت إذن معطلة. ان كلّ شخص تقضي له مصلحة معطلة لدى شخص آخر تكون لذلك الشخص الآخر مصلحة معطلة لدى شخص ثالث وذلك الشخص الثالث تكون له مصلحة معطلة لدى شخص رابع. وهكذا دواليك. انك تستطيع أن تقضي مصالح العديد من الأشخاص عن طريق تشبيك المصالح بعضها في بعض، وقضاؤها جميعاً بغير التواء وبغير أية رشاوي أو هدايا، وبغير أن تكون أنت شخصياً موضع شبهة من أحد. ولكن الذي تربحه في النهاية هو احرازك لمجموعة من العلاقات الاجتماعية التي تجعل منك نجماً في المجتمع الذي تعيش فيه.

التدريب الثالث: إذا كنت في موقع وظيفي أو مهني يتطلب منك مقابلة العديد من الأشخاص كلّ يوم فعليك بالتمرين الآتي: قابل كلّ شخص يقبل عليك كائناً من يكون بترحاب غير مبالغ فيه وبوجه تعلوه ابتسامة خفيفة. افتح عينيك وأذنيك له. اصغ إلى كلامه واستمع إلى شكواه. إذا لم يكن ممكناً قضاء مصلحته أو إنهاء مشكلته فوراً، فقم بكتابتها على ورقة وحدد له موعداً آخر لمقابلتك بحيث تكون متأكداً من انهاء مسألته في الوقت الذي حددته. ضع نصب عينيك أن كلّ شخص يقبل عليك هو واحد من أحب الناس إليك. لا تجعل التعب يضفي على وجهك عبوساً يفسر من جانب المقبلين عليك بأنك نافر منهم أو ممتعض من وجودهم. انك إذا طبقت هذا التدريب، فسوف تحصل على علاقات اجتماعية ممتازة، وتوصف بأنك شخصية قوية.

 

ثانيا- تدريبات خاصة بإستقلال الشخصية:

درِّب نفسك على أن تكون صاحب رأي في المسائل التي تستطيع أن تبدى رأياً فيها. ولكن في نفس الوقت لا تبد رأياً فيما لا معرفة لك عميقة به. فإذا لم تكن طبيباً، فلا تبد رأياً في الطب. وإذا لم تكن عالماً بقواعد الشعر، فلا تبد رأياً في أصول الشعر. ولا تتعجل في ابداء الرأي في أية مسألة إلا بعد ترو ودراسة وتأمل، استمع كثيراً إلى آراء الآخرين ولا تنضم إلى رأي بسرعة حتى لا تضطر إلى تغيير موقفك فتتهم بأنك شخص متقلب الرأي أو لا رأي لك. استمع فقط. وإذا طلب المتحدث رأيك في كلامه، فقل له سأفيدك برأيي بعد الإصغاء إلى جميع الأطراف. انك بهذا ترتفع في نظره ويعرف أنك شخصية حكيمة لا تتقلب مع كلّ تيار جديد. وفيما يلي بعض التدريبات التي تحقق لك استقلال شخصيتك:

التدريب الأوّل: خصِّص ربع ساعة مساء كلّ يوم لمحاسبة نفسك بصدد الشخصيات التي سيطرت عليك خلال اليوم أو الشلل التي استلبت إرادتك. هل كان لك رأي مخالف ولكنك خضعت وانسقت وراء رأي إحدى الشخصيات ذات النفوذ وجبنت وأحجمت عن إبداء رأيك بصراحة؟ هل أصابك الكسل الذهني بحيث سلمت قياد فكرك لشخص آخر يفكر لك ويصدر القرارات باسمك؟ هل كنت خلال اليوم ذنباً لا رأساً في شلة من الزملاء؟ وانك كنت كترس في آلة لا حول لك ولا قوّة؟ لابدّ إذن من نفض الغبار الذي لحق بشخصيتك؟ وأن تقرر في خلوتك اعتزامك الأكيد على البدء فوراً ومن صبيحة اليوم التالي على تحطيم الأصفاد التي قيدت حركة فكرك وعملت على شل إرادتك وصادرت حرية اتخاذ قراراتك بنفسك. لا شك أن شحن قلبك بشحنة وجدانية مضادة للتبعية الذهنية وتأكيدك على استقلال شخصيتك سوف يؤتي بالثمار المرجوة. وبخاصة إذا واظبت على التمرس بهذا التدريب كلّ ليلة قبل أن تنخرط في النوم.

التدريب الثاني: تناول ورقة وقلماً وسجِّل جميع الأعمال التي يمكن أن تنجزها بنفسك ولكنك أوكلتها إلى غيرك للقيام بها دونك. وبتعبير آخر حدد القيود التي تربطك بالآخرين وتجعلك مطواعاً لهم أو تابعاً أو عالة عليهم. إذا كنت طالباً جامعياً وتعيش في نطاق أسرتك، فهل تعتمد على نفسك في قضاء حوائجك أم انك تنتظر حتى يعد لك والداك كلّ ما تحتاج إليه؟ انك تريد أن تكون شخصية قوية، والشخصية القوية هي تلك الشخصية التي تتمتع بالاستقلال النسبي. فكلما كنت أكثر استقلالاً كنت أكثر قوة. فلماذا إذن لا تخدم نفسك بنفسك؟ لماذا لا يكون لك رأي في اختيار ملابسك وفي التخطيط لنشاطك اليومي؟ لماذا تكون شخصية عجينية تصاغ في كّل شكل يراد لها أن تتشكل به؟ قرر إذن بعد أن تحدد الأعمال التي يجب أن تضطلع بها بنفسك أن تصير شخصية مستقلة. انك إذا انتظمت على أداء هذا التدريب ولو مرة واحدة كلّ أسبوع، إذن لضمنت لنفسك استقلال شخصيتك.

 

ثالثاً- تدريبات قتل العلاقات الرديئة:

في حياة كلّ منا علاقات تدفع بنا نحو التقدم، وعلاقات أخرى تجذبنا إلى الخلف وتعمل على تأخير مسيرتنا. فنحن إذن في حاجة إلى دعم العلاقات التي تشجعنا على التقدُّم، وبحاجة في نفس الوقت إلى هدم أو قتل العلاقات المعوقة لنا والتي تعمل على تعطيل تقدمنا أو التي تؤخرنا بالفعل وتجذبنا إلى الخلف. من أجل هذا لابدّ لنا من ممارسة بعض التدريبات التي تمكننا من قتل العلاقات التي تؤخر مسيرتنا. وفيما يلي عينة واحدة من هذه التدريبات:

أنت تعلم أن بعض الأعداء يرتدون أثواب الصداقة، فيطلعون على أسرارك وخططك في الحياة، ثم يعملون بأيدٍ خفية على إحباط جميع مساعيك ويعملون على إفساد جميع جهودك التي تبذلها في عملك أو في أنشطتك المختلفة أو قد يفسدون حياتك العائلية. فإذا ما اكتشفت وتأكدت من أن ذلك الشخص الذي يزعم أنه صديقك هو في الواقع عدو لك، فعليك بالآتي: حطم أوّلاً قنطرة الصداقة التي تقوم بينك وبينه. تجهم في وجهه. إنّ هذه هي أوّل خطوة لكشف زيف صداقته. سيحاول التودد إليك. انصرف عنه. انهمك في عملك. وجه الحديث إلى شخص آخر من الجالسين معك في وجوده. هنا سيكتشف صاحبنا أنك كشفت النقاب عنه. احترس من هجومه المضاد ومن إعلانه الحرب عليك. ولكن اعلم أن حربه العلنية ضدك هي في مصلحتك. أنت هزمته عندما كشفت نواياه أمام نفسه. احجب أسرارك وخططك عنه. بعد هذا ستجده يلملم أشلاءه ويبتعد عنك. لا يهمك. فقتل مثل هذه العلاقة خير لك ألف مرة من استمرارها تنخر في قوام شخصيتك الاجتماعية.

 

المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك للكاتب يوسف ميخائيل أسعد

ارسال التعليق

Top