• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إنسان بلا مسؤوليات

أسرة

إنسان بلا مسؤوليات
هل فكّرت مرّة بإنسان بلا مسؤوليات؟ هل يمكن أن تتصوّر نفسك في حلٍّ من أيّة مسؤولية في الحياة؟ كيف يكون شكل الحياة حينئذ؟ إنّ حياة خالية من المسؤوليات هي أشبه شيء بمدرسة بلا وظائف وتكاليف، لا يشعر فيها التلاميذ بأيّة التزامات، كيف تسير عملية الدراسة فيها؟ وكيف يمكن تحقيق النتائج المرجوّة؟ كيف يمكن تمييز العامل من الخامل والمنتج من المتقاعس؟ فمجرّد التفكير بالحياة الفارغة التي لا يجد فيها الإنسان إنسانيته من خلال كونه مسؤولاً، يجعلنا نشعر بالدوار والعبث والفراغ الهائل، لأنّها تصبح عند ذاك حياة الغرائز المنفلتة. إنّك حين تعيش المسؤولية في البيت، فإنّك تعيش الالتزام الأخلاقي إزاء الأسرة، فللأب مسؤولياته تجاه أولاده وزوجته، وللزوجة مسؤوليات إزاء زوجها وأولادها، وللأولاد مسؤولياتهم إزاء الأبوين وإزاء بعضهم البعض، وإذا تحلّلنا من ذلك وتنصّلنا عنه، تزعزعت أركان أسرة وتصدّعت، فلا يعود هناك أب يهتمّ بشؤون أسرته ولا أُم ترعى مصالح أبنائها، ولا أبناء يشعرون بوجوب الإحسان للوالدين. إنسان بلا مسؤولية يمكن أن نُسمِّيه بـ(اللاأبالي).. واللامبالاة هي شعور المرء بـ(الحياد) إزاء غيره، أي لا يكون إيجابياً ولا سلبياً معه.. اللاأبالي.. اللامسؤول ينعدم إحساسه ما يصيب غيره من خير أو شرّ.. الأمر عند سواء، حياديّته هذه ناتجة عن عدم شعوره بوازع ديني، أو قيم أخلاقية، أو مشترك إنسانيّ. تصوّر أنّ دجاجةً وضعت بيضاً ولم ترقد عليه (21) يوماً.. هل كانت استمرّت ذرِّية الدجاج في الإنتشار والتوسّع؟ أما كان ذلك يُشكِّل سبباً في انقراض الدّجاج؟ أما كانت موائدنا العامرة به تبدو فقيرة بغير هذا اللحم الأبيض الشهي الخالي من الكوليسترول؟! تصوّر أنّ أمّاً تخلّت عن تربية إبنها وأودعته في دار حضانة، أو أوكلت به مربِّية غيرها لانشغالها بأعمالٍ خارج البيت، كيف سينشأ هذا الطفل بعيداً عن حنان أمِّه ورعايتها، وحبّها وإخلاصها وتقديرها لاحتياجاته النفسية؟! تصوّر أنّ مدير شركة تركَ الشركة بأيدي العمّال من دون أن يُعيِّن مسؤولاً مشرفاً عليهم يكون بدوره مسؤولاً أمام صاحب الشركة عن كلِّ ما يدور فيها.. كيف سيكون وضع هذه الشركة، وكيف يكون إنتاجها؟! لو كانت (اللاأباليّة) و(اللامسؤوليّة) نظاماً يحكم الحياة، لانتفت الحاجة إلى (القوانين) و(الدساتير) و(الأنظمة الداخلية) وتوزيع المهام والمناصب والأدوار. عالَم بلا مسؤوليات هو عالَم مُهدّد بالفساد والخراب وبالحروب الضارية وبالتنازع والفشل والخصومات التي لا حدود لها.. إنّه انهيار كلِّي شامل، فمثل المسؤول كمثل ربّان السفينة إذا ترك سفينته في مهبّ الرِّيح وبيد الأمواج المتصارعة فإنّه يكون قد أسلمها وأسلم ركّابها وحمولتها إلى الخطر الداهم والغرق المحقّق. ولذلك، فإنّ من بين ملامح الجمال والحكمة في هذا العالم، هي هذه المسؤوليات التي تناط بنا، ونتنافس على أدائها بأفضل وجه.   - بداية المسؤولية: ها أنتَ تغادر مسرح طفولتك وملعب صباك لتطأ أعتاب شبابك.. تلك مرحلة انطوت لم تكن فيها مسؤولاً.. أبوك وأمّك كانا يتولّيان رعايتك ويقومان بمسؤولية تربيتك والإنفاق عليك.. اليوم اختلف الأمر.. ما زلتَ قريباً منهما وتحظى بعنايتهما، لكنّك لم تعد ذلك الطفل الصغير اللاهي.. لقد تغيّرت فيك أشياء كثيرة سواء في جسدك أو في مداركك العقليّة.. إنك الآن تدخل عالم الكبار.. تتحوّل من طفل إلى رجل. هذا التغيّر الذي يحصل لكلِّ فتى وفتاة يمثِّل إنتقالة طبيعية لكلٍّ منهما، لكنّه أيضاً يمثِّل مرحلة جديدة في عالم المسؤوليات.. فمن (طفلٍ لاهٍ) إلى (رجل مسؤول) أو (امرأة مسؤولة). في هذه السن التي يطلق عليها بـ(المراهقة)، يصبح الشاب والشابة مسؤولين أمام الله سبحانه وتعالى ضمن تكاليف وفروض وواجبات عليهما أن يمارساها خلال فترة حياتهما. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّ الشاب – فتى كان أو فتاة لا فرق – سيقف منذ اليوم هو والأكبر سنّاً منه على قدم المساواة في ساحة المسؤولية والمحاسبة، فأنا – حديث العهد بالإلتزام بالمسؤولية – وأبي وأمِّي اللذان سبقاني إلى تحمّل مسؤولياتهما، مطالبون بأداء نفس المسؤوليات.. هما يتحمّلان مسؤولية أعمالهما، وأنا أتحمّل مسؤولية أعمالي أداءً وتقصيراً.. قبل اليوم كنتُ أصلِّي أحياناً.. وأحياناً لا أصلِّي.. اليوم أصبحتُ مسؤولاً.. أصلِّي في كل وقتٍ من الأوقات الخمسة.. قبل اليوم كان صومي (لُماماً).. متقطِّعاً.. اليوم وجبَ عليَّ أن أصوم الشهر كاملاً.. طهارتي قبل اليوم لم أكن أدقِّق فيها كثيراً.. من اليوم وصاعداً.. أصبحتُ أهتمّ بكلِّ ما هو طاهر وأبتعد عن كلِّ ما هو نجس.. قبل اليوم معاملاتي (مزاجية).. اليوم أصبحت منظبطة بضوابط والتزامات شرعيّة.. فهذا واجب يجب أن أعمله، وهذا حرام يجب أن أبتعد عنه، وهذا مكروه أحاول اجتنابه. لقد ولّى عهد التواكل والإسترخاء واللّهو والعبث الطفولي، ودقّت ساعة العمل الجادّ، ففي هذا المعمل الواسع الكبير الذي اسمه الكون لك موقعك بين مواقع العمل المسؤول، وهو أشبه شيء بورشات متعدِّدة تعمل باتِّجاه هدف واحد هو كسب مرضاة الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) (الإنشقاق/ 6).

تعليقات

  • Nadia

    بارك الله فيك

ارسال التعليق

Top