• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هدفية الصوم

عمار كاظم

هدفية الصوم
الصَومُ من العبادات الإسلامية الكبرى.. إنّ هذه العبادة تتحقق بأن يمسك الإنسان عن الأكل والشرب ويتجنّب الكثير من الأمور والكذب على الله والنبيّ (ص) من طلوع الفجر إلى المغرب بقصد الصوم.. إنّ الصوم يحظى من بين العبادات الإسلامية بمكانة متميّزة جدّاً، وقد وردت حوله روايات عديدة منها ما يلي: قال رسول الله (ص): "الصوم جُنّة من النار". عن أبي عبد الله (ع) قال: "إنّ الله تعالى يقول: الصومُ لي وأنا أجزي عليه". عن أبي عبد الله (ع) قال: "نومُ الصائم عبادة وصَمْته تسبيحٌ، وعَمَله متقبَّل، ودعاؤُه مستجاب". قال رسول الله (ص): "قال الله عزّ وجلّ: كلّ أعمال ابن آدم بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف إلّا الصبرُ فإنّه لي، وأنا أجزي به، فثوابُ الصبر مخزونٌ في عِلم الله، والصبرُ الصوم". عن أبي جعفر (ع) قال: "بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية". إنّ وقت الصوم الواجب في الإسلام هو شهر رمضان فيجب على كلّ فردٍ مسلمٍ وَصَل إلى سن البلوغ ولم يكن له عذر شرعي، أن يصوم شهر رمضان من أوّله إلى آخره.. ولو أفطر من دون عذر شرعي ارتكب معصية كبيرةً ووجب عليه القضاءُ والكفارة معاً. ثمّ إنّه يجوز لعدة طوائف أن يفطروا ولا يصوموا شهر رمضان بعضه أو كلّه وهم كالتالي: (المريض الذي يضرّ به المرضُ - المسافر الذي يقطع على الأقل ثمانية فراسخ ذهاباً وإياباً، أو ذهاباً فقط -الحائض والنفساء - المرأة الحامل المقرب، أو التي يضرّ الصوم بحملها - المرأةُ المرضعة، ويقلّ لبنُها على أثر الصوم، أو يضرّ الصوم بها أو بطفلها). هذه الأصناف يجوز لها الإفطارُ ولكن يجب عليها القضاء، فيما بعد. أمّا الشيخ والشيخة اللذان لا يستطيعان الصوم أبداً أو يشقّ عليهما ذلك، ولا يجب على هؤلاء القضاء أيضاً. إنّ ما تم ذكره في تعريف الصوم يطابق النظرة الفقهية للإسلام، ولكن للإمساك في الصوم في نظر علماء الأخلاق معنى أوسع.. فهم يقولون: إنّ صوم المرء إنما يكون كاملاً ومقبولاً إذا صامت جوارحهُ عن الذنوب، مضافاً إلى الإمساك عما ذكِر من المفطرات، يعني أن يُجنِّبَ بصره المعصية المرتبطة بها، وأذنه ولسانه ويده ورجله الإثم المرتبط بها. إنّ مثل هذا الصوم يسمى بصوم الخواصّ.. والأعلى من هذا الصوم هو صوم أولئك الذي يمنعون قلوبهم عن كلّ ما سوى الله، مضافاً إلى الإمساك عن الأكل والشرب، وتجنب المعاصي والذنوب.. ويرون الله حاضراً ناظراً أبداً، ويشاهدون مجلس ضيافته.. إنّ مثل هذا الصوم يسمى بصوم خواص الخواص. ولم يذهب علماءُ الأخلاق إلى هذا التقسيم اعتباطاً، بل استفادوه من أحاديث ورَدَت في هذا المجال، ونذكر على سبيل المثال ما يأتي: عن الرواي سَمِعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "ليس الصيامُ من الطعام والشراب، أن لا يأكل الإنسان ولا يشرب فقط، ولكن إذا صمتَ فليصمْ سمعُك وبصرُك ولِسانُك وبطنُك وفرجُكِ واحفظ يدك وفرجَك وأكثِر السكوت إلّا من خير، وارفق بخادمك". قال أبو عبد الله (ع): "إذا صمتَ فليصم سمعُك وبصرُك من الحرام والقبيح، ودع المراءَ وأذى الخادم، وليكنْ عليك وقارُ الصائم، ولا تجعل يوم صومِك كيوم فطركَ". قال رسول الله (ص) في خُطبة له": ومَن صام شهر رمضان في إنصاتٍ وسكوتٍ وكفّ سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة تقرُّباً، قرّبَهُ الله منه حتى تمسّ رُكبتاهُ ركبتَي إبراهيم خليل الرحمان". وعن أبي عبد الله (ع) قال: "إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، إنما للصوم شرطٌ يحتاج أن يحفظ حتى يتم الصومُ، وهو الصمتُ الداخل أما تسمع قول مريم بنت عمران: إني نَذَرتُ للرحمان صَوماً فَلَنْ أُكلِّم اليوم إنسيّاً، يعني صمتاً، فإذا صُمتم فاحفظوا ألسنتكُم عن الكذب، وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تمارُوا ولا تكذبوا ولا تباشِروا ولا تُخالفوا ولا تغاضبوا ولا تسابّوا ولا تشاتموا ولا تنابزوا ولا تجادِلوا ولا تبادوا ولا تظلموا ولا تسافهوا، ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، وألزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ومجانبة أهل الشر، واجتنبوا قول الزور والكذب والمراء والخصومة، وظن السوء والغيبة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيّامكم، منتظرين لما وَعَدَكُمْ الله متزودين للقاء الله وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبد الخائف من مولاه راجين خائفين راغبين راهبين قد طهّرتم القلوب من العيوب وتقدست سرائركم من الخب، ونظفت الجسم من القاذورات، تبرأ إلى الله من عداه، وواليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السر والعلانية، وخشيت الله حقّ خشيته في السر والعلانية ووَهَبْتَ نفسك لله في أيّام صومك، وفرغت قلبك له فيما أمرك الله ودعاكَ إليه فإذا فعلت كلّه فأنت صائمٌ لله بحقيقة صومه صانعٌ لما أمرك، وكلّما نقصتَ منها شيئاً مما بيّنتُ لك فقد نقص من صومِك بمقدار ذلك (إلى أن قال): إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب إنما جعل الله ذلك حجاباً مموا سواها من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصوم، ما أقلّ الصوّام وأكثر الجوّاع". إنّ الصوم ليست عبادة بسيطة وعادية بل هي أكبر عبادة ذات مصالح وحِكَم متعددة أشارت إليها الأحاديث: الأوّل: المعنوية، والافاضات الربانية التي يحظى بها الصائم من جانب الله. عن أبي حمزة الثمالي قد سمعتُ أبا عبد الله (ع) يقول: "إنّ الصائم ليرتع في رياض الجنة، وتدعو له الملائكة حتى يفطر". عن أمير المؤمنين (ع) قال رسول الله (ص) في ليلة المعراج: "يا ربّ ما أوّل العبادة قال: أوّل العبادة الصمتُ والصومُ. قال: وما ميراثُ الصوم؟ قال: يورثُ الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبدُ لا يبالي كيف أصبح بعسرٍ أم بيسرٍ". حسن بن صدقة قال قال أبو الحسن (ع): "قيلوا، فإنّ الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه". وعن عليّ (ع) قال: "إنّ رسول الله خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهرٌ هو عند أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، هو شهرٌ دعيتم فيه إلى ضيافه الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيحٌ، ونومكم فيه عبادةٌ وعملكم فيه مقبولٌ، ودعاؤكم فيه مستجابٌ". الثاني: الفلسفة الثانية للصيوم التي أشير إليها في الأحاديث هي إنّ الأغنياء يذوقون على أثر الصوم ألم الجوع، وبهذا يتذكّرون حالة الفقراء والمحرومين وما يلاقونه من ضيق ومشقة في مأكلهم ومطعمهم فيفكرون في مدّ العون إليهم. سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله (ع) عن علة الصيام؟ فقال: "إنما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير، وذلك إنّ الغني لم يكن ليجد مسَّ الجوع فيرحم الفقير لأنّ الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله أن يسوّي بين خلقه، وأن يذوق الغني مسّ الجوع وإلّا لم يرقَ على الضعيف ويرحم الجائع". كتب أبو الحسن عليّ بن موسى (ع) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله: "علة الصوم لعرفان مسّ الجوع والعطش ليكون ذليلاً مستكيناً مأجوراً صابراً، ويكون ذلك دليلاً على شدائد الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظاً له في العاجل دليلاً له على الآجل ليعلم شدّة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة".

ارسال التعليق

Top